بيروت: يزيد الهجوم الذي بدأته تركيا قبل نحو أسبوع ضد المقاتلين الأكراد في منطقة عفرين، من تعقيدات النزاع السوري المتعدد الطرف الذي يقترب من اتمام عامه السابع.

وتحاول الأطراف المنخرطة في الحرب السورية والقوى الكبرى التي تدعمها تحقيق اكبر قدر من المكاسب الميدانية بهدف تقوية مواقعها على طاولة مفاوضات السلام المستمرة للتوصل الى حل سياسي.

وتشن تركيا مع فصائل سورية معارضة قريبة منها منذ السبت هجوماً تقول انه يستهدف المقاتلين الأكراد، أبرز حلفاء واشنطن في قتال تنظيم الدولة الاسلامية، الموجودين في منطقة عفرين في شمال سوريا.

- ما أهمية عفرين استراتيجياً؟
تقع منطقة عفرين في شمال محافظة حلب، تحدها تركيا من جهتي الشمال والغرب ومناطق سورية تحت سيطرة الفصائل المعارضة من جهتي الشرق والجنوب.

وتهدف أنقرة من هجومها الذي أطلقت عليه تسمية "غصن الزيتون" الى طرد المقاتلين الأكراد من حدودها. وتصنف حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الكردية على قائمة المنظمات "الارهابية" وتعتبرهما امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود.

ويرى محللون أن من شأن هذا الهجوم أن يسمح لأنقرة بتعزيز نفوذها في شمال غرب سوريا، ويخول الفصائل المعارضة القريبة منها، من قضم أراض جديدة.

ويقول الباحث في مؤسسة سنتشوري للأبحاث آرون لوند لوكالة فرانس برس أنه في حال حققت العملية أهدافها، "تصبح مناطق سيطرة الفصائل المعارضة متصلة ببعضها البعض لأول مرة منذ فترة طويلة" في اشارة الى مناطق في ريف حلب الغربي ومحافظة ادلب (شمال غرب) المجاورة.

ويعتبر لوند أن "المنطقة (سيطرة الفصائل) ستكون أكثر قابلية للاستمرار وقدرة على البقاء خارج سيطرة الرئيس بشار الأسد بفضل التمويل الأجنبي والحماية الخارجية".

ولا يستبعد الباحث في الشؤون السورية في معهد الشرق الاوسط تشارلز ليستر في تصريحات لفرانس برس، أن تتفاوض أنقرة وواشنطن على اتفاق، يحتفظ الأكراد بموجبه بمناطق ادارتهم الذاتية في شمال شرق سوريا، مقابل دعم أميركي "لمنطقة مماثلة تحت سيطرة المعارضة السورية في شمال غرب" البلاد.

- ما هو موقف دمشق؟
يمكن للضغط العسكري الذي تمارسه تركيا على عفرين أن يدفع وحدات حماية الشعب الكردية الى حضن النظام السوري، عبر وساطة تقودها موسكو، أبرز حلفاء دمشق.

وقال قياديون أكراد في تصريحات سابقة لفرانس برس إن موسكو عرضت عليهم الحماية من تركيا مقابل موافقتهم على دخول القوات السورية الحكومية الى أراضيهم. وعند رفض الأكراد ذلك، أقدمت على سحب غطائها الجوي وجنودها مع بدء الهجوم التركي على عفرين.

بحسب لوند، يمكن "لروسيا والأسد أن يتوصلا الى اتفاق مع الاكراد: نرسل قواتنا (اليكم) وتحظى منطقة عفرين بحمايتنا". في المقابل، يتعهد الأكراد تقديم تنازلات لصالح دمشق ازاء تطلعاتهم بشان الحكم الذاتي والاستقلال في شمال سوريا.

نجح النظام السوري بفضل الدعم الروسي في استعادة السيطرة على أكثر من نصف مساحة البلاد، بعدما حقق سلسلة انتصارات على حساب الفصائل المعارضة والجهاديين في آن واحد.

- كيف يؤثر الهجوم على تنظيم الدولة الاسلامية؟
بعد تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية منذ العام 2014، تحول الأكراد الى شريك رئيسي للتحالف الدولي بقيادة أميركية في الحرب ضد الجهاديين في سوريا.

وتمكنت الوحدات الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن، من طرد تنظيم الدولة الاسلامية من مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا، كان آخرها مدينة الرقة معقله الأبرز في سوريا.

ووصفت قوات سوريا الديموقراطية الهجوم التركي على عفرين بانه "دعم واضح وصريح" لتنظيم الدولة الاسلامية، هدفه "اتاحة الفرصة للتنظيم الإرهابي لالتقاط أنفاسه (...) من خلال استهداف مقاطعة عفرين وإشغال قواتنا بالدفاع عنها".

وحذرت هذه القوات في بيان الاثنين من أنه رغم خسارة التنظيم معاقله الأساسية في سوريا لكنه "ما زال يملك قوة لا يستهان بها" ويحتفظ "بآلاف المقاتلين".

ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيك هاريس لفرانس برس "يسعى تنظيم الدولة الاسلامية الى التمرد ضد الولايات المتحدة وشركائها المحليين في سوريا"، معرباً عن اعتقاده بأنه "في حال شتت الخطوات التركية في عفرين انتباه وحدات حماية الشعب الكردية، سيشكل ذلك فرصة حقيقية لتنظيم الدولة الاسلامية ليضرب" مجدداً في شرق البلاد.

ويسيطر التنظيم حالياً على أقل من خمسة في المئة من مساحة الأراضي السورية.

- ماذا عن مفاوضات السلام؟
بهجومها على عفرين، استبقت تركيا اجتماعات دولية عدة تعقد على أكثر من مستوى في محاولة لتسوية النزاع السوري الذي تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل اكثر من 340 الف شخص.

وبدأت الخميس جولة تاسعة من مفاوضات السلام في فيينا بمشاركة ممثلين للحكومة والمعارضة، في اطار جهود تبذلها الأمم المتحدة منذ العام 2014 في غياب ممثلين للاكراد.

وبدعوة من موسكو، يعقد الثلاثاء مؤتمر الحوار الوطني السوري برعاية روسية-ايرانية-تركية في منتجع سوتشي، الذي دعيت اليه 1600 شخصية، بهدف التوافق على دستور سوري جديد، بحسب ما اعلنت موسكو الخميس.

ويعقّد الهجوم على عفرين موقف الأكراد من المشاركة في مؤتمر سوتشي بعدما كانوا اعلنوا تلقيهم دعوة اليه، وخصوصاً بعد اتهام قوات سوريا الديموقراطية روسيا بمنح "الضوء الاخضر" للطيران التركي من أجل التحليق في اجواء عفرين.

ولم تعلن المعارضة السورية موقفها النهائي بشأن المشاركة في هذا المؤتمر الذي سبق ان أبدت خشيتها من أن يشكل التفافاً على جهود السلام برعاية الأمم المتحدة.

ويرى هاريس أنه مع توسيع تركيا "مناطق سيطرتها" في الشمال السوري، سيكون للرئيس رجب طيب اردوغان "مزيد من التأثير على مستقبل سوريا".