بروكسل: بدت الولايات المتحدة في عزلة على الساحة الدولية بعد إعلانها الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ فيما طرح الإتحاد الأوروبي والصين نفسيهما كحاملين لـ"شعلة" الدبلوماسية المناخية.

وتوالت ردود الفعل من أوساط السياسة والاقتصاد من جميع أنحاء العالم وراوحت بين الصدمة والغضب وايضا التصميم على مواصلة الجهد المشترك الذي اعلن في باريس.

تزامنا، وفرت القمة السنوية بين الاتحاد الاوروبي والصين التي عقدت الجمعة في بروكسل منصة للشريكين للتأكيد بحزم على التزامهما المشترك.

في ختام القمة قال رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك "اليوم نعمل على تكثيف تعاوننا حول التغير المناخي مع الصين".

لكن مصدرا اوروبيا اكد لوكالة الصحافة الفرنسية ان الصين والاتحاد الاوروبي لم يتوافقا على اصدار بيان مشترك حول المناخ الجمعة في بروكسل بسبب استمرار الخلافات حول قضايا تجارية. وقال ان "لا مشكلة بشأن المناخ ولا اتفاق باريس".

مع افتتاح القمة الاوروبية الصينية صباحا رسم رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر ملامح تحرك جديد في مكافحة تغير المناخ. وقال يونكر ان "شراكتنا اليوم اكثر اهمية من اي وقت سابق" مضيفا ان مكافحة التبدل المناخي "اكثر اهمية اليوم من الامس".

اما الصين التي بدت اكثر تكتما بهذا الشأن من الاتحاد الاوروبي في بروكسل الجمعة، فأكدت انها مستعدة "للتمسك بالنتيجة" التي تحققت في باريس واتخاذ اجراءات ملموسة للسماح بتطبيق الاتفاق.

 

رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك ورئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ

 

وكان التزام الولايات المتحدة برئاسة باراك اوباما الى جانب الصين ساهم الى حد كبير في نجاح اتفاق باريس الذي وقع في ديسمبر 2015 من جانب اكثر من 190 دولة بهدف الحد من ارتفاع متوسط حرارة العالم بحيث تبقى دون درجتين مئويتين مقارنة مع الفترة التي سبقت الحقبة الصناعية.

وقدرت الامم المتحدة الجمعة ان الانسحاب الأميركي من الاتفاق يمكن "في اسوأ السيناريوات" ان يترجم ارتفاعا اضافيا ب0,3 درجة لحرارة الكوكب خلال القرن الحادي والعشرين.

وقلت الاصوات المخالفة ضمن سلسلة الادانات، وكان ابرزها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رفضه "الحكم" على نظيره الأميركي داعيا الى "العمل المشترك" مع واشنطن.

في خطاب مطول الخميس اعلن ترمب ان "الوقت حان" لانسحاب بلاده من اتفاق باريس، معربا عن ارادته التفاوض على اتفاق جديد او إعادة التفاوض على النص الساري، من دون تحديد الالتزامات التي قد تكون بلاده مستعدة لاتخاذها.

غير ان وزير الخارجية ريكس تيلرسون أعلن الجمعة ان بلاده ستواصل جهودها لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وقال "لا اعتقد اننا سنغير من جهودنا لخفض هذه الانبعاثات في المستقبل".

أكثر عزما

اكدت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل انها "عازمة اكثر من اي وقت" على التحرك من اجل المناخ بعد اعلان ترمب.

كما اتى رد الأوروبيين سريعا وقاطعا، فأصدرت برلين وباريس وروما بيانا مشترك أبدت فيه "أسفها" للقرار الأميركي، مؤكدة أنه لا يمكن في أي من الأحوال معاودة التفاوض في الاتفاقية.

واعتبر المفوض الاوروبي للعمل المناخي ميغيل ارياس كانيتي الذي فاوض في باريس ان المعاهدة الدولية "تلزم بلدا وليس حزبا" سياسيا لافتا الى ان الولايات المتحدة لم تأخذ العبر من اتفاق كيوتو السابق حول المناخ والذي لم تشارك فيه.

كما وصف رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك القرار الأميركي بأنه "خطأ كبير، اكبر من عدم الانضمام الى بروتوكول كيوتو".

واعربت الامم المتحدة التي ترعى الاتفاق عن "خيبة امل كبيرة".

وراى الامين العام للامم المتحدة انطونيو غويتريش انه "لا يمكن وقف التحرك في ما يتعلق بالمناخ"، خصوصا أن تغير المناخ ظاهرة لا يمكن انكارها.

وردا على الرئيس الأميركي الذي يدعم الطاقات الاحفورية تحت شعار الدفاع عن الوظائف، كرر الاوروبيون وايضا البرازيل ونيوزيلندا ان المرحلة الانتقالية في مجال الطاقة هي عامل نمو.

بدورها دعت الهند، القوة الاسيوية الثانية والواردة ضمن الدول الخمس الأكثر تلويثا في العالم، الى احترام اتفاق باريس.

ضربة للدور القيادي الأميركي

يتجاوز قرار الخميس قضية المناخ وهو يعطي مؤشرا الى الدور الذي تنوي الولايات المتحدة بقيادة ترمب اداءه على الساحة الدولية في الاعوام المقبلة.

وفي الولايات المتحدة اعربت شخصيات اقتصادية عدة عن خيبة املها وشددت على وجوب التحرك للتصدي للاحتباس الحراري.

وسارع رئيس مجلس إدارة شركة "تيسلا" للسيارات الكهربائية إيلون ماسك المدافع بشدة عن مصادر الطاقة المتجددة، إلى الإعلان عن قراره الانسحاب من مجالس استشارية تنصح ترمب.

من نيويورك الى كاليفورنيا، نظمت عشرات المدن الأميركية سريعا حركة مقاومة ووعدت بمواصلة التوجه محليا نحو اقتصاد مراع للبيئة.

كما اعرب الرئيس السابق باراك اوباما عن الاسف لقرار خلفه مؤكدا انه "واثق بان ولاياتنا ومدننا وشركاتنا ستكون على قدر (المسؤولية) وستبذل مزيدا من الجهد لحماية كوكبنا من اجل الاجيال المقبلة".

وقضى الهدف الأميركي الذي حددته ادارة اوباما بتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 26 الى 28% حتى العام 2025، مقارنة بالعام 2005.

وبحسب آلية الانسحاب الواردة في المادة 28 من اتفاق باريس، فان الانسحاب الأميركي الفعلي سيسري في 2020. لكن ترمب حرص على التحديد ان بلده سيتوقف عن تطبيقه "اعتبارا من الآن".

وبمعزل عن الصدمة الناجمة عن هذا الإعلان، فهو يثير مخاوف فعلية بشأن التمويل، سواء لاتفاقية الأمم المتحدة للمناخ التي يؤمن الأميركيون 23% من ميزانيتها، أو للمساعدات الدولية للدول الفقيرة على غرار "الصندوق الأخضر".