بيروت: تمكن الأكراد خلال سنوات النزاع من بناء إدارتهم الذاتية والسيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد، لكن مستقبلهم يبدو مهدداً بعد قرار واشنطن سحب جنودها من سوريا ودعوتهم دمشق لنشر قواتها في منبج لحمايتهم من التهديدات التركية.

ما هو مستقبل الإدارة الذاتية الكردية ميدانياً وسياسياً؟ وهل سيتمكن الأكراد من الحفاظ على بعض من مكتسبات ناضلوا من أجلها على مر السنوات الماضية؟

- هل يخسر الأكراد مناطق سيطرتهم؟
فاجأ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 19 من كانون الأول/ديسمبر الماضي قراره بسحب قواته من سوريا، كافة الأطراف المعنية بالنزاع المستمر منذ نحو ثماني سنوات، وعلى رأسهم المقاتلين الأكراد.

وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، على نحو ثلاثين في المئة من مساحة سوريا، في منطقة تمتد بين شمال وشمال شرق البلاد.

وبعد سنوات من القمع، تصاعد نفوذ أكراد سوريا مع انسحاب القوات الحكومية من مناطقهم تدريجياً منذ العام 2012. وفي العام اللاحق، أعلنوا إقامة إدارة ذاتية على مناطق سيطرتهم. وتوسع نفوذهم تدريجياً، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مع طردهم تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق واسعة أبرزها مدينة الرقة وحقول النفط والغاز الغزيرة الانتاج في محافظة دير الزور شرقاً.

ويرى محللون أن مستقبل المنطقة الكردية اليوم وبعد القرار الأميركي رهن تفاهمات بين أنقرة وروسيا، حليفة دمشق.

ولطالما حملت دمشق على الأكراد تحالفهم مع واشنطن، في وقت شكلوا هدفاً لتهديدات تركيا، التي تصنف الوحدات الكردية مجموعة "إرهابية".

ويرجح الخبير في الجغرافيا السورية والأستاذ في جامعة "ليون 2" فابريس بالانش في تصريحات لوكالة فرانس برس أن "يصار الى تقاسم مناطق قوات سوريا الديموقراطية بين الأتراك والجيش السوري".

ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن أن الأمر يحتاج وقتاً، "لأنه من غير المرجح في الوقت الحالي أن يتحرك النظام من دون اتفاق، إن كان مع قوات سوريا الديموقراطية أو تركيا. وينطبق الأمر ذاته على تركيا التي تحتاج موافقة روسية".

- ما الذي تريده دمشق؟
لطالما أبدت الحكومة السورية التي تسيطر على أكثر من 60 في المئة من مساحة البلاد، عزمها استعادة كافة أراضيها. وسبق للرئيس بشار الأسد أن وضع الأكراد أمام خيارين، المفاوضات أو الحسم العسكري.

وبناء على دعوة الأكراد، انتشرت قوات النظام في 28 كانون الأول/ديسمبر في محيط مدينة منبج &لحماية المنطقة من التهديدات التركية. وأعلنت دمشق الأربعاء انسحاب نحو 400 مقاتل كردي من المنطقة.

ونقلت صحيفة الوطن السورية المقربة من السلطات الاثنين عن ديبلوماسي عربي في موسكو أن التفاهمات الأخيرة بين أنقرة وموسكو إثر القرار الأميركي تتضمن "أن تعود (مدينة) منبج تحت إشراف الدولة السورية كاملة وكذلك المناطق المحيطة بها".

أما في ما يخص مناطق الأكراد الأخرى الواقعة شرق نهر الفرات، وفق الصحيفة، فسيتم بحث مستقبلها و"عودة مؤسسات الدولة إليها، في اجتماع أستانا المقبل" الذي ترعاه كل من روسيا وإيران وتركيا.

ويرى بالانش أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن "يعبر الجيش السوري نهر الفرات ويعود إلى الرقة، ودير الزور وحتى الحسكة".

والهدف الأبرز لدمشق، وفق قوله، استعادة حقول النفط والغاز في محافظة دير الزور، مرجحاً أن يحصل ذلك إثر تفاهم مع الأكراد. ويرى أن ما سيسهل مهمة دمشق هو تحالف فصائل عربية ضمن قوات سوريا الديموقراطية وعشائر من المنطقة معها على اعتبار أنها "الأكثر قوة".

- ماذا تريد تركيا؟
سيطرت القوات التركية في آذار/مارس على منطقة عفرين في شمال سوريا بعد هجوم واسع مع فصائل سورية موالية لها. ولطالما سعت لإقامة منطقة عازلة على طول حدودها.

ولتحقيق ذلك، يعرب بالانش عن اعتقاده بأن تركيا "ستدخل بعمق 20 إلى 40 كيلومتراً في الأراضي السورية وتحديداً المنطقة الكردية".

وتطمح تركيا وفق فيمن لإقامة "منطقة عازلة"، لكنها ستحتاج إلى "موافقة روسية للتقدم" وستجد أمامها صعوبات عدة.&

ويوضح "تريد روسيا الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا إلا أنه من الصعب التوفيق بين سيطرة الأخيرة على جزء جديد من سوريا وتحقيق هدف موسكو في استعادة حليفتها (دمشق) كامل السيادة" على أراضيها.

ويتحدث عن عائق آخر قد يقف في وجه تركيا وهو اقتحامها منطقة يعيش فيها سكان "معادون لها".

ومن غير الواضح ما إذا كان تشكيل المنطقة العازلة سيسفر عن تغيير ديموغرافي جديد بنقل السكان الأكراد منها واستبدالهم بآخرين عرب.

- هل بإمكان الأكراد الحفاظ على أي من مكتسباتهم؟

لطالما شكل الحكم الذاتي طموح أكراد سوريا الذين يبدو اليوم أنهم الخاسر الأكبر جراء التطورات الأخيرة، وهم يحاولون بشتى الطرق الحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتهم.

ويقول فيمن "لديهم الكثير ليخسروه، ويبقى السؤال ما اذا كانت ستكون خسارة كاملة أو سيتمكنون من انقاذ شيئاً ما".

ويرى أن "الفرصة الوحيدة" لإنقاذ بعض من مكتسباتهم هو "اتفاق مع النظام برعاية روسية"، محذراً في الوقت ذاته من أنه "ليس هناك أسباب كثيرة للتفاؤل بالنظر إلى سجل النظام في المفاوضات والتزامات روسيا في مناطق أخرى".&

وباشر الأكراد قبل أشهر محادثات رسمية مع دمشق، حددوا هدفها بوضع خارطة طريق تقود إلى حكم "لامركزي"، لم تسفر عن نتائج بعد مع رفض النظام القاطع مبدأ الإدارة الذاتية.&

ويقول بالانش "لا يجدر بالأكراد أن يتوقعوا الكثير من النظام السوري"، مشيراً إلى "سيناريو يصعب تحقيقه، ويتمثل ببقاء منطقتين تحت سيطرتهم هما كوباني والجزيرة (الحسكة) لكن بحماية الجيش السوري".