بيروت: يرفض المتظاهرون اللبنانيون الذين يفترشون الساحات والشوارع منذ شهر احتجاجا على فساد الطبقة السياسية، أن يلتئم البرلمان لمناقشة مشروع قانون عفو عام مثير للجدل. فما هو مضمون هذا القانون؟ من يستفيد منه ولِم يُواجه بالرفض؟

- ماذا يتضمن قانون العفو؟

مع خروج مئات الآلاف إلى الشارع منذ شهر على خلفية مطالب معيشية في ظل أزمة اقتصادية خانقة، حاولت الحكومة امتصاص غضب الشارع قبل أن يستقيل رئيسها سعد الحريري. واقترحت خطة إنقاذية لم ترضِ المتظاهرين المتمسكين برحيل الطبقة السياسية.

وتضمنت الورقة بندا ينص على إقرار قانون عفو عام سرعان ما تلقفه رئيس البرلمان نبيه بري وأدرجه على جدول أعمال جلسة تشريعية.

ويتضمن مشروع القانون الذي اطلعت وكالة فرانس برس على نسخة منه منح العفو العام عن عدد من الجرائم المرتكبة قبل نهاية أكتوبر والمحالة أمام المحاكم العدلية أو العسكرية، سواء صدرت بحق مرتكبيها أحكام أو ما زالت عالقة في المحاكم.

ويسمّي بين تلك الجرائم "تعاطي أو تسهيل تعاطي المخدرات أو تسهيل الحصول عليها أو ترويجها من دون أي نية ربحية" وكذلك "جريمة زراعة النباتات الممنوعة"، في إشارة إلى زراعة الحشيشة الشائعة في منطقة البقاع (شرق).

ويسري كذلك على "المخالفات على أنواعها" وعلى الجنح والجنايات، بشرط "إسقاط الحق الشخصي في حال وجوده".

ويستثني مشروع القانون بشكل صريح قتلة المدنيين أو العسكريين "عمداً أو قصداً أو خطفهم"، ومن أقدم على تجنيد أو تدريب أشخاص للقيام "بأعمال إرهابية"، والاغتيالات السياسية وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.&

وعدد مشروع القانون في أسبابه الموجبة كون "مبدأ الصفح يشكل وسيلة لتعزيز السلم الأهلي" ولـ"تجاوز الآثار الناتجة عن صراعات سياسية.. حصلت خلال مرحلة محددة ولأسباب متعددة".

- من يستفيد منه؟

يشكّل العفو العام مطلباً لبعض الفئات في لبنان، أبرزهم أهالي ما يُعرف بـ"الموقوفين الإسلاميين" وعددهم حالياً 1200 تقريباً. يتحدّر القسم الأكبر من هؤلاء الموقوفين من مدينة طرابلس ذات الغالبية السنية والموالية تقليدياً لتيار المستقبل برئاسة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري في شمال لبنان. وهم متهمون بارتكاب جرائم عدة بعضها "إرهابي" بينها قتال الجيش والاعتداء عليه والمشاركة في جولات اقتتال دامية داخل المدينة والتخطيط لتفجيرات.&

في مدينة طرابلس التي تشكل محطة مركزية للحراك الشعبي ضد الطبقة السياسية منذ شهر، تشارك عائلات الموقوفين الإسلاميين في الاحتجاجات عبر خيمة نصبوها قرب ساحة التظاهر علقوا عليها لافتات عدة، أبرزها "ثورة على السلطة والمؤسسات الفاسدة ويبقى شبابنا المظلومون في السجون؟ عفو عام شامل".

وأكد عدد من الأهالي لفرانس برس أنهم سبق أن تلقوا وعوداً من الحريري بإقرار عفو عام يشمل أبناءهم، منتقدين شروطا وردت في مشروع القانون المقترح أمام البرلمان مناقضة لما كانوا وعدوا به. وأشاروا الى أن بعض العمليات التي شارك فيها أبناؤهم حصلت على خلفية انقسام سياسي حاد في لبنان حول النزاع السوري.

كما يشكل العفو العام مطلب عائلات الآلاف من الموقوفين والمطلوبين من منطقتي بعلبك والهرمل في شرق لبنان، حيث يتمتع حزب الله الشيعي بنفوذ كبير. وغالبية هؤلاء متهمون بجرائم مخدرات وسرقة سيارات وزراعة الحشيشة الممنوعة في لبنان.

وينفذ أهالي المنطقتين منذ سنوات تحركات واحتجاجات مطالبين بعفو عام شامل. ويحملون السلطات مسؤولية ما آلت إليه أوضاع أبنائهم جراء غياب الدولة والحرمان والبطالة.

ونفّذ تجمع عائلات وعشائر بعلبك الهرمل تحركات ولقاءات في الأسبوع الأخير، مطالبين البرلمان بإقرار العفو العام عن أبنائهم. وقال ممثل عنهم إنهم تلقوا وعوداً من حركة أمل وحزب الله بالتصويت لصالح القانون.

- لماذا يرفض المتظاهرون إقراره؟

يقول محللون ومتظاهرون إن هدف السلطة من طرح قانون العفو اليوم في خضم حراك مطلبي لا يزال على زخمه منذ أكثر من شهر، محاولة استرضاء جزء من الشارع الغاضب. وكالعادة وكما في كل القرارات في لبنان، هناك حرص على المحاصصة، بمعنى أن قانون العفو حاول أن يرضي شيعة وسنة.

لكنّ المتظاهرين أدركوا ذلك ودعوا الى تكثيف التجمعات الثلاثاء الماضي واليوم لمنع انعقاد جلسة مجلس النواب، ونجحوا في ذلك.

واعتبر المتظاهرون أن الأولوية راهناً يجب أن تكون لتشكيل حكومة وإقرار قوانين تكرس استقلالية القضاء وتمكّنه من ملاحقة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة.

وقال الطالب الجامعي محمد بنات (23 عاماً) لوكالة فرانس برس في وسط بيروت "نؤيد العفو عن الأبرياء المظلومين (..) ولكن ضد العفو العام عمن يحمي الفساد ويلتف على مصالح الشعب".

ويحذر ناشطون ومجموعات حقوقية من محاولة السلطة عبر قانون العفو تبرئة فاسدين نهبوا المال العام.

وتحدّثت المفكرة القانونية، وهي منظمة غير حكومية متخصصة بشؤون قانونية وتُعنى بشرح القوانين وتفسيرها، عن إشكاليات عدة متعلقة باقتراح قانون العفو العام. وقالت إنه يشمل مرتكبي جرائم عدة لم يستثنهم القانون صراحة، كالجرائم البيئية والتهرب الضريبي الذي يحرم خزينة الدولة من مليارات الدولارات سنوياً، بالإضافة إلى جرائم ديوان المحاسبة المتعلقة بالمالية العامة وإهمال موظفي الدولة لمسؤولياتهم.

وبحسب المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية، فإن القانون المقترح "يعفو عن جرائم الماضي من دون أن يضمن أي إصلاح للمستقبل".