بيروت: غادر وزير الخارجية الفرنسية، بيروت مساء الثلاثاء مع الوفد المرافق له بعد زيارة استمرت يومين التقى خلالها عددا من المسؤولين اللبنانيين، وتركزت المباحثات حول تداعيات الحرب السورية وازمة اللاجئين والازمة السياسية في لبنان، مكررا التاكيد الفرنسي بتقديم ما يلزم من الدعم للبنان.

الأزمة السورية

وخلال زيارته، أكد ايرولت إنه لا حل للأزمة السورية إلا عن طريق الحل السياسي ، وقال في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره اللبناني جبران باسيل بعد لقاء جمعهما في بيروت مساء اليوم الثلاثاء :"ما من حل عسكري في سوريا، بل ما من حل إلا الحل السياسي لهذه الأزمة، ولبنان وفرنسا يتشاطران هذا الرأي".

وأضاف إن لبنان يواجه تحديات تتعلق “بتداعيات الأزمة السورية، والعدد الكبير للاجئين، فلا يتحمل أي بلد في العالم ما يتحمله لبنان، وسيتم تخصيص للبنان نصف مبلغ المئتي مليون يورو الذي تقدمه فرنسا للدول المجاورة لسورية".

وأوضح إيرلوت ان بلاده "ملتزمة بإعادة استقبال 3000 لاجئ سوري خلال العام المقبل على ارضها، ونحن في طور دراسة الملفات من اجل التسريع باستقبال هؤلاء بأسرع وقت وفي أفضل الظروف الممكنة".

وقال الوزير الفرنسي في ختام زيارته التي استغرقت يومين "ان فرنسا تقف اليوم الى جانب لبنان اكثر من اي وقت مضى".

وكرر التاكيد على الدعم الذي سبق ما وعد به الرئيس فرنسوا هولاند للبنان. واوضح ان فرنسا ستقدم قبل نهاية العام الحالي مساعدة للبنان بقيمة 50 مليون يورو لمساعدته على مواجهة ازمة اللاجئين السوريين كما وعد بنقل ثلاثة الاف منهم الى فرنسا عامي 2016 و2017.

ويستقبل لبنان نحو 1 مليون لاجىء سوري و"استنفد قدرته الاستيعابية" بحسب ما قال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مؤتمر صحافي مع ايرولت.
واضاف باسيل "ان أي مشروع يرمي إلى إدماج اللاجئين أو النازحين في لبنان محظور من دستورنا ومرفوض من شعبنا"، مضيفا "نقر بقدرة فرنسا على لعب دور يمكن أن يكون رئيسيا فيما لو تولت قيادة الجهود الدولية لصالح عودة اللاجئين إلى بلدانهم".

وكان الوزير الفرنسي زار صباح الثلاثاء مقر منظمة غير حكومية تعنى بشؤون اللاجئين، وقال له رئيسها كامل مهنا ان الوعد الفرنسي بنقل ثلاثة الاف لاجئ سوري من لبنان الى فرنسا "غير كاف" واعتبر ان الازمة الناتجة عن المهاجرين "كارثية ومتفجرة".

وكرر ايرولت القول ان "سبب هذا الوضع المأساوي هو الحرب في سوريا وهناك ضرورة قصوى للتوصل الى وقف لاطلاق النار".

لقاء مع نواب حزب الله

وحول تداعيات الازمة السورية على الوضع في لبنان اكد ايرولت عزم فرنسا على مساعدة الجيش اللبناني "ورفع الدعم الى مستوى اعلى"، من دون ان يقدم تفاصيل اضافية.

وتباحث الوزير الفرنسي ايضا في الازمة السياسية الداخلية في لبنان حيث لا تزال البلاد من دون رئيس منذ اكثر من سنتين.

والتقى ايرولت العديد من القادة السياسيين في لبنان من جميع الاتجاهات وبينهم نواب في حزب الله.
وكرر ايرولت القول "نسعى جاهدين لخلق الظروف التي تساعدكم على الخروج من الازمة ويمكن ان نلعب دور المسهل"، معتبرا ان هذه النقطة ستكون اولوية بالنسبة لفرنسا خلال الاشهر القليلة المقبلة.

اسرائيل تنتقد

وفي سياق متصل، انتقدت اسرائيل وزير الخارجية الفرنسي جان-مارك ايرولت بسبب اجتماعه بنواب من حزب الله خلال زيارته الى لبنان.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ايمانويل نحشون لوكالة فرانس برس ان "الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية لا تفرق بين ذراع عسكرية وذراع سياسية لحزب الله الذي تعتبره منظمة ارهابية. ليس هناك اي سبب يدعو فرنسا لان تتصرف بشكل مغاير".
معللا ذلك أن الذراع العسكرية لحزب الله مدرجة على قائمة الاتحاد الاوروبي للمنظمات الارهابية، و ان الحزب الشيعي هو منظمة ارهابية بحسب تصنيف الجامعة العربية في آذار/مارس.

دعم سعودي-إيراني

تشدد مصادر الخارجية الفرنسية التي تحدثت لـ"إيلاف" على أن استقرار لبنان يمر من خلال محاولة إقناع اللبنانيين بإنهاء التعطيل الدستوري والأزمة السياسية، مؤكدة أنّ لقاءات وزير الخارجية الفرنسي في لبنان تمت "بموافقة السعودية وإيران على انهاء الشغور الرئاسي".

بُرمجت زيارة أيرولت إلى لبنان بعد محادثات أجراها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في باريس الأسبوع الماضي، وبعد زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى فرنسا في يونيو الماضي، وبعد تشديد الجانبين السعودي والإيراني آنذاك على أنهما لا يُعارضان انتخاب رئيس للجمهورية تتوافق عليه القوى السياسية اللبنانية.

إيران "جدية"

يرى الكاتب والصحفي حسن الحسيني بأن الجانب الإيراني حصل على ما كان يسعى إليه، وهو التطبيع مع الدول الغربية بعد توقيع الإتفاق حول برنامج طهران النووي، لكن الغرب ما زال يشكك بإيجابية دور طهران في حل أزمات الشرق الأوسط، وهذا يعرقل رفع العقوبات الأميركية عن إيران.

قال: "تحتاج إيران اليوم إلى مئات المليارات من أموال الإستثمارات الأجنبية، وهي اليوم غير قادرة على جذب الاستثمارات، وصحيحٌ أن الشركات الأوروبية تهافتت إلى طهران للتوقيع على عقود، لكن المشكلة تبقى أن المصارف الأوروبية تتردد في تمويل الاستثمارات التي تحتاجها إيران، لأنها تخشى العقوبات الأميركية بعدما حكم القضاء الأميركي على مصرف بي أن بي باريبا الفرنسي بغرامة قيمتها عشرة مليارات دولار لعدم احترامه العقوبات المفروضة على إيران، ومن أجل ذلك تحتاج طهران اليوم إلى إظهار الليونة في سياستها الخارجية بدءًا من لبنان، إذ ربما يكون أسهل عليها تحييد لبنان وعدم ربط إنهاء الأزمة السياسية في لبنان بانتهاء الصراع في سوريا، وهذا ما يسعى إليه وزير الخارجية الفرنسية في جزء من زيارته".

وردًا على الأسئلة المشككة بنوايا إيران، حرصت مصادر الخارجية الفرنسية على التأكيد أن الرسالة الإيرانية الداعمة لإنتخاب رئيس للجمهورية "جدية".

لتفادي الانهيار الاقتصادي

عوّل أيرولت الذي أنهى زيارته إلى لبنان يوم الثلاثاء، على إقناع اللبنانيين بضرورة إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان لتفادي انهيار اقتصادهم الذي بات على شفير الهاوية نتيجة تعطيل المؤسسات الدستورية من جهة، والأزمة السياسية وتداعيات الصراع السوري على الاقتصاد اللبناني. ويتواجد أكثر من مليون لاجىء سوري في لبنان.

في هذا الإطار، شددت مصادر الخارجية الفرنسية على أن باريس، على غرار الإتحاد الأوروبي، تعتبر الجناح العسكري لحزب الله وحده إرهابيًا، وليس كالولايات المتحدة التي تصنف حزب الله بجناحيه منظمة إرهابية.

يقول الحسيني إن الموقف الفرنسي يحمل أكثر من دلالة، "إذ ربما يكون إحدى وسائل إقناع حزب الله بأن له مصلحة في انهاء التعطيل الدستوري خصوصًا بعد الإنتخابات البلدية التي جرت أخيرًا في لبنان، وتمكنت، في سابقة من نوعها، قوى سياسية محلية وعائلية من اختراق قوائم حزب الله وحركة امل في البلديات المحسوبة تاريخيًا على هاتين القوتين، في مؤشر إلى ازدياد حدة التذمر الشعبي من تعطيل المرافق والخدمات العامة في البلاد".

نبرة مختلفة

إلى ذلك، تفيد مصادر الخارجية الفرنسية بأنها لمست نبرة سعودية تجاه لبنان تختلف عما كانت عليه قبل أربعة أشهر، من دون أن يعني ذلك أن الممكلة السعودية ستعيد قريبًا تمويل الصفقة الفرنسية لتسليح الجيش اللبناني، لكن فرنسا لطالما شددت على أن الجانب السعودي علّق صفقة تسليح الجيش اللبناني ولم يُلغها.