لندن: رفضت إيرلندا الأحد تصريحات نارية أطلقها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اتّهم فيها الاتحاد الأوروبي بالسعي لزعزعة استقرار المملكة المتحدة، وذلك عشية بدء أسبوع ثان من محادثات بريكست ونقاش برلماني عاصف في لندن.

واندلع الجدل على خلفية مشروع قانون بريطاني جديد تقر لندن بأنه ينتهك معاهدة انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، علما أن هذا التشريع استدعى رد فعل غاضبا من رئيسي الوزراء البريطانيين الأسبقين توني بلير وجون ميجور، ومن نواب حاليين.

ورفضت وزيرة العدل الإيرلندية هيلين ماكنتي اتهامات جونسون للاتحاد الأوروبي بتهديد وحدة أراضي المملكة المتحدة عبر فرض "حصار" غذائي على إيرلندا الشمالية يفصلها عن باقي المناطق البريطانية.

وقالت الوزيرة الإيرلندية لشبكة "سكاي نيوز" الأحد "ببساطة ليس الأمر كذلك".

وتابعت أن "أي إيحاء بأن ذلك سيؤدي إلى إقامة حدود جديدة، هو ببساطة غير صحيح"، في حين وصف وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفيني ما قاله جونسون بأنه "تحريف وليس الحقيقة".

وقال كوفيني "ليس هناك حصار مقترح"، واصفا التصريحات الصادرة عن رئاسة الحكومة البريطانية بأنها "تحريضية".

وقالت ماكنتي إنه سبق أن تم الاتفاق على بروتوكول حول إيرلندا الشمالية في معاهدة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وافق عليه الطرفان يضمن نزاهة المنافسة بعد بريكست، والامتثال لمعاهدة السلام الموقعة في العام 1998 والتي وضعت حدا لثلاثة عقود من النزاع في المقاطعة البريطانية.

وأضافت إن المعاهدة "تضمن وحدة أراضي إيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة"، كما "تضمن عدم العودة لإقامة أي شكل من أشكال الحدود".

وكان جونسون قد اتّهم في مقال كتبه في صحيفة "ديلي تلغراف" الاتحاد الأوروبي بتعريض وحدة أراضي المملكة المتحدة للخطر بفرضه "حصارا غذائيا" بين بريطانيا وإيرلندا الشمالية التي يفترض أن يمنحها الاتحاد الأوروبي وضعا خاصا بعد بريكست.

وقال جونسون إن موقف الاتحاد الأوروبي يبرر إدخال حكومته تشريعا جديدا لتنظيم السوق الداخلية في المملكة المتحدة بعد انقضاء الفترة الانتقالية اللاحقة لبريكست في نهاية هذا العام.

مطالبات بالاستقالة

لكن، وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "لو باريزيان" اعتبر وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي كليمان بون أنه "لا يعقل" ألا تفي "ديموقراطية عظمى" مثل المملكة المتحدة بتعهداتها.

بدوره، اعتبر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أن "المصداقية الدولية" لبريطانيا على المحك، في خضم مساع يبذلها الطرفان لوضع حد لاندماج اقتصادي استمر نحو 50 عاما.

وشدد ميشال على ضرورة أن تفي حكومة جونسون بوعودها.

وجاء في تغريدة أطلقها عقب محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإيرلندي ميشال مارتن "حان الوقت لأن تتحمل حكومة المملكة المتحدة مسؤولياتها"، فيما اعتبر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه أن البروتوكول المتعلق بإيرلندا الشمالية "لا يشكّل تهديدا لوحدة أراضي المملكة المتحدة".

ورد كبير المفاوضين البريطانيين على بارنييه عبر سلسلة تغريدات كشفت تفاصيل الخلاف القائم في المحادثات المغلقة.

وقال فروست إن فريق بارنييه أبلغنا "بكل صراحة في هذه المحادثات بأنه إن لم تكن منتجاتنا مدرجة على قوائم (الدول المصرح لها بإدخال منتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي) فلن نكون قادرين على نقل الأغذية إلى إيرلندا الشمالية".

ويبدأ مجلس العموم البريطاني الإثنين مناقشة مشروع القانون، علما أن نوابا محافظين معارضين لخطة جونسون يطالبون بسحب مشروع القانون ويدفعون باتّجاه استقالة وزير العدل روبرت باكلاند.

وصرّح باكلاند لمحطة "بي بي سي" التلفزيونية "إن رأيت خرقا غير مقبول لسيادة القانون عندها بالطبع سأقدم على ذلك (الاستقالة)".

وتابع "لا أعتقد أننا سنبلغ تلك المرحلة"، مشددا على موقف جونسون الذي يعتبر أن مشروع القانون هو "بوليصة تأمين" في حال حصل بريكست من دون اتفاق هذا العام، مع استئناف المحادثات التجارية الشاقة في بروكسل هذا الأسبوع.

وجاء تقرير نشرته صحيفة "صنداي تلغراف" ليصب الزيت على النار، إذ أشار إلى أن عددا من الوزراء البريطانيين يطرحون جعل البلاد في حل من بنود أساسية في القانون الأوروبي لحقوق الإنسان بعد بريكست، لغايات إحداها تمتع بريطانيا بحرية أكبر في التعامل مع الهجرة غير النظامية.

إحراج للأمة

وبالتزامن مع خوض جونسون معركة بريكست، يواجه رئيس الوزراء البريطاني نقمة متزايدة داخل التكتل النيابي للحزب المحافظ على خلفية إدارته لأزمة فيروس كورونا المستجد.

والإثنين، تعتزم الحكومة فرض قيود جديدة على التجمعات.

وطالب حزب العمال، أبرز احزاب المعارضة، جونسون بترتيب أولوياته بعد مرور أربع سنوات على قيادته حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وكتب رئيس حزب العمال كير ستارمر في صحيفة "صنداي تلغراف" مقالا جاء فيه: "امض قدما ببريكست وتغلّب على الفيروس. هذا ما يجب أن يكون شعار الحكومة".

وحضّ رئيسا الحكومة الأسبقان جون ميجور وتوني بلير، اللذان قادا بريطانيا إبان المحادثات التاريخية حول إيرلندا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي، النواب على رفض التشريع، معتبرين أنه يعرّض عملية السلام والمحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي ومصداقية بريطانيا للخطر.

وجاء في مقال مشترك كتباه في صحيفة "صنداي تايمز"، أنه "في حين ينظر العالم بذهول إلى المملكة المتحدة التي لم تكن تعهّداتها في الماضي محل تشكيك على الإطلاق، تجلب هذه الحكومة بأفعالها العار لنفسها وتحرج أمتنا".

وهدد الاتحاد الأوروبي بريطانيا باتخاذ تدابير قضائية في حقها ما لم تسحب التعديلات التي أدخلتها أحاديا بحلول نهاية سبتمبر. والجمعة هدد قادة في البرلمان الأوروبي بنسف أي معاهدة تجارية إن أخلت لندن بوعودها.