إيلاف من برلين: يزداد عدد أنواع البكتيريا الشديدة المقاومة للمضادات الحيوية كل يوم، ويقل معه عدد المضادات الحيوية الجديدة الكفيلة بتحجيمها. بل إن موت المرضى بسبب مضاعفات هذه البكتيريا امتد إلى المستشفيات رغم إجراءات التعقيم والوقاية المتخذة في بلدان متقدمة مثل ألمانيا.

ويقول الباحثون الألمان الآن إنهم توصلوا إلى طريقة مستقبلية تعد بالقضاء على البكتيريا الشديدة المقاومة للمضادات الحيوية. وابتكر العلماء من جامعة دويسبورغ الألماني مضادات حيوية نانوية يمكن نقلها إلى موضع الجرح، أو الإصابة، مباشرة.&

وهي أدوية يجري تحميلها في كريات نانوية داخل كبسولات ومزودة بالقابلية على تغيير محيط الإصابة من قاعدي إلى حامضي. ويعرف الطب ان المحيط الحامضي يزيد فعلية المضادات الحيوية ضد البكتيريا الشدية المقاومة.

وكتبت البروفيسورة شيرلي كناور في مجلة "الطبيب الألماني" ان تغيير الاس الهيدروجيني (PH) من القاعدي إلى الحامضي في موضع الجرح يضاعف فاعلية المضادات الحيوية النانوية ضد البكتيريا، وان هذh ما تحقق على أيديهم مختبرياً.

وأضافت كناور، رئيسة المركز الطبي للتقنية البيولوجية، أن المحيط الحامضي يكسر الحظر الذي تفرضه بعض البروتينات، في موضع الجرح، على عمل المضادات الحيوية.

كريات نانوية تلتصق على جدران البكتيريا

إن أفضلية هذه المضادات الحيوية النانوية على غيرها، بحسب كناور، هي انها توصل العقار المضاد للبكتيريا إلى موضع الاصابة بالضبط، ولا تؤثر في الخلايا والأنسجة غير المصابة. فهي تنكسر وتفرز العقار الذي في داخلها بعد وصولها إلى موضع الإصابة.

وتلتصق الكريات النانوية المضادة للحيويات بشكل فعال على جدران البكتيريا الشديدة المقاومة. وتعمل هذ الكريات على كسر"الكورونا" التي تشكلها بروتينات الدم وتكبح عمل المضادات الحيوية.

والـ"كورونا" هي طبقة من بروتينات الدم التي يكونها الدم على أغلفة الكريات النانوية المضادة للحيويات، وتلعب دوراً أساسياً في مقاومة البكتيريا للعقار. وهنا يأتي دور هذه الكريات الجديدة، لانها تحول الاس الهيدروجيني لمحيط الجرح إلى محيط حامضي يحطم الغلاف البروتيني الذي يمنع عملها.

وكتب فريق العمل، من جامعتي ديوسبورغ و ايسن الألمانيتين، انهم نجحوا في كشف الخط الأول من استراتيجية مقاومة البكتيريا للعقاقير المضادة للحيويات. كما نجح فريق العمل، وان جزئياً، في تنوير العالم بكيفية كسر مقاومة البكتيريا باستخدام"خدعة" صغيرة تتمثل في تغيير حامضية محيط الجرح.

تفعيل المضادات الحيوية التقليدية

طريقة المضادات الحيوية النانوية، وحيلة تغيير المحيط الحامضي، كفيلة بتفعيل المضادات الحيوية الخاصة التي يحتفظ بها الأطباء للحالات الشديدة فقط. إلا ان هذه الطريقة قادرة أيضاً على تفعيل المضادات الحيوية التقليدية، التي ما عادت تؤثر في هذه البكتيريا، ضد البكتيريا شديدة المقاومة.

ويحتفظ الطب بعدد قليل من المضادات الحيوية، مثل"كوليستين"، بمثابة آخر خيار ممكن ضد بعض أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية السائدة، لكن البكتيريا تطور عدوانيتها ومقاومتها أكثر من خلال تنقلها بين البشر والحيوانات.

ومعروف أن فشل المضاد الحيوي "الاحتياطي" كوليستين يعني ان أسلحة الطب ستقف عاجزة عن معالجة من يصاب بهذه البكتيريا. وتصنف الأمم المتحدة هذا المضاد الحيوي كـ" مضاد حيوي للحالات الطارئة التي تمس حياة البشر".

16 نوعاً من البكتيريا الشديدة المقاومة

وتشير احصائية مركز"سولنا" السويدي إلى إصابة 670 ألف أوربي سنوياً بالبكتيريا الشديدة المقاومة للمضادات الحيوية. وارتفع عدد الإصابات بشكل ظاهر منذ سنة2007 رغم التقدم الطبي. وتسجل الشبكة الطبية الأوربية 16 نوعاً من البكتيريا الشديدة المقاومة التي تنتشر في أوروبا.

وصنف المركز اليونان وايطاليا وفرنسا ضمن البلدان الأوربية التي تنتشر فيها الاصابات بالبكتيريا المقاومة بشكل واضح. وترتفع حالات الموت بسبب هذه البكتيريا في ايطاليا إلى100 ألف من كل 200 ألف، وفي فرنسا إلى 5500 من 125 ألفاً.

وتشكل الاصابات بالبكتيريا الشديدة المقاومة 10% من مجموع الإصابات البكتيرية على مستوى ألمانيا، وهذا يقل بشكل ظاهر عن النسبة في عموم أوربا البالغة 18%. ولكن هذه النسبة ترتفع على نحو"مقلق"، بحسب تقرير "سولنا"، في اليونان وتبلغ نحو 40%.