أثار العنف المتواصل بين الجيش الإثيوبي والقوات الموالية لقادة منطقة تيغراي الشمالية مخاوف من احتمال اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا.
وبحسب ما ورد، قُتل مئات الأشخاص منذ بدء القتال في 4 نوفمبر / تشرين الثاني ، وفرَّ الآلاف إلى السودان المجاور.
ما الذي أدى إلى اندلاع القتال؟
تعد انتخابات سبتمبر/أيلول في تيغراي، التي أجلتها الحكومة الفيدرالية ضمن تأجيل الانتخابات في عموم البلاد جراء تفشي فيروس كورونا، على نطاق واسع، سببا للتدهور الاخير في إثيوبيا.
وأعلن رئيس الوزراء آبي أحمد عن هجوم عسكري بعد اتهام قوات تغراي بالهجوم والاستيلاء على قاعدة عسكرية في ميكيلي، عاصمة الإقليم، وهي تهمة تنفيها قوات تيغراي.
لكن هذا التوتر بين الجانبين ليس وليد الساعة، بل كان يتنامى منذ فترة طويلة. إذ كانت جبهة تحرير شعب تيغراي، التي ظلت الحزب السياسي المهيمن في إثيوبيا لعقود، تتنازع مع حكومة آبي منذ توليه السلطة في عام 2018.
وبعد انتخابه بوصفه "زعيما إصلاحيا"، اتهم رئيس الوزراء المسؤولين في الحكومات السابقة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، فأقال شخصيات بارزة في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من المناصب التي كانوا يشغلونها في الحكومة المركزية. وشمل ذلك رئيس المخابرات السابق والمسؤول البارز في جبهة تحرير تيغراي، غيتاشيو آسفا، الذي أفلت من الاعتقال وفرّ إلى تيغراي، حيث لا يزال هارباً من العدالة حتى الآن.
وعمق قرار آبي العام الماضي بدمج الأحزاب االقائمة على أسس عرقية التي شكلت تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الحاكم لتأسيس حزب الازدهار هذه التوترات. فعارضت جبهة تحرير شعب تيغراي القرار قائلة إنه سيقسم البلاد، ورفضت الانضمام إلى حزب الازدهار.
وفي وقت سابق من هذا العام، اتسع الخلاف بعد أن أجلت الحكومة الفيدرالية الانتخابات على مستوى البلاد.
وكان قرار إقليم تيغراي بإجراء انتخابات خاصة بالإقليم وحده في سبتمبر/أيلول، بمثابة تحدٍ غير مسبوق للحكومة الفيدرالية، ووصف البرلمان الاتحادي العملية بأنها "غير قانونية".
ومنذ ذلك الحين، بدأت كلتا الحكومتين بنعت بعضهما البعض بأوصاف: "غير شرعية وغير دستورية".
وسبق أن وجهت جبهة تحرير شعب تيغراي تهديدات مبطنة بالانفصال، مستشهدة بمادة في الدستور الفيدرالي تسمح "بالحق غير المشروط في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في الانفصال".
وقال زعيم المنطقة دبرصيون جبرميكائيل في أغسطس/آب: "لن نتنازل أبداً لأي شخص ينوي قمع حقنا، الذي كافحنا من أجل الحصول عليه، في تقرير المصير والحكم الذاتي".
وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول، قررت الحكومة الفيدرالية قطع العلاقات مع منطقة تيغراي، وصوّت مجلس الشيوخ في البرلمان على تعليق ميزانية المساعدات المخصصة للإقليم.
الآلاف "يفرون من إثيوبيا إلى السودان" بسبب القتال في إقليم تيغراي
الصراع في تيغراي: لماذا تغرق إثيوبيا في دوامة الصراعات العرقية؟
أزمة تيغراي: لماذا تمثل المعارك في تيغراي تهديداً للدول المجاورة لإثيوبيا؟
لماذا تتمتع جبهة تحرير شعب تيغراي بهذه الأهمية؟
منذ الإطاحة بالزعيم الماركسي منغستو هيلا مريام، في عام 1991 وحتى عام 2018 ، كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هي الشريك الرئيسي في الائتلاف الحاكم، فضلاً عن إدارة إقليم تيغراي نفسه.
ولعبت الجبهة، بوصفها قوة مدربة على حرب العصابات، دوراً محورياً في الإطاحة بمنغستو، وواصلت هيمنتها، ليس على سياسة البلاد فحسب، بل وعلى اقتصادها أيضاً.
ويمثل خلاف الجبهة مع آبي تصدعا عميقاً في قلب السلطة في البلاد.
فقد خدم معظم زعماء تيغراي الإقليميين، بمن فيهم دبرصيون، في الحكومة المركزية لفترات طويلة من الزمن.
و دبرصيون، مقاتل مخضرم، كان في وقت من الأوقات نائباً لرئيس الوزراء. كما شغل رفاقه ومستشاروه مناصب رئيسية في البلاد حتى وصول آبي إلى السلطة.
ماذا تريد جبهة تحرير شعب تيغراي؟
ترى إدارة تيغراي أن إصلاحات آبي هي محاولة لبناء نظام حكومي موحد يدمر النسق الفيدرالي الحالي.
كما أنها مستاءة مما تسميه صداقة رئيس الوزراء "غير المبدئية" مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي.
وقد فاز آبي بجائزة نوبل للسلام في عام 2019 لجهوده لإحلال السلام مع إريتريا، العدو القديم طويل الأمد لإثيوبيا. لكن جبهة تحرير شعب تيغراي تشعر بأن الحكومة الفيدرالية تتغاضى عن مصالح الإقليم، وتريد أن يكون لها رأي أكبر في العلاقات المستقبلية مع إريتريا، جارة إثيوبيا.
بيد أن رئيس الوزراء يعتقد أن مسؤولي جبهة تحرير شعب تيغراي يقوضون سلطته.
هل إريتريا منخرطة في صراع تيغراي؟
منذ أمد بعيد، ثمة خلاف بين جبهة تحرير شعب تيغراي وحكومة إريتريا، التي لها حدود طويلة مشتركة مع إقليم تيغراي.
وقد بدأت الحرب بين إثيوبيا وإريتريا بين عامي 1998-2000 بسبب نزاع حول الأراضي الواقعة على طول تلك الحدود، ولا سيما المنطقة المحيطة ببلدة بادمي.
ولا يزال وضع هذه البلدة معلقاً بدون حل، إذ تريد إريتريا من إثيوبيا الالتزم بقرار لجنة الحدود، المدعومة من الأمم المتحدة، بتسليم المدينة إليها.
بيد أن ذلك لا يمكن أن يتحقق من دون تعاون حكومة إقليم تيغراي، التي تدير هذه المنطقة.
وفي بيان عن الهجوم على قاعدة للجيش الفيدرالي، اتهم مكتب آبي جبهة تحرير شعب تيغراي بإلباس جنودها ملابس عسكرية تشبه زي جيش إريتريا المجاورة في محاولة لتقديم "زعم كاذب عن توريط الحكومة الإريترية بالهجوم على شعب تيغراي".
واتهم زعيم تيغراي، دبرصيون، القوات الإريترية بالقتال إلى جانب القوات الإثيوبية ضد تيغراي. وقد نفت كل من إثيوبيا وإريتريا ذلك.
ما مدى احتمال نشوب حرب شاملة؟
سبق أن قال زعيم إقليم تيغراي إن قواته مستعدة للقتال للدفاع عن المنطقة التي ستكون "مكاناً لدفن الرجعيين" حسب تعبيره، داعيا أهالي تيغراي إلى تفهم الوضع واتخاذ جميع الاستعدادات اللازمة.
كما أصدرت جبهة تحرير تيغراي وثائق لجمع الأموال من أجل جهودها وتجهيزاتها للحرب.
وقال دبرصيون قبل المواجهة العسكرية: "لقد قمنا بإعداد جيشنا وميليشياتنا وقواتنا الخاصة. وتهدف استعداداتنا إلى تجنب الحرب، لكن إذا أردنا القتال، فنحن جاهزون للفوز".
وفي تبرير المواجهة العسكرية، اتهم مكتب آبي، جبهة تحرير شعب تيغراي "بالاستفزاز المستمر والتحريض على العنف" قائلاً إنهم "تجاوزوا الخط الأحمر الأخير".
وأصدرت حكومة آبي مذكرات توقيف بحق قادة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، وعيّنت قائداً جديداً للمنطقة، متوقعة أن الحرب ستنتهي سريعا؛ لكن قوات جبهة تحرير شعب تيغراي ذات تدريب جيد وخبرة قتالية عالية، لذا يخشى البعض من أن يستمر الصراع طويلاً.
وثمة قلق أيضاً من أن الصراع في إقليم تيغراي، الذي يمثل حوالي 6٪ من سكان إثيوبيا البالغ عددهم أكثر من 100 مليون شخص، قد يؤدي إلى تفاقم التوتر في بقية أجزاء هذا البلد المنقسم عرقياً.
التعليقات