برلين: هل ينبغي تجهيز الجيش الألماني بطائرات مسيّرة قاتلة؟ مسألة ينقسم حولها الائتلاف الحاكم برئاسة أنغيلا ميركل قبل أقل من عام من الانتخابات، مثيرة استياء الحلف الأطلسي.

طرحت المسألة في بادئ الأمر مع توقيع عقد في 2018 مع شركة آي إيه آي الإسرائيلية لاستئجار خمس طائرات بدون طيار من طراز "هيرون تي بي"، في حين أن اتفاق الائتلاف الذي تم بين الاتحاد المسيحي الديموقراطي (محافظ) والحزب الاشتراكي الديموقراطي ينص على طرح المسألة للتصويت في البرلمان قبل أي تسليح محتمل لهذه الطائرات المسيرة.

ولم تستخدم ألمانيا حتى الآن سوى طائرات استطلاع مسيرة في مالي وأفغانستان.

ويحظى تسليح هذه الطائرات بدون طيار بتأييد المحافظين وقسم من الاشتراكيين الديموقراطيين والليبراليين واليمين المتطرف، في حين يعارضه الخضر واليسار المتطرف والجناح اليساري من الحزب الاشتراكي الديموقراطي.

وشهدت القضية تطورا ملفتا في 15 كانون الأول/ديسمبر حين عارض أحد قادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي نوربرت فالتر بوريانس وزعيم كتلة الحزب رولف موتزينيش تسليح الطائرات المسيرة الإسرائيلية.

وتم إرجاء تصويت مرتقب في مجلس النواب حول الموضوع حتى إشعار آخر وجمد مشروع قانون ينص على تخصيص 25 مليون يورو قدمه وزير المالية أولاف شولتز، مرشح الاشتراكيين الديموقراطيين للمستشارية.

وأوضح فالتر بوريانس أن "الحدود بين الدفاع عن حياة جنودنا والقتل بواسطة عصا تحكم رقيقة جدا".

غير أن مدير مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن فولفغانغ إيشينغر نقض هذا التبرير قائلا "ما الذي يفعله طيار (طائرة مطاردة) غير القتل بواسطة عصا تحكم، بالضغط على زر عن مسافة 50 كيلومترا من دون أن يرى الهدف، وإطلاق صاروخ جو أرض؟"

من جهته، يدعو موتزينيش إلى إقامة نقاش أخلاقي واسع النطاق لا يقتصر على أوساط المعنيين في هذا المجال، حول هذا "القتل الآلي التنفيذ" الذي يعارضه "نصف الألمان" على حد قوله.

وأوضح "يزعجني أن يقتصر الرأي عمليا على العسكريين وقادة الجيش والدفاع، من دون أن يشمل مرة أطباء أو ممثلين عن الكنيسة".

وترافق الجدل حول النص مع توتر داخل الائتلاف الحاكم حول المسائل العسكرية.

وتشكل مهمة البعثات العسكرية الألمانية موضوعا في غاية الحساسية نظرا إلى مسؤولية البلد في الحرب العالمية الثانية.

وتثير هذه العرقلة انتقادات حتى داخل صفوف الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وأدت إلى استقالة الناطق باسم الحزب للمسائل الدفاعية فريتز فيلغناروي غداة الفيتو الذي فرضه حزبه.

أما المحافظون، فيبدون استياء شديدا متّهمين شركاءهم في الائتلاف المتراجعين في استطلاعات الرأي، بالانحراف يسارا "لإيجاد شركاء جدد يشكلون معهم تحالفا" انتخابيا مثل دعاة حماية البيئة، على حدّ قول خبير المسائل الدفاعية في الاتحاد المسيحي الديموقراطي هينينغ أوته.

ووصل الأمر بوزيرة الدفاع أنيغريت كرامب كارنباور المؤيدة بشدة لتسليح الطائرات بدون طيار، إلى حد اتهام الاشتراكيين الديموقراطيين بـ"الجبن".

وقالت الوزيرة التي اعتبرت لفترة الخليفة الطبيعية لميركل التي تتخلى عن رئاسة الاتحاد المسيحي الديموقراطي في كانون الثاني/يناير "وضعنا مبادئ عملانية تنص على أنه لا يمكن للجيش الألماني استخدام الطائرات المسيرة المسلحة إلا بشكل دفاعي، أي لحماية عناصره".

ودخل الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ على خط الجدل حول تسليح الطائرات المسيرة، وهو ما سبقته إليه العديد من الدول الموقعة للمعاهدة مثل فرنسا وتركيا.

وأوضح ستولتنبرغ لوكالة دي بي إيه الألمانية أن "هذه الطائرات المسيرة يمكنها دعم قواتنا على الأرض، كما يمكنها على سبيل المثال خفض عدد الطيارين الذين نعرضهم للخطر"، مشيرا إلى استخدامها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

كما شكلت طائرات مسيرة مسلحة من صنع إسرائيلي أو تركي، ورقة تكتيكية بيد أذربيجان ضد أرمينيا في النزاع الذي جرى بينهما أخيرا في ناغورني قره باغ.

وتعول أوروبا على هذه المسألة إذ ينص "نظام القتال الجوي من الجيل الجديد" (سكاف) الذي تقوده فرنسا وألمانيا وإسبانيا والرامي إلى تجهيز أوروبا بنظام قتالي جوي جديد اعتبارا من العام 2026، على استخدام طائرات مسيرة مسلحة.

ورأى فالتر بوريانس أن المسألة لن تبتّ في نهاية المطاف في ألمانيا "خلال ولاية البرلمان الحالي" التي تنتهي في أيلول/سبتمبر مع رحيل ميركل عن السلطة.