«إيلاف» من القاهرة: في يونيو من العام 2014، خرج من رحم الفوضى "داعش"، الذي يوصف بأكبر تنظيم إرهابي في العالم، وأعلن قائده أبو بكر البغدادي ولادة الخلافة الإسلامية في العراق والشام، واجتذب التنظيم عشرات الآلاف من المسلمين من مختلف أنحاء العالم، لاسيما بعد سيطرته على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا.
وتقدر أجهزة الاستخبارات الأجنبية عدد عناصر التنظيم بأكثر من 40 ألف فرد، بينما أعلنت السلطات التركية في منتصف شهر يونيو الماضي، أنها أحصت أسماء 53781 شخصًا من 146 دولة ينتمون إلى التنظيم.
ومع إعلان رئيس الوزراء العراقي في نهاية شهر نوفمبر الماضي، الانتصار على "داعش"، ومع إعلان الرئيس الروسي هزيمة التنظيم في سوريا، يتساءل الجميع: أين اختفى كل هؤلاء الأشخاص الذين يحملون أفكارًا تكفيرية وعنيفة للمجتمعات؟
وفي محاولة جادة لمعرفة أين تبخر عناصر تنظيم داعش، أعد مرصد الأزهر المختص بالبحث في أحوال الجماعات المتشددة، دراسة كشف فيها عن الوجهات الجديدة التي قصدها هؤلاء الأشخاص، مستندًا فيها إلى دراسات أخرى وتصريحات لمسؤولين غربيين وتقارير إعلامية.
ووفقًا للدراسة، فإنه "على الرغم من عودة بعض القادمين من داعش إلى أوطانهم الأصلية، إلا أن التنظيم صنع امتدادات ومعاقل له عبر دول العالم، حتى إنه سعى لتأسيس منظمة عابرة للقارات، ومن ثم نجح في الحصول على بيعة كثير من الجماعات الإرهابية والأصولية، فامتدت معاقله في شمال وغرب أفريقيا، ووسط آسيا، وجنوب شرق آسيا الواقع غرب المحيط الهادي".
وكشفت الدراسة أن عناصر التنظيم ينتشرون في بعض الدول التي بايعه فيها تنظيمات أخرى، وهي كالتالي.
العراق: اتجهت الأنظار عقب إعلان تطهير الموصل من داعش في العاشر من يوليو نحو المعاقل الأخرى للتنظيم بالعراق، فكان كل من قضاء (الحويجة) بكركوك، وقضاء (القائم) التابع لمحافظة الأنبار والمحاذي للحدود السورية-العراقية، وقضاء (الشرقاط) التابع لمحافظة صلاح الدين، في انتظار دورهم لتخليصهم من أيادي داعش، مشيرة إلى أن التنظيم استغل الفراغ الأمني في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق والأراضي الصحراوية الممتدة بالمنطقة في التحرك بسهولة، وتشكيل ما يضمن استمرار كيانه.
أما في سوريا، فقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت من طرد تنظيم داعش و تطهير مدينة الرقة بالكامل منه، وأورد موقع رويترز أن عناصر "داعش" الأجانب في الرقة استسلموا إلى التحالف الدولي، فيما أكد الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديموقراطية، طلال سلو، لفرانس برس عبر الهاتف، أنه "تم الانتهاء من العمليات العسكرية في الرقة، وسيطرت قواتنا بالكامل على المدينة، وتقوم القوات منذ شهر أكتوبر الماضي بعمليات تمشيط واسعة؛ للقضاء على الخلايا النائمة إن وجدت وتطهير المدينة من الألغام، والسؤال هنا: إلى متى سيستمر وجود تنظيم داعش داخل سوريا، وخاصة في المناطق الواقعة شمال جبال قلمون على الحدود اللبنانية، و"جبال البلس"، وحي الحجر الأسود جنوب العاصمة السورية (دمشق)؟
وبعيدًا عن تنظيم داعش في سوريا والعراق، ذكرت الدراسة استنادًا إلى تقرير نشر في وكالة أنباء الأناضول، أن هناك أربع أذرع للتنظيم في دول أخرى هي:
الفلبين: جزيرة "مينداناو"؛ وفقًا للتقارير الرسمية توجد أربع أذرع لتنظيم داعش بالفلبين:
جماعة أبو سياف: تأسست عام 1991 م، وأعلنت ولاءها وبيعتها لداعش عام 2014 م، وينتمى لها ما يقرب من أربعمائة شخص وفقًا للخبر الذي أعدته أسوشيدت برس عام 2015 م.
حركة الاستقلال الإسلامي: وتسمى (بنج سامار)، وتأسست عام 2008 م، وصرحت عام 2014 م بأنها تابعة لداعش وأنها قدمت له البيعة. وبينما بلغ أعضاء الحركة عام 2015 م (500) شخص، فقد تناقص عددهم إلى (140) شخصًا عام 2016 م.
أنصار الخلافة: تأسست عام 2104 م كجماعة تابعة لداعش، ووصل عدد أعضائها نهاية عام 2016 م إلى أقل من خمسين شخصًا.
جبهة تحرير مورو الإسلامية: تأسست عام 2013 م متأثرة بالفكر الداعشي؛ حيث استولت على بعض الأحياء الموجودة في مدينة (مراوي) شمال جزيرة مينداناو، وفي شهر مايو رفعت علم داعش على بعض الأبنية بالمدينة. وقد أشار مسؤولون بالحكومة إلى أن عدد المقاتلين المسلحين التابعين للجبهة في حدود المائة.
مصر: شبه جزيرة سيناء، حيث أعلنت ثلث الجماعات الموجود بها مبايعتها وولاءها لداعش، ولا سيما الموجودة في شمال سيناء، ومن أشهرها جماعة "أنصار بيت المقدس" التي ظهرت عام 2011 م، وبايعت داعش نوفمبر 2014 م؛ حيث غيرت اسم شبه جزيرة سيناء إلى (ولاية سيناء). ووفقا لتقرير BBC تتفاوت أعداد المقاتلين المسلحين اعتبار من عام 2016 م ما بين 1000-1500.
ليبيا: أعلن تنظيم داعش قيام ثلاث ولايات في ليبيا في كل من طربلس، وبرقة، وفزان، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا في الفترة 2015 - 2016 قلعة له في شمال إفريقيا، واستولى على مدينة (سرت) في 2015 م، وصرح البنتاغون في 2016 م أن عدد مقاتلي تنظيم داعش بليبيا في حدود 6500 مقاتل. ونظرًا لتضافر القوى الثورية نجحت ليبيا في دحر التنظيم في العديد من مدنها، آخرها كان مدينة سرت، حيث انسحب كثيرٌ منهم إلى المنطقة الصحراوية أو أنهم انسحبوا من ليبيا وفقًا لتقرير مجلة الإيكونوميست.
نيجيريا: بورنو؛ تمارس داعش نشاطها شمال غرب نيجيريا، فقد أعلنت جماعة بوكو حرام في 2015 م مبايعتها لداعش، وغيرت اسمها إلى (ولاية غرب أفريقيا)، وتتبع هذه الجماعة نفس ممارسات داعش الوحشية تجاه المدنيين، وعلى حين صرحت الولايات المتحدة الأميركية أن هذه الجماعة التي تأسست عام 2002 م تضم من 4 إلى 6 آلاف مقاتل، فقد صرحت منظمة العفو الدولية أن هذا العدد وصل إلى خمسة عشر ألف مقاتل؛ حيث تقوم الجماعة بالعديد من العمليات الإرهابية في مناطق نيجيريا.
وتتحين داعش الفرصة لتعزيز وجودها وقوتها في بعض المناطق والدول، ولا سيما الدول التي تعاني فراغًا أمنيًا، ومن هذه الدول:
باكستان وأفغانستان: تتخذ داعش منذ عام 2015 م وإلى الآن من الهند وصولًا ببنغلادش ساحة نفوذ ونشاط لها، ووفقا لتقديرات الجيش الأميركي يبلغ عدد المقاتلين المنضمين لـ (ولاية خراسان) ما بين 6000-8000. وتضم باكستان جماعة (جند الله) التي تأسست عام1996م، وأعلنت مبايعة داعش عام 2014 م، وتضم ما بين 400-1000 مقاتل، حيث تسهدف الأقليات في المناطق التي تقطنها أغلبية شيعية.
وسط آسيا وروسيا: وتتبع داعش في هذه المنطقة (حركة أوزبكستان الإسلامية)، التي تأسست عام 1998 م، وبايعت تنظيم داعش عام 2105 م، حيث فقدت كثيرًا من مقاتليها عقب هذه البيعة، وقد استخدمت الجماعة في السابق كلًّا من أوزبكستان، طاجيكستان ووادي فرغانة الواقع على حدود قيرغيزستان قواعد لها، إلا أنها مشتتة الآن بين شمال أفغانستان، وغرب الصين، وشرق باكستان، وتتهم الحركة بإرسال مقاتليها إلى سوريا والعراق، وقيامها بالعديد من الأعمال الإرهابية.
وفي روسيا: بايعت (ولاية القوقاز) داعش عام 2015 م، وقد أرسلت مقاتليها إلى سوريا والعراق، متعللة بالذهاب لمؤازرة نظام الأسد.
وإلى جانب الدول السابقة، يوجد تنظيم داعش بقوة في "الصومال" و"اليمن"، فضلًا عن وجود العشرات من مقاتليه في "الجزائر"، وقد انضم العديد من الشباب في "مالي" و"النيجر" و"بوركينا فاسو" إلى (تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى)، والذي تأسس عام 2015 م والمنشق عن منظمة (مرابطون).
الخطر ليس في عناصر التنظيم فقط، بل يشمل أيضًا عائلاتهم، وأفادت الدراسة، أن "العائلات العائدة مع هؤلاء الإرهابيين؛ أي زوجاتهم وأولادهم قد تأثروا بالتأكيد بأيديولوجية "داعش"، حتى وإن كانوا لم يرتكبوا أعمالًا إرهابية، إلا أنهم عاشوا داخل هذه الجماعات وتأثروا بها، وبدل من أن يطمح هؤلاء الأطفال العائدون في أن يصبحوا أطباء ومهندسين وأعضاء نافعين وصالحين في مجتمعهم، قد يحلمون بأن يكونوا محاربين داخل عالم "داعش" الذي يبدأ فيه الأطفال بتلقي تعاليم هذا التنظيم في الخامسة من عمرهم، ثم التدرب على السمع والطاعة والولاء، ثم حمل السلاح مع بلوغ سن التاسعة، وحينها يدركون أن الهدف الأسمى لهم في هذه الحياة إما الموت من أجل دعوتهم أو من أجل قائدهم".
وترى الدراسة أن إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال والنساء ستكون عملية صعبة للغاية، ولو أن تلك الدول فكرت في استبعاد هؤلاء العائدين ونبذهم بعيدًا خارج المجتمع، فستكون بذلك قد أعدت أعضاء جددًا مرشحين لأن يكونوا إرهابيي المستقبل.
التعليقات