نيروبي: تقع منطقة تيغراي حيث تخوض الحكومة الفدرالية الإثيوبية برئاسة أبيي أحمد عملية عسكرية مستمرة منذ 4 تشرين الثاني/نوفمبر، عند أطراف البلاد الشمالية، غير أنها تحظى بوزن ثقافي واقتصادي وسياسي هائل احتفظت به عبر التاريخ.

تيغراي إحدى المناطق الإدارية العشر التي تتألف منها إثيوبيا المقسمة وفق نظام "فدرالية إثنية".

ومعظم سكانها من أقلية التيغراي التي تضم حوالى ستة ملايين نسمة، ما يساوي أقل من 6% من مجموع الإثيوبيين البالغ عددهم 110 ملايين نسمة.

يتميز الإقليم بتضاريس وعرة من الجبال العالية والسهول الخفيضة، ويقع عند أقصى شمال إثيوبيا، على مسافة أكثر من 600 كلم من العاصمة الفدرالية أديس أبابا.

وتحدّه من الشمال إريتريا، الشقيق العدو الذي يضم بين سكانه أيضا إتنية التيغراي التي تتكلم التيغرانية على غرار سكان الإقليم.

وتقع عاصمته ميكيلي في شرق الإقليم وكانت تعد قبل اندلاع النزاع حوالى نصف مليون نسمة، أي أقل من 10% من مجموع سكان الإقليم.

لعب إقليم تيغراي دورا محوريا في تاريخ إثيوبيا ولا سيما على الصعيد الديني، وهو اليوم بفعل تراثه إحدى الوجهات السياحية الكبرى في البلاد.

وهو يضم مدينة أكسوم المصنفة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والتي كانت مركزا للحضارة الإثيوبية القديمة. وكانت المدينة مقر مملكة أكسوم بين القرن الأول والقرن التاسع. وبفضل الجهود التبشيرية للكنيسة القبطية، أصبحت المسيحية في القرن الرابع الديانة الرسمية لمملكة أكسوم.

ومن أبرز معالم المدينة مسلّة يرجّح أنها تعود إلى القرن الخامس قبل المسيح، يصل ارتفاعها إلى 24 مترا.

وأكسوم موقع مقدس للمسيحيين الأرثوذكس الذين يشكلون الغالبية في إثيوبيا، إذ تحتوي بحسب الكنيسة الإثيوبية على تابوت العهد الذي يقال إن ألواح العهد حفظت فيه، حمله إليها من القدس الإمبراطور منليك الأول الذي يعتبر ابن الملك سليمان وبلقيس ملكة مملكة سبأ، والذي اعتبر ملوك إثيوبيا أنهم يتحدرون منه.

وتقول الرواية إن تابوت العهد لا يزال محفوظا إلى اليوم في كنيسة مريم سيّدة صهيون، أقدس المواقع لدى مسيحيي إثيوبيا.

ويضم إقليم تيغراي عشرات الكنائس القديمة المحفورة في الصخر عند أعلى كتل صخرية شاهقة، كما يؤوي مسجد النجاشي التاريخي الذي يقصده الحجاج المسلمون.

تيغراي منطقة زراعية تنتج مزروعات مهمة مثل السمسم المعد للتصدير، كما تضم صناعات تنتج على المستوى الوطني.

وتبرز المنطقة في قطاع البناء الذي يشهد نموا كبيرا في إثيوبيا، فتضم اثنتين من كبرى المجموعات العاملة على الصعيد الوطني، وهما "سور كونستروكسيون"، و"ميسيبو سيمينت"، الشركة الأولى للإسمنت.

ومن الشركات الكبرى في الإقليم أيضا "ألميدا تكستيل"، أحد أكبر مصانع النسيج في البلاد، و"إيزانا ماينينغ" من كبار منتجي الذهب، و"ميسفين إنداستريال أنجنيرينغ" التي كانت تصنع قبل سنوات سيارات بيجو في إثيوبيا.

وهذه الشركات الخمس في تيغراي من ضمن مجموعة تضم 38 شركة جمدت حساباتها المصرفية منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، إذ يتهمها المدعي العام الإثيوبي بالارتباط بجبهة تحرير شعب تيغراي الذي يدير المنطقة.

هيمن إقليم تيغراي عبر جبهة تحرير شعب تيغراي على الهيئات السياسية والأمنية في إثيوبيا بين 1991، حين اسقطت ديكتاتورية الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية، وحتى وصول رئيس الوزراء أبيي أحمد إلى السلطة عام 2018.

واعتبارا من تلك السنة، تم إبعاد قادة الجبهة تدريجيا من مناصب المسؤولية في أديس أبابا، فانتقلوا إلى المعارضة، ما حد من نفوذها السياسي، فانكفأت إلى تيغراي حيث أعادت ترميم شرعية شعبية متحدية أديس أبابا.

وتستند الجبهة في منطقتها إلى حوالى 200 ألف عنصر من القوات شبه العسكرية والمسلحين، بحسب مجموعة الأزمات الدولية التي تستند إلى مصادر في تيغراي.

ويمنح الدستور الإثيوبي المناطق مسؤولية تنظيم أمنها، لكن ويليام ديفيدسون من مجموعة الأزمات الدولية أشار إلى أن ذلك اتخذ منحى "استثنائيا" في السنوات الأخيرة في تيغراي.

من جانبه، أشار الباحث رولان مارشال إلى أن الجبهة لا تزال نافذة داخل الجهاز الأمني والعسكري الفدرالي حيث لا تزال تحظى بحلفاء من التيغراي ومن مجموعات قومية أخرى.