طهران: اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني السبت إسرائيل بالوقوف خلف اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده، والسعي لإثارة "فوضى" في المنطقة قبل أسابيع من تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، مؤكدا أن بلاده لن تقع في هذا "الفخ".

وفي حين شدد روحاني على رد "في الوقت المناسب"، أكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي ضرورة "معاقبة" المسؤولين عن الاغتيال ومواصلة نشاطات فخري زاده.

وقال روحاني في كلمة متلفزة إن "الأمة الإيرانية أذكى من أن تقع في فخ المؤامرة الذي نصبه الصهاينة. هم يفكّرون بخلق فوضى، لكن عليهم أن يدركوا أننا كشفنا ألاعيبهم ولن ينجحوا في تحقيق أهدافهم الخبيثة".

وحذّر "أعداء" إيران من أن بلاده ومسؤوليها "أكثر شجاعة من أن يتركوا هذا العمل الإجرامي دون رد. في الوقت المناسب، سيردون على هذه الجريمة".

وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية الجمعة وفاة فخري زاده متأثرا بجروحه بعيد استهدافه من قبل "عناصر إرهابية". وأوضحت أنه أصيب "بجروح خطرة" بعد استهداف سيارته من مهاجمين اشتبكوا بالرصاص مع مرافقيه، و"استشهد" في المستشفى رغم محاولات إنعاشه.

ووقعت العملية في مدينة أبسرد بمقاطعة دماوند شرق طهران.

وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أول من وجه أصابع الاتهام الى إسرائيل، متحدثا بعيد تأكيد الوفاة عن "مؤشرات جدية" على دور لها.

ورأى روحاني في وقت سابق السبت أن إسرائيل أدت دور "العميلة" في الاغتيال لـ"الاستكبار العالمي"، وهي عبارة يستخدمها المسؤولون الإيرانيون عادة للإشارة الى الولايات المتحدة.

وقال في بيان نشره موقع الرئاسة "مرة أخرى، تلطخت أيدي الاستكبار العالمي وعميله الكيان الصهيوني بدم أحد من أولاد" إيران، معتبرا أن وفاة العالم البالغ من العمر 59 عاما تشكل "خسارة فادحة".

والسبت، أشاد خامنئي بفخري زاده.

وجاء في بيان نشره الموقع الالكتروني للمرشد "استشهد عالم من علماء بلادنا البارزين والممتازين في المجالين النووي والدفاعي، السيد محسن فخري زاده، على أيدي العملاء المجرمين والأشقياء".

وأضاف "يجب على جميع المسؤولين أن يضعوا قضيّتين مهمّتين بجدّية على جدول أعمالهم. القضيّة الأولى تتمثّل في متابعة هذه الجريمة والمعاقبة الحتميّة لمنفّذيها ومن أعطوا الأوامر لارتكابها، والأخرى هي مواصلة جهود الشهيد العلميّة والتقنيّة في المجالات كافة التي كان يعمل عليها".

ويعدّ فخري زاده من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وكان يشغل منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع.

وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية اسمه على لائحة العقوبات العام 2008 على خلفية "نشاطات وعمليات ساهمت في تطوير برنامج إيران النووي"، واتهمته اسرائيل سابقا عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بالوقوف خلف برنامج نووي "عسكري" تنفي طهران وجوده.

وأتى الاغتيال قبل حوالى شهرين من تسلم بايدن مهامه، وهو الذي وعد بـ"تغيير مسار" سلفه المنتهية ولايته دونالد ترامب مع إيران. واعتمد الأخير سياسة "ضغوط قصوى" حيال طهران، شملت خصوصا الانسحاب الأحادي الجانب العام 2018 من الاتفاق حول برنامجها النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.

وسبق لإيران أن رأت في فوز بايدن، فرصة لواشنطن للتعويض عن "أخطائها السابقة". وكان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس الأميركي لدى ابرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015.

وألمح روحاني في كلمته خلال اجتماع للهيئة الوطنية لمكافحة كوفيد-19، الى وجود رابط بين توقيت الاغتيال وقرب تسلم بايدن مهامه.

وقال "هذا الاغتيال الهمجي يظهر أن أعداءنا يمرون بأسابيع عصيبة، يشعرون خلالها بأن فترة ضغطهم تتراجع، والوضع الدولي يتبدل".

ورأى أن أعداء إيران "يريدون الاستفادة لأقصى حد (...) من الأسابيع المتبقية" بهدف "خلق وضع غير مستقر في المنطقة".

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الجمعة عن مسؤول أميركي ومسؤولَين استخباريين أن إسرائيل "تقف خلف الهجوم على العالِم".

ولم تعلق اسرائيل على الاغتيال. وفي حين أشارت وسائل إعلام فيها اليوم الى زيادة التأهب الأمني في سفاراتها حول العالم، رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس تأكيد ذلك.

وفي ظل انقطاع العلاقات منذ عقود بين إيران والولايات المتحدة، شهد الوضع بينهما تصعيدا في التوتر خلال عهد ترامب، لا سيما في أعقاب اغتيال واشنطن اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، بضربة جوية قرب مطار بغداد في كانون الثاني/يناير الماضي.

وحذّر محللون ومسؤولون سابقون، من أن العملية تهدد بزيادة التوتر في المنطقة، لا سيما بين طهران من جهة، وواشنطن وحليفتها تل أبيب.

ورأى المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" جون برينان، أن الاغتيال "عمل إجرامي ومتهوّر"، محذّرا من أنه قد يدفع الى "تصعيد (...) وجولة جديدة من نزاع اقليمي".

في طهران، توعد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري السبت بـ"انتقام قاسٍ" لاغتيال العالم النووي.

ولم تكشف وسائل الإعلام المحلية تفاصيل كثيرة عن دور فخري زاده، لكن رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي أفاد التلفزيون الرسمي عن "تعاون جيد (معه) في مجال الدفاع النووي".

وتابع أنه كان يحمل شهادة الدكتوراه "في الفيزياء النووية والهندسة"، وعمل على أطروحته مع فريدون عباسي دواني، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذي نجا من محاولة اغتيال عام 2011.

من جهتها، قالت وسائل إعلام أميركية أن فخري زاده كان "الهدف الأول" لجهاز الاستخبارات الاسرائيلي (الموساد).

واحتل نبأ الاغتيال صدارة الصفحات الأولى لغالبية الصحف الإيرانية.

وكتبت "كيهان" المحافظة "العين بالعين: استعدوا أيها الصهاينة"، معتبرة أنهم "أظهروا مرارا أنهم لا يفهمون الا لغة القوة".

من جهتها، رأت "ارمان ملي" الإصلاحية أن على إيران "التصرف بيقظة أكبر من ذي قبل (...) لئلا تقع في فخ الخطوات الشديدة التوتر".

وهذا الاغتيال هو الأحدث في سلسلة عمليات اغتيال طالت خلال الأعوام الماضية عددا من العلماء الإيرانيين في المجال النووي. ودائما ما وجهت طهران أصابع الاتهام الى إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.

وتدعو الدولة العبرية إلى "عقوبات دولية مشددة" على إيران بسبب برنامجها النووي، علما بأن طهران تنفي أي مسعى لتطوير سلاح نووي.

وفي لبنان، دان حزب الله، العدو اللدود لاسرائيل والمقرب من إيران، اغتيال العالم فخري زاده، مؤكدا وقوفه "بكل قوة" بجانب طهران.