لندن: تعرض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأربعاء لهجوم من المعارضة بسبب الحصيلة العالية للوفيات بفيروس كورونا المستجد في البلاد، ووعد بالكشف عن استراتيجية لتخفيف إجراءات العزل، يمكن أن تبدأ اعتبارًا من الاثنين، معبّرًا في الوقت نفسه عن رغبته في تجنب موجة ثانية من الانتشار.

تقوم الحكومة البريطانية الخميس بمراجعة تدابير الإغلاق المفروضة للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد وسط توقعات بتخفيف متدرج يعلن عنه في نهاية الأسبوع.

يأتي ذلك في وقت توقع بنك انكلترا تراجع إجمالي الناتج الداخلي لبريطانيا 14 بالمئة هذه السنة بسبب الجائحة. ويلتقي رئيس الوزراء بوريس جونسون أعضاء الحكومة وسط تكهنات بالسماح للمواطنين بالخروج مرات غير محددة لممارسة التمارين الرياضية والتنزه في إطار الخطوة الأولى من تخفيف القيود.

وقال جونسون الأربعاء "نريد إن كان بالامكان المضي ببعض هذه التدابير الإثنين. أعتقد أنه سيكون من الجيد أن يكون لدى الناس فكرة عما سيحصل". وسيمسح للحانات والمقاهي التي لديها حدائق أن تفتح أبوابها شرط ابقاء مسافة مترين بين الزبائن.

لكن الحكومة ومستشاريها حذروا من عدم توقع عودة إلى الحياة الطبيعية لأشهر، في وقت باتت حصيلة الوفيات بكوفيد-19 في بريطانيا الأعلى في أوروبا. ونقلت صحيفة دايلي تلغراف عن وزير لم تذكر اسمه أن "الرسالة ستتغير من (طلب) البقاء في المنزل إلى لزوم الحذر عند الخروج".

سيتعين على المكاتب تنظيم الدخول بمواعيد متباعدة وإقامة فواصل بين الموظفين، فيما سيتواصل عقد الاجتماعات عن بعد إذا كان ذلك ممكنا، وفق الصحيفة. وقال وزير للصحيفة "في قطاعات الهندسة وتصنيع السيارات والنسيج والبناء حيث يمكن تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي، يتم تشجيع العمال على العودة".

موجة ثانية
سجلت بريطانيا حتى الآن 30 ألفا و76 وفاة بالفيروس، في أعلى حصيلة في أوروبا، علما بأن لكل دولة نهجا مختلفا في تعداد الحصائل الرسمية. لكن بيانات أوسع تقول إن عدد الوفيات يتجاوز 32 ألفا.

قال جونسون في الأسبوع الماضي إن بريطانيا تجاوزت ذروة الوباء، مضيفا أن الحصيلة اليومية للوفيات تتراجع ونسبة الإصابات انخفضت إلى ما دون الواحد - أي أن العدوى باتت تطال أقل من شخص لكل شخص مصاب. لكنه حذر أيضا من "موجة ثانية" وألمح إلى خفض تدريجي للقيود.

قال الوزير روبرت جينريك الأربعاء إن المدارس ستفتح فقط "في الوقت المناسب". وسيكون التلاميذ الذين يحضّرون لامتحانات مهمة أول العائدين. وسيسمح للعائلات بتبادل الزيارات وفق ترتيبات معينة، بحسب التلغراف، يلتقي بموجبها الأقارب بعدد صغير من الأصدقاء وأفراد الأسرة.

كانت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجون اقترحت هذا النظام. وستروجون عضو في لجنة الطوارئ المسؤولة عن اتخاذ قرارات بشأن سياسات على مستوى البلاد. وكانت الحكومة قالت إن إجراء الفحوص سيكون نقطة أساسية في تخفيف تدابير الاغلاق لكنها تواجه تساؤلات بعد فشلها في تحقيق هدف إجراء 100 ألف فحص يوميا لأربعة أيام على التوالي.

وقال جونسون الأربعاء إن "القدرة حاليا تتخطى الطلب"، محددا هدفا جديدا من 200 ألف اختبار يوميا "بنهاية الشهر الحالي".

انتعاش قوي في 2021
يأتي ذلك في وقت توقع بنك انكلترا انخفاضا حادا في إجمالي الناتج الداخلي للمملكة المتحدة يبلغ 14 بالمئة في هذه السنة بسبب الصدمة الناجمة من الفيروس، وابقى في الوقت نفسه على معدل الفائدة عند 0,1 بالمئة. لكن هذه الهيئة المالية قالت في تقريرها الفصلي إنها تتوقع انتعاشا كبيرا في 2021 يبلغ 15 بالمئة.

وفي أعقاب تفشي كوفيد-19، خفض بنك انكلترا نسبة الفائدة الأساسية إلى 0,1 بالمئة، وقرر ضخ 200 مليار جنيه استرليني (244 مليار دولار، 226 مليار يورو) في الاقتصاد البريطاني للسماح للمصارف بإقراض الشركات التي تواجه خطر الانهيار.

بعد انتعاش قوي بنسبة 15 بالمئة في 2021، يتوقع نمو الانتاج بنسبة 3,0 بالمئة في 2022، وفق البنك. من ناحية أخرى، أعلنت شركة "آي إيه جي" المالكة لخطوط بريتش ايرويز تسجيل خسائر كبيرة في الربع الأول من العام مستبعدة عودة الطلب على السفر قبل 2023. وأعلنت الشركة خسائر بمقدار 1,68 مليار يورو (1,8 مليار دولار) في الأشهر الثلاثة المنتهية في مارس.
وقارنت ذلك بأرباح بلغت 70 مليون يورو بعد اقتطاع الضرائب، في الفترة نفسها من عام 2019.

جاءت الخسائر الفادحة بعد أسبوع من إعلان بريتش إيرويز خططا لتسريح ما يصل إلى 12 ألف موظف في وقت شل الفيروس حركة الطيران.

تساءل الزعيم الجديد لحزب العمال كير ستارمر خلال جلسة المساءلة الأولى لرئيس الوزراء في البرلمان منذ انتخابه في 4 إبريل على رأس هذا الحزب: "كيف وصلنا إلى هذا الحد؟". وأضاف "رغم أن عدد الوفيات في المستشفيات يبدو أنه يتراجع، فإن عدد الوفيات في دور المسنين يرتفع".

تحدث جونسون للمرة الأولى في مجلس العموم منذ تعافيه من المرض، قائلًا إن الحكومة ستراجع هذه البيانات وستحدد الخطوات المقبلة الأحد. وعبّر عن "أسفه الشديد" لعدد الوفيات في دور المسنين.

وأقر بصعوبات في الإمدادات، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه يتم بذل "جهود جبارة" من أجل الحصول على عدد كاف من الملابس الطبية الواقية. وعبّر أيضًا عن أمله في الوصول إلى إجراء 200 ألف فحص يوميًا "بحلول نهاية الشهر" أي ضعفي العدد الذي أجري بصعوبة حتى نهاية إبريل.

إجراءات اعتبارًا من الإثنين؟
استراتيجية الفحوصات هذه يفترض أن تتيح تجنب انتشار جديد للمرض في حال تخفيف القيود التي مدد العمل بها حتى الخميس. وإثر ضغوط من المعارضة للكشف عن استراتيجيته وعد جونسون بتحديدها الأحد.

ولمّح وزير الصحة البريطاني مات هانكوك إلى أن المقاهي المجهزة بمساحات في الهواء الطلق ستتمكن من فتح أبوابها مجددًا. وقال لشبكة "سكاي نيوز" الأربعاء "لقد ثبت أن الانتشار أضعف في الخارج، وبالتالي قد تكون هناك حلول لبعض المؤسسات، على سبيل المثال المقاهي، وخصوصًا في الصيف".

يتعرّض جونسون لضغوط قوية بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المأسوية للعزل مع وصول عدد الأشخاص المسجلين في بطالة جزئية إلى ستة ملايين، وإلغاء وظائف متزايد. والقلق كبير خصوصًا بالنسبة إلى القطاع السياحي مع اقتراب فصل الصيف. لكن جونسون حذر من مخاطر "كارثة اقتصادية" في حال حصول موجة ثانية للوباء.

وبعدما أثار استياء النواب لتفضيله عرض خطة تخفيف العزل على البريطانيين أولًا، شرح جونسون أنه يريد قدر الإمكان بدء تطبيق بعض الإجراءات اعتبارًا من الإثنين. وقال "أعتقد أنه سيكون من الجيد أن تكون لدى الناس فكرة عما سيحصل في اليوم التالي، ولهذا السبب أعتقد أن الأحد هو أفضل وقت للقيام بذلك".

حضر جونسون للمرة الأولى إلى مجلس العموم منذ دخوله المستشفى إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد وقضاء فترة نقاهة بعد تعافيه. ولم تحصل جلسة المساءلة أمام النواب منذ 25 مارس. وكانت مواجهته مع كير ستارمر مرتقبة الأربعاء الماضي، لكن مع ولادة طفل جونسون من خطيبته كاري سيموندز تم إرجاء جلسة المساءلة الأسبوعية للحكومة.

في هذا الوقت، أعطت إجراءات العزل ثمارها في البلاد مع تجاوز ذروة الوباء، كما أعلن الزعيم المحافظ البالغ من العمر 55 عامًا في الأسبوع الماضي. وما يعقد الوضع بشكل إضافي أن لجنة العلماء المكلفة تقديم النصح للحكومة باتت في موقف حرج.

فقد اضطر خبير الأوبئة نيل فيرغسون (52 عامًا) الذي كان عنصرًا حاضرًا جدًا في هذه الأزمة للاستقالة، بعدما أقر بأنه ارتكب "خطأً في التقدير"، معربًا عن أسفه لتجاوز رسالة الحكومة حول التباعد الاجتماعي التي أوصى بها هو شخصيًا، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.

وذكرت صحيفة "تلغراف" أن فيرغسون سمح لامرأة قُدمت على أنها "عشيقته" بزيارته في لندن مرتين على الأقل خلال فترة العزل، وذلك في 30 مارس و8 إبريل.

من جانب آخر قال وزير الإسكان روبرت جنريك خلال مؤتمر صحافي "نريد التأكد من أن يكون التباعد الاجتماعي مناسبًا وآمنًا وطمأنة الشعب إلى أنه بإمكانه العودة إلى العمل وإلى الأماكن العامة ووسائل النقل العام بأمان".

وأضاف "ننظر في كيفية إنشاء مساحات إضافية للمشاة في وسط المدن، وتسهيل سير الدراجات الهوائية أو السير للتوجه إلى العمل"، داعيًا أيضًا ورش البناء إلى استئناف العمل "في المكان الذي يكون آمنًا للقيام بذلك".