طرابلس: تكشف المعارك الأخيرة التي وقعت بين مجموعتين مسلحتين قرب طرابلس، هشاشة الوضع في ليبيا التي لا تزال تعيش في فوضى عارمة، ما يجعل دعوات الأسرة الدولية إلى إجراء انتخابات قبل نهاية العام أقرب ما تكون الى الخيال.

وفي وقت كان القتال مستعرّا الإثنين قرب العاصمة بين فصيلين يُفترض أن يكونا مواليين لحكومة طرابلس، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جديد تصميمه على الدفع قدمًا بالاتفاق الذي أبرم بين مختلف الأطراف الليبيين في مايو الماضي في باريس، والذي ينصّ خصوصا على إجراء انتخابات في ديسمبر.

واعتبر محلّلون أن انقسام البلاد وانعدام الأمن وغياب بعض الجهات المؤثرة على الأرض عن اجتماع باريس، هي عوامل لا تبشر بقرب الوصول الى حل سياسي في ليبيا.

ومنذ اتخاذها طرابلس مقرًا لها في مارس 2016، عجزت حكومة الوفاق الوطني المنبثقة من&عملية رعتها الأمم المتحدة وتعترف بها الأسرة الدولية، عن بسط سلطتها على أجزاء كبيرة من البلاد التي لا تزال في قبضة عشرات المجموعات المسلحة.

على الساحة السياسية، لا يزال النزاع على السلطة قائماً بين حكومة الوفاق الوطني، وحكومة موازية في الشرق تحظى بتأييد آخر برلمان منتخب ويدعمها المشير خليفية حفتر على رأس "الجيش الوطني الليبي".

فشل صارخ

على غرار الحكومات التي سبقتها بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، عجزت حكومة الوفاق حتى الآن عن تشكيل جيش وقوات أمنية نظامية، واضطرت للتعويل على فصائل مسلحة لضمان الأمن في العاصمة.

وقالت فيديريكا سايني فاسانوتي من معهد بروكينغز في واشنطن إن الفصائل المسلحة "تولّت السلطة في ليبيا من دون أن تتمكن أية مؤسسة رسمية من الوقوف في&وجهها. على العكس، لقد شرّعتها" الحكومات المتتالية.&وأشارت إلى أن "هذه المجموعات المسلحة قوية إلى حد تهديد أولئك الذين من المفترض أن يكونوا مسؤولين عنها".

في هذا الإطار، تواجه الاثنين فصيلان مسلحان تابعان تقنياً لحكومة الوفاق بالمدفعية الثقيلة في أحياء سكنية على مداخل العاصمة، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإصابة 33 آخرين.

وأكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طرابلس خالد المنتصر أن المواجهات "تعكس الفشل الصارخ للتدابير الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي بين الأطراف الليبية (الموقع في المغرب في أواخر العام 2015) بهدف تفكيك الميليشيات وإخلاء المدن الكبيرة من الأسلحة الثقيلة".

ورأى أنه "يجب تشكيل قوة أمنية خاصة تكون مهمتها حماية مؤسسات الدولة وتحضير أجواء مواتية لإجراء الانتخابات (...) وفي ظل الظروف الحالية، سيكون من المستحيل تنظيم حتى انتخابات بلدية، خصوصًا في طرابلس".

وأشار الباحث الليبي في الشؤون السياسية عماد جلول الى أن العامل "الأمني هو عنصر أساسي لإجراء الانتخابات، ولذلك فإن الاعتماد على قادة المجموعات المسلحة غير القادرة على السيطرة على رجالها، هو أمر سخيف".

شبكات إجرامية&

في تقرير حديث بعنوان "عاصمة الميليشيات"، اعتبرت منظمة "سمول ارمز سورفاي" غير الحكومية المتخصصة في تحليل النزاعات المسلحة ومقرها جنيف، أن "ميليشيات طرابلس الكبرى تحوّلت إلى شبكات إجرامية تتعاطى في السياسة وإدارة الاعمال والحكم".

وأضاف التقرير أن هذه المجموعات "تسللت الى داخل المؤسسات الرسمية، وهي باتت قادرة على تنسيق أعمالها في العديد منها. أما الحكومة فهي عاجزة عن الوقوف في&وجه النفوذ المتنامي للميليشيات".&وبحسب محللين، فإن بإمكان هذه الفصائل منع اجراء أي انتخابات، في حال تبين لها أنها لا تخدم مصالحها.

على المستوى السياسي والتشريعي، لم تتخذ أي خطوة تقريباً للوفاء بالالتزامات التي اتُخذت في باريس والتي تنصّ على إقرار "أساس دستوري للانتخابات" وإقرار "قوانين انتخابية" قبل 16 سبتمبر 2018.

وتطالب أطراف ليبية عدة فاعلة بإعتماد مشروع دستور عبر استفتاء قبل أي انتخابات، لتجنب الدخول في فترة انتقالية جديدة. لكن منذ يونيو، لم يتمكن البرلمان المنتخب المتمركز&في الشرق، من تبني قانون حول الاستفتاء.&وفشل البرلمان الإثنين في تأمين عدد النواب الالزامي لتبني هذا القانون الذي يثير جدلا واسعًا.

وحذّر رئيس مجلس النواب المنتخب عقيلة صالح عيسى من أنه إذا لم يتأمن النصاب القانوني مرة جديدة الإثنين المقبل، فسيطبق قرار صادر من&هذا المجلس عام 2014 يقضي بانتخاب رئيس "موقت".&وبحسب محللين، فإن أطرافًا سياسيين يرفضون قرارات هذا البرلمان، وهي لا يمكن أن تجد طريقها الى التنفيذ ما لم يحصل توافق عليها من جميع الأطراف.