يواجه الأردن "من حيث لا يحتسب" وفي ظروف وتداعيات غير محسوبة في الإقليم وتقرير مصيره على وقع تداعيات خطة السلام الأميركية التي تحمل مسمى "صفقة القرن"، حالة من الفوضى الفكرية والثقافية تتعلق بتصوير فيلم يقال إنه يثبت حق اليهود في البتراء.&

إيلاف: أثار الفيلم السينمائي العالمي "جابر" الذي يجري تصويره في الأردن ضجة واسعة في مختلف الأوساط الشعبية والنيابية والثقافية في المملكة بسبب مغالطات تاريخية، زعم فيها النص بأحقية اليهود في جنوب الأردن، وفق ما صرح به ممثلون انسحبوا بعد قراءة نص الفيلم والنقاش مع المخرج.

سيّاح اسرائيليون يقيمون الصلوات في البتراء

تداعيات الحديث عن "الفيلم" دقت بوابات الحكومة والبرلمان بعد إصدار وزير الأوقاف قرارًا بمنع يهود من الصلاة في مقام هارون بالقرب من البتراء في جنوب المملكة، الأمر الذي حدا بنائب إسلامي للمطالبة بإقالة الوزير، معلنًا أنه لا يوجد أي مقام باسم النبي هارون بالقرب من البتراء.&

موقف الحكومة&
وكان رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، دعا هيئة الإعلام والهيئة الملكية للأفلام، إلى تقييم ودراسة محتوى فيلم "جابر"، مؤكدًا أن أي عمل ثقافي أو فني يتم إنتاجه وتصويره على الأرض الأردنية يجب أن يكون متوافقًا مع ثوابت الأردن والهوية الوطنية.

كما صرحت الناطقة الرسمية باسم الحكومة ووزيرة الدولة لشؤون الإعلام، جمانة غنيمات، بأن الحكومة ستتخذ إجراءات فورية للوقوف على محتوى فيلم "جابر"، في ضوء ما أثير في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من جدل حول الرواية التاريخية التي يقدمها الفيلم.

وأكد وزير الثقافة الدكتور محمد ابو رمان في تصريح صحافي أن الحكومة ستطلب من هيئة الإعلام مراجعة نصوص فيلم جابر نظرًا إلى تناقض التصريحات بين الممثلين.
&
وأشار إلى أن الهيئة ستقوم بمراجعة النص، وإذا وجدت أن هناك إيحاءات أو ما يضر بالمصلحة الوطنية سنتخذ الإجراء المناسب.

قصة خيالية
من جانبه، أكد مخرج "جابر"، محيي الدين قندور، أن قصة الفيلم خيالية، ولا صلة لها، كما يروّج، برواية للمؤرخة لويز ليغينز التي ترى أن النبي موسى أحضر اليهود من مصر إلى البتراء بدلًا من جبل سيناء، وأمضى معهم أربعين عامًا قبل الانتقال إلى فلسطين.

كما أشار قندور إلى أن كثيرًا ممن هاجموا الفيلم لم يقرأوا السيناريو، مشددًا على أن تصريحات الممثلين الأردنيين الذين انسحبوا من الفيلم فيها إساءة كبيرة.

يذكر أنه يشارك في الفيلم كل من الممثلة البريطانية آلي باستين، وشين كرونين، وسميرة أسر، والروسي ألكسندر ميروكي، والممثل المصري المقيم في أميركا إفرايم حنا، ومولي كرونين، وكاسبيك قندور.

ونفى المخرج محي الدين قندور أن يكون الفيلم "يتطرق إلى حق إسرائيل في البتراء أو الأردن أو فلسطين"، لافتًا إلى أن الفيلم مأخوذ عن رواية له بالاسم نفسه، وصدرت من المؤسسة العربية للدارسات والنشر في بيروت، واشتهرت قبل فترة في عمّان وتحكي "قصة خيالية"، مضيفًا أنه لم يقدم تاريخًا.

يشرح المخرج أن فيلم مغامرة "عن طفل يجد صخرة عليها كتابات عبرية، ويبيّن انتماء الطفل الذي يسلم الحجر لدائرة الآثار ويلقي الضوء على قوة الأمن الأردني وحرصه لمواجهة عصابات الإتجار بالآثار ومواجهة الاستخبارات الإسرائيلية التي تدخل على الخط".

لم يقرأوا السيناريو
واعتبر قندور أن كثيرًا ممن هاجموا الفيلم لم يقرأوا السيناريو، مشددًا على أن تصريحات أحد المرشحين لأحد الأدوار فيها إساءة، وقال من الممكن أن أرفع دعوى قضائية، لأنه "لامس الخطوط الحمراء"، مستدركًا "سبق أن كتبت سيناريو فيلم عن خالد مشعل، فهل من المعقول أن أتنكر لتاريخي وتاريخ أبي الذي قاتل في القدس؟".

وأوضح قندور أن الفنان علي عليان رشح من قبل طاقم الفيلم، ولم يكن يعرفه سابقًا، وقابله مرتين، وأسند إليه دور عقيد في المخابرات، حيث قرأ النص، ومنحه الدور "لهيبته التي تتناسب مع الدور".

يضيف "تفاجأت بعد ذلك أنه يطلب تغييرا في الشخصيات والنص، فقلت له: هل تريد إخراج الفيلم؟!، وأجبته، آسف، ووضع السيناريو وخرج زعلان، وبدأ يكتب على فايسبوك".

وعن رأي الهيئة الملكية للأفلام، قال المخرج قندور "منحوني الإذن بالتصوير في كل الأماكن، وبعد النشر وتداول الموضوع طلبوا مني بيانًا عن الفيلم، وأرسل إليهم".

قال إن ما نشر في وسائل الإعلام عن عرضه في منتصف سبتمبر ليس صحيحًا، فالتصوير سيبدأ في أول أغسطس، ويمكن أن يعرض في نهاية العام، وهناك أمل بأن يرشح للأوسكار.

أردني بالكامل
وبيّن قندور أن التمويل أردني بالكامل، موضحًا "كان هناك مموّل روماني، اشترط التصوير في روما، ويومين في البتراء، فرفضت العرض".

قال قندور الذي أخرج فيلم "الشراكسة" ومجموعة من أفلام الأكشن الهوليوودية، إن اسم الفيلم "جابر"، لم يعتمد حتى الآن، لأن هناك أسماء مشابهة، ونحن في صدد الاستشارة القانونية حول احتمال تغيير الاسم إلى "جابر والصخرة" أو اسم آخر.

وكانت نقابة الفنانين الأردنيين أصدرت بيانًا طالبت فيه المنتسبين إليها من المشاركين في الفيلم بالانسحاب لغاية توضيح الحقائق.
كما ذكرت النقابة أنه ستتم مساءلة جميع من يشارك في الفيلم، مع فرض عقوبات على من يقوم بذلك، قد تصل إلى حد الفصل من النقابة.

شعائر يهودية
إلى ذلك، فإن الفيلم أثار ضجة من نوع آخر، حين قامت مجموعة من اليهود المتدينيين بإقامة شعائر الصلاة اليهودية في مقام النبي هارون قرب البتراء، وعلى الفور قرر وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني الدكتور عبدالناصر أبو البصل إغلاق المقام وتسليم مفاتيحه إلى مديرية أوقاف محافظة معان وعدم السماح لأي زائر من دخول المقام إلا بعد حصوله على موافقة الوزارة.&

جاء قرار الوزير أبو البصل على خلفية دخول سياح بطريقة غير قانونية إلى المقام من دون علم الوزارة بذلك. واستنكرت الوزارة في بيان صادر منها يوم الخميس ما حدث داخل مقام هارون، مؤكدة رفضها الشديد لمثل هذه التصرفات المرفوضة بشدة. ونوهت الوزارة بأنها ستقوم بفتح تحقيق حول ما حدث ومحاسبة من سمح لهم بدخول المقام.

ردًا على قرار وزير الأوقاف، طالب النائب الإسلامي في مجلس النواب سعود أبو محفوظ، بإقالة وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، الدكتور عبد الناصر أبو البصل على خلفية المخاطر التي تعرّضت لها البتراء.&

وقال أبو محفوظ في تصريح نقلته الصحافة الأردنية: تلوت على الحكومة خلال مداخلتي النيابية، نحو (1200) كلمة&مكتوبة، عن المخاطر التي تتعرّض لها البتراء ومكوناتها، والخطر اليهودي الداهم على محيطها، وتطرقت إلى الممارسات اليهودية للسياح الشرسين، وضربت لهم مثلًا مقام "هارون".

لا وجود للمقام
وكشف النائب الإسلامي عن حقيقة عدم وجود مقام للنبي هارون. وقال في بيان صدر من مكتبه اليوم الجمعة، ونشره موقع (عمون) أنه ليس هناك مقام لهارون ولا من يحزنون، فهارون مات في سيناء، ودفن فيها، وهذا معلوم.

أضاف: ولكن المسجد الجليل والجميل الموجود في أعالي البتراء، كان لخدمة موقع عسكري مملوكي، بناه الفاتح محمد الناصر بن قلاوون الشركسي عام 1326م، على أنقاض مصلى شيّده الظاهر بيبرس الكازاخستاني عام 1264م، والمسجد ومحرابه ومصلاه، متاح ومستباح للسيّاح اليهود من كل جنس، الذين يبحثون عن المفقود، ويطمسون الموجود، والمحترفين في سياحة "النبش" وسياحة "الدفائن" والسياحة "الليلية المشبوهة".

بيان أبو محفوظ
وفي ما يلي نص بيان النائب أبو محفوظ:
بسم الله الرحمن الرحيم، يوم أمس الخميس 01/ 08 / 2019م، وفي تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا، وعلى مسامع معالي وزيرة السياحة وفريقها، ضمن اجتماع لجنه السياحة النيابية، لمناقشة تعديلات قانون البتراء، وفي إحدى مداخلاتي تلوت عليهم (1200) كلمه مكتوبة، عن المخاطر التي تتعرّض لها البتراء ومكوناتها، والخطر اليهودي الداهم على محيطها، وتطرقت إلى الممارسات اليهودية للسيّاح الشرسين، وضربت لهم مثلًا مقام "هارون"، والحقيقة أنه ليس هناك مقام لهارون ولا من يحزنون، فهارون مات في سيناء ودفن فيها، وهذا معلوم.

لكن المسجد الجليل والجميل الموجود في أعالي البتراء، كان لخدمة موقع عسكري مملوكي، بناه الفاتح محمد الناصر بن قلاوون الشركسي عام 1326م، على أنقاض مصلى شيّده الظاهر بيبرس الكازاخستاني عام 1264م، والمسجد ومحرابه ومصلاه، متاح ومستباح للسيّاح اليهود من كل جنس، الذين يبحثون عن المفقود، ويطمسون الموجود، والمحترفين في سياحة "النبش" وسياحة "الدفائن" والسياحة "الليلية المشبوهة".&

انتهاك&
وبعد ساعات من تحذيري حصل المحظور، وتم الانتهاك المصور، إن الأردن متحف عالمي، وكنز تاريخي، وسياحي، وأثري، وتراثي، ومعدني هائل ومفتوح، تتوجب حراسته بمنتهى اليقظة، وعليه أكرر ندائي، بإعفاء معالي وزير الاوقاف من موقعه، ولا يعفيه أنه أمر بإغلاق المسجد، وسحب المفاتيح بعد خراب البصرة.&

لقد تكرر انتهاك مساجدنا هنا، وهو المسؤول عنها، فكيف هي حال مقدساتنا هناك في بيت المقدس، وهو المسؤول عنها أيضًا، وكيف هي حال الأوقاف المترهلة جدًا، في مواجهة انتهاكات الاجتياحات، والاقتحامات والزحوف وفق الروزنامة اليومية التلمودية، بقيادة الوزراء المتطرفين يوري آرئيل، وميري رجب، والتي واجهتها الأوقاف بإغلاق مصلى باب الرحمة، بعد رفضها تعيين إمام راتب له، عقب هبة 22 /02 /2019م، والتي رسمت انتصارًا مدويًا، قهر إرادة المحتل.

وزارة مهزوزة
للأسف أوعزت الأوقاف المهزوزة لحراس الوردية الليلية بسحب الأثاث، وبالتالي سحب السجاد، وأنزلت المظلات، وأمام هذه الرخاوة دخل الاحتلال ببساطيره، ليدنّس المصلى التاريخي، لا بل وليدنس محراب المسجد القبلي الكبير، الذي تقام فية صلاة الجمعة منذ (14) قرنًا، وتمادى في تجاوزه، وللمرة الأولى، والأوقاف عاجزة، مع أنها تمثل شعبًا أردنيًا أبيًا، موقفة المقدسي في غاية الصلابة والتماسك، وله عمق مقدسي في أحشاء أمة عظيمة ممتدة في أرجاء الكون، تبادله وفاء بوفاء، والأوقاف لا تزال في دائرة العزلة، بعيدًا عن الحاضنة الشعبية من مصلى الأقصى المبارك، في القدس وجوارها، وكان بإمكان إدارة الأوقاف المترهلة والمزمنة وغير القابلة للتغيير أن تكون محور التصدي، وقطب الحماية الشعبية للمقدسات، فالجماهير حاضرة، وراغبة في الأوقاف ومرجعيتها الدينية، وبقيت الأوقاف منكمشة، وتتصرف بحسابات موظفين.

وعجزت وزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية حتى عن مجرد تقديم رواية أردنية، لمواجهة الروايات اليهودية المضللة التي يرويها مزيف عن مزور، لغايات غسل أدمغة السياح والزائرين للمسجد الأقصى.

وخلص بيان النائب أبو محفوظ إلى القول: إنني أحترم شخص معالي الوزير، وأقدر علمه ونبله، ولكن المسؤولية الشرعية، والواجب الوطني، والتزامي أمام المواطنين يحتم عليّ المطالبة بإعفائه، لتكرار الأخطاء واستمرار العثرات، وبقاء الثغرات، وترهل الهيكل، وضعف الأداء، لوزارة مهمة جدًا، وتضطلع بأدوار مهمة للغاية، إن دور وزارة الأوقاف مؤثر وسيادي في بعض الدول كالمغرب، وأمام استمرار رخاوة الأوقاف فلا مناص من التشديد في طلب الإعفاء لمعالي الوزير.
&