طرأ اسمه في كل ثورة عربية منذ 2010، وقيل إنه رجل المهمات الخارجية الأميركية الصعبة في إحداث التغيير في العالم من خلال الرأي العام الافتراضي. فمن هو جاريد كوهن؟

إيلاف من دبي: جاريد كوهن اسم تطرقت إليه الصحافة العربية مرارًا في معرض ردّها ثورات الربيع العربي إلى مؤامرة أميركية لتغيير الدول والأنظمة في الشرق الأوسط، في أوائل القرن الحادي والعشرين.

كوهن مولود في ويستون، كونيتيكت، في 24 نوفمبر 1981. كان مدير عام "أفكار غوغل"، حتى منتصف أكتوبر 2010. ومع إنشاء "ألفابيت"، وهي مجموعة غوغل القابضة، انبثقت شركة جيغساو (Jigsaw) من "أفكار غوغل"، أسسها كوهن وهو رئيسها التنفيذي

المفكر التغييري
تعمل "جيغساو" في الاستثمار في التكنولوجيا لتأمين الحلول لمشكلات البشرية الأكثر تعقيدًا، من مكافحة عنف التطرف في الرقابة على الإنترنت، إلى توسيع نطاق وصول الناس إلى المعلومات، ومواجهة التهديدات الأمنية الأشد تحديًا في العالم.

تركز "جيغساو" نشاطها في إعادة صوغ التحديات العالمية لمراعاة الدور المتغير للتكنولوجيا بمنهجية محددة، مثل جمع أصحاب المصلحة غير التقليديين، وإجراء بحوث غير تقليدية، وإقامة مشروعات تكنولوجية، وتقديم الإرشادات حول كيفية استخدام التقنيات لتحسين حياة المواطن، من حيث الرعاية الصحية والتعليم والحياة الاجتماعية ونقل المعرفة، إضافة إلى استخدام تقنياتها ومواردها في الشرق الأوسط وأفريقيا والبلدان النامية الأخرى لتوفير ظروف أفضل للمعيشة.

حصل كوهن على البكالوريوس من جامعة ستانفورد، والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد، وهو يجيد العربية بطلاقة.

في سبتمبر 2010، اختارته "هفنغتون بوست" واحدًا من 100 مفكر تغييري في العالم (game changers) في ذلك العام، كما اختارته دڤكس واحداً من أهم 40 شخصية في العالم تحت الأربعين. كما وصفته بأنه مهندس الديمقراطية الرقمية والثورات المخملية.

واختارته مجلة تايم الأميركية في عام 2013 واحدًا من "أكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم"، كما أدرجته مجلة "فورين بوليسي" بين أهم "مئة مفكر عالمي". واختارته صحيفة "واشنطن بوست" وكلية "هارفارد كينيدي" للإدارة الحكومية من "أفضل ستة قادة في الولايات المتحدة".

مقالات ذات صلة
غوغل تعلنها: نحن لكم بالمرصاد

في يونيو 2011، قابله عثمان العمير، ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها ، في مقر شركة جيغساو بمدينة نيويورك، ونشرت "إيلاف" المقابلة التي عبر فيها عن آرائه ورؤيته المستقبلية.

الأصغر في الخارجية
كوهن عضو فى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي المسؤول عن صوغ السياسات الخارجية الأميركية. فقد كان في الرابعة والعشرين حين التحق بالخارجية الأميركية، لذا كان المستشار الأصغر في مكتب وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس، واستمر في عمله في عهد هيلاري كلينتون.


كوهن ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس

في أثناء عمله مع الخارجية الأميركية، أسس برنامج "الجيل الجديد" الذي تقدمه "فريدوم هاوس" على فكرة نظرية مفادها إمكانية إدارة ثورات مختلفة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والأدوات الافتراضية، ومن خلال تنسيق العمل افتراضيًا بين ناشطين تتقاطع أسماءهم بين ميداني الإنترنت والوجود الواقعي.

وأسس أيضًا "تحالف الحركات الشبابية" برعاية الخارجية الأميركية وتمويلها، بمساعدة غوغل وتويتر وبيبسي، وبدعم معرفي من جامعة كولومبيا. وقالت تقارير صحافية عدة إن هذه المنظمة استضافت شبابًا عربًا في عام 2008، ودربتهم على إطلاق الثورات الاجتماعية – السياسية من خلال حشد الرأي العام بالتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي.

دور أساس
سلط الإعلام الضوء مرارًا على دور أساس أداه كوهن في إثارة الرأي العام العربي باتجاه التأسيس لما سمي بعدها "ثورات الربيع العربي". فقالت تقارير إنه زار فلسطين وسورية ولبنان وإيران في خريف عام 2010، ممثلًا لوزارة الخارجية الأميركية، ورافقه وفد من كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، وإنه كان محرك ثورة الياسمين في تونس حتى شاعت صورة له مع والدة البو عزيزي الذي أشعل نار الثورة في العالم العربي حين أشعل النار في جسده.


صورة شاعت لكوهن مع والدة البو عزيزي التونسي

كان بصحبة الناشط المصري وائل غنيم، أحد الناشطين الذين قادوا ثورة 25 يناير المصرية، حين ألقت الشرطة المصرية القبض على غنيم. وكان غنيم صادقًا حين قال في حينه أنه كان بصحبة أحد زملائه في غوغل، لكن يبدو أنه لم ينطق بالحقيقة كاملةً.

جرّب كوهن نظريته، أي حشد الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، في كولومبيا في عام 2008، من خلال دعوة أطلقها صديقه الناشط الكولومبي أوسكار موراليس ضد منظمة "فارك". دعا موراليس في فياسبوك للتظاهر في 4 فبراير 2008. انضم نحو 150 ألفا من مستخدمي فايسبوك لصفحة الحملة. وفي يوم التظاهرة، نزل أكثر من 300 ألف إلى الشارع.

في 2008، نشر موقع "هاوكاست" دليلًا إرشاديًا مفصلًا بشأن تمكين الشباب ضد عنف السلطات بتسخير الإنترنت والتواصل الاجتماعي. وتم تعيين موراليس سفيرًا لمنظمة "موفمنتس" (Movements) التابعة لتحالف الحركات الشبابية.

فشل إيراني.. فنجاح
هكذا، نجحت التجربة في كولومبيا، فاستعادها كوهن في مصر في ما سمي ثورة المحلة الكبرى أو إضراب 6 أبريل 2008. ثم بنى على الحركتين ليكرر التجربة نفسها في إيران، مساهمًا في إطلاق "الثورة الخضراء" في عام 2009 ضد الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد.

يروى أنه في أثناء هذه الثورة الخضراء، كانت شركة تويتر تنوي إغلاق الموقع للصيانة، فأقنع كوهن إدارة تويتر بتأجيل الصيانة للإتاحة لناشطي الثورة الإيرانية الاستمرار في التغريد، لحشد المجموعات الشبابية المشاركة في التظاهرات. لكن رياح إيران لم تأت كما تشتهي سفن "الثورة الخضراء" وكوهن، بسبب عدم وجود ما يكفي من الناشطين الفاعلين في الميدان.

كانت صفعة صغيرة تلقاها مشروع كوهن، لكنه استجمع نفسه، بعد لقاء مع محمد البرادعي في أوائل عام 2010، وقرر تعميم تجربة كولومبيا على الدول العربية. لذا تعددت لقاءاته بغنيم في دبي، وكان التحضير لما عرف لاحقًا بثورة 25 يناير التي انتهت بتسلق الإخوان المسلمين السلطة، بمباركة مباشرة من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما... وكرت سبحة الثورات، وتعددت الحروب الأهلية: سورية وليبيا أنموذجين ما زالا مستمرين.

الصمت وأطفال الجهاد
ألف كوهن كتبًا أربعة، أولها "مئة يوم من الصمت: أميركا والتطهير العرقي في رواندا"، نشره في عام 2006. معتمدًا على وثائق رفعت عنها السرية وشهادات صانعي السياسات، أعاد كوهن بشكل نقدي بناء الرواية التاريخية للسياسة الضمنية التي أدت إلى عدم التدخل في رواندا، باحثًا في الأسئلة المتعلقة بما تعرفه الولايات المتحدة عن الإبادة الجماعية وكيف غضت أقوى دولة في العالم الطرف عنها.

تكشف دراسة كوهن هذه عن السهولة التي تستطيع بها الإدارة الأميركية أن تُسكِت اي مناقشة للمجزرة. فعلى الرغم من حجم الإبادة الجماعية، لم تجد الحكومة الأميركية ما يمكن أن يدفعها للتحرك، بسبب عدم وجود أي مصلحة اقتصادية في هذا الأمر.

في عام 2007، نشر كوهن كتابه "أطفال الجهاد: أسفار شاب أميركي بين شباب الشرق الأوسط"، وتم اختياره أحد أفضل كتب ذلك العام. يسرد كوهن هنا أخبار رحلته في الشرق الأوسط، وتجنيده من سماهم "أطفال الجهاد" ليقاتلوا في سبيل الديمقراطية، كما قال كوهن بنفسه في أحد حواراته الصحافية: "هدفنا كان ويبقى أن نوجه الشباب العربي ليجاهد بشجاعة في سبيل تحقيق الديمقراطية في العالم العربي".


غلاف كتاب كوهن "أطفال الجهاد"

ويورد في الكتاب أن الاتجاهات الديموغرافية الشرق أوسطية كانت تبشر بتغيرات إيجابية في علاقات العالم الإسلامي بأميركا، "وكان ظاهرًا أن الشباب في المنطقة العربية مترابطون، ومرتبطون بالعالم الخارجي في الوقت نفسه، بشكل غير مسبوق، وذلك كله بفضل تقنية الاتصال السهلة والرخيصة، وهذا يمكن أن يترجم انفتاحًا كبيرًا وتحررًا سياسيًا راسخًا، ورغبة عارمة في السلام والتعايش المشترك"، متطرقًا في صفحات الكتاب إلى دور التقنيات الاتصالية الحديثة في إضرام الاضطرابات الاجتماعية وتأجيجها.

في عام 2013، شارك في تأليف كتاب "العصر الرقمي الجديد: إعادة تشكيل مستقبل الشعوب والأمم والأعمال"، مع إريك شميدت، مدير غوغل التنفيذي.


كوهن مع مدير غوغل التنفيذي إريك شميدت

في عام 2019، ألف كتابه "رؤساء بالصدفة: ثمانية رجال غيروا أميركا"، الذي صنف ضمن الأكثر مبيعًا في العالم في ذلك العام بحسب نيويورك تايمز، والذي قدم فيه كوهن نظرة فاحصة إلى رجال وصلوا إلى الرئاسة الأميركية من دون أن يسعوا إلى ذلك، وقد أثر كل منهم في الأمة الأميركية والعالم.