واشنطن، كراكاس: وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأحد الانتخابات التشريعية في فنزويلا التي قاطعتها المعارضة وشهدت حتى الظهر نسبة مشاركة محدودة بأنها "مهزلة". وصوّت الناخبون في فنزويلا الأحد لانتخاب برلمان جديد في اقتراع لا مفاجآت منتظرة فيه بما أنّ المعارضة دعت إلى مقاطعته وسيسمح للرئيس نيكولاس مادورو باستعادة البرلمان الذي كان المؤسّسة الوحيدة الخارجة عن سلطته.

ولا تعترف إدارة الرئيس دونالد ترمب بالرئيس الاشتراكي الذي يتولى السلطة منذ 2013. وكتب بومبيو على تويتر "ما يحصل في فنزويلا اليوم هو تزوير ومهزلة". واضاف ان "النتائج التي اعلنها نظام نيكولاس مادورو غير الشرعي لن تعكس إرادة الشعب الفنزويلي".

وقال مادورو بعد إدلائه بصوته في المساء "الوقت حان. لقد عرفنا كيف نتحلّى بالصبر لكي نتخلّص أخيرًا من هذه الجمعيّة الوطنيّة الكارثيّة (...) التي جلبت آفّة العقوبات (الأميركيّة) والوحشيّة والألم والمعاناة".

وفي وقت سابق، كتب مادورو على تطبيق تلغرام للمراسَلة "حان الوقت. لنُصوّت للسلام والوطن والمستقبل!".

ودعا المجلس الوطني الانتخابي 20,7 مليون ناخب إلى الإدلاء بأصواتهم، لتجديد الجمعية الوطنية التي أصبح عدد مقاعدها بعد تعديل دستوري جديد 277، مقابل 167 في الماضي. ويتنافس نحو 14 ألف مرشّح في هذا الاقتراع.

وصباحًا، بدا الإقبال ضعيفًا، وقد خلت مراكز تصويت عدّة في كراكاس من الناخبين، فيما اقتصر عددهم في مراكز أخرى على قلّة قليلة.

ولدى إدلائها بصوتها في مدرسة في وسط العاصمة، أعربت فاني مولينا عن ثقتها بأنّ "الأمور ستكون على ما يرام". وقالت "مَن يُقاطعون هم على خطأ"، متسائلةً "لمَ يدَعون الآخرين يقرّرون عنهم؟". وأضافت "عليكم أن تخرجوا وأن تصوّتوا".

وجرت هذه الانتخابات في بلد يشهد أزمة سياسية واقتصادية عميقة، يخنقه تضخّم متزايد وتشلّه طوابير لا نهاية لها للحصول على الوقود وأنهكه نقص المياه والغاز والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.

وقال البرلمان الفنزويلي الذي تسيطر عليه المعارضة منذ 2015، الجمعة إنّ التضخّم بلغ منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وعلى مدى عام أربعة آلاف بالمئة.

وفُرض على الناخبين وضع كمامات داخل مراكز الاقتراع حيث وُضعت إشارات أرضية لفرض التقيّد بقواعد التباعد الاجتماعي.

وقال الفنان كليمنتي مارتينيز (53 عاما) "إنهم يطبّقون نظام منظمة الصحة العامة للأمن البيولوجي"، مؤكدا أن عملية التصويت سريعة للغاية.

وقال مادورو في واحدة من دعواته العديدة إلى المشاركة لإضفاء الشرعية على "انتصاره"، "إذا كنتم تريدون أن ننعش الاقتصاد وننعش البلاد ونستعيد رواتبنا، عليكم التصويت".

وبذل الحزب التشافي الحاكم الذي يحمل اسم الرئيس الاشتراكي الراحل هوغو تشافيز (1999-2013) كلّ الجهود لجعل هذه الانتخابات موعدا "تاريخيا" ودحض توقعات مراكز استطلاعات الرأي التي تتحدث عن مشاركة لا تتجاوز 30 بالمئة.

ورأى فيليكس سيخاس، مدير معهد دلفوس، أن التيار التشافي "لديه سقف انتخابي يبلغ نحو 5,5 ملايين ناخب وهمّه هو معرفة كيفية جذبهم إلى مراكز الاقتراع".

ودعا زعيم الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا خورخي رودريغيز الذي عقد تجمعات على الرغم من انتشار وباء كوفيد-19 وتحدث عن مشاريع قوانين يضعها المواطنون الذين "يدافعون عن العائلة الفنزويلية"، الناشطين إلى التعبئة "بالملايين" الأحد "ليقولوا أوقفوا العقوبات وأوقفوا الحصار واحترموا فنزويلا".

وشكّلت العقوبات الأميركية التي تشمل حظرا نفطيا مطبقا منذ نيسان/إبريل 2019 محور خطاب التيار التشافي.

وذكر معهد "داتانالايزس" أن 71 بالمئة من الفنزويليين يرفضون هذه العقوبات.

ومع ذلك دعا زعيم المعارضة خوان غوايدو إلى "توسيعها" وسيجري الأسبوع المقبل مشاورة شعبية ينوي الاعتماد عليها لتمديد ولايته إلى ما بعد تاريخ انتهائها في الخامس من كانون الثاني/يناير.

باختياره مرّةً أخرى مقاطعة الاقتراع، يُجازف زعيم المعارضة الذي أعلن نفسه رئيسا موقتا للبلاد واعترفت به نحو ستين دولة على رأسها الولايات المتحدة، بكل شيء في هذا الاقتراع الذي لا يمكن التكهّن بعواقبه.

ويبدو غوايدو الذي تراجعت شعبيته، واثقًا بنفسه. وقال "لديّ أكثر من تفاؤل، لدي يقين"، لكن لم يُعرف ما إذا كانت السلطات ستسمح بإجراء التشاور الذي دعا إليه.

ودعا غوايدو إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرًا أنّها "لا حرة ولا نزيهة".

وجاء في تغريدة أطلقها "إنها الوسيلة الأفضل لرفض التزوير".

وفي مقابلة أجرتها معه هذا الأسبوع وكالة فرانس برس، قال غوايدو إن "هدف مادورو ليس كسب الشرعية"، مضيفا أن هدفه هو ببساطة نسف كل أشكال الديموقراطية.

وأتيحت للفنزويليين إمكانية التصويت عبر الإنترنت.

ويأمل هوراسيو ميدينا، عضو اللجنة المنظمة للمشاورة، في "تجاوز عتبة سبعة ملايين" مشارك في التصويت، لكن أيًّا يكُن العدد، سيتم التشكيك فيه.

وكانت المعارضة نظمت مشاورة مستقلة في تموز/يوليو 2017 ضد الجمعية التأسيسية التي اقترحها مادورو وحصلت على تأييد 7,5 ملايين ناخب.

وما زالت الجمعية التأسيسية قائمة. ومنذ صدور قرار من المحكمة العليا التي يهيمن عليها تيار مادورو، باتت تحل فعليا محل الجمعية الوطنية عبر إلغاء كل قراراتها.

تعول المعارضة قبل كل شيء على الإدانات الدولية لهذه الانتخابات التشريعية. وأكد غوايدو من جديد أن "هدف مادورو ليس كسب الشرعية" بل "تدمير البديل الديموقراطي لفنزويلا".

ووصفت واشنطن الانتخابات التشريعية مسبقًا بأنها "ليست حرة ولا نزيهة" بينما دعا الاتحاد الأوروبي بدون جدوى إلى تأجيلها وقالت منظمة الدول الأميركية إنها لا ترى فيها شيئا من الديموقراطية.

وأعلنت حكومة الإكوادور السبت أنها لن تعترف بنتائج الاقتراع معتبرة أنه "ينتهك الدستور ومشكوك في شرعيته".

وقدرت الرابطة العالمية للحقوقيين أن هذا التصويت سيكون أقرب إلى "خيال بلا آثار قانونية مشروعة". وطالبت بالمحافظة على 'شرعية الجمعية الوطنية" التي تسيطر عليها المعارضة بعد الخامس من كانون الثاني/يناير "لضمان حماية حقوق الإنسان في البلاد".

وحشدت المعارضة دعمها خارج البلاد، وتأمل الآن في تعبئة شعب غاضب من أزمة اقتصادية لا نهاية لها.