باريس: بعد عشر سنوات على قتله على أيدي الأميركيين، لم يبق الكثير من إرث أسامة بن لادن الذي كان أول من دعا الى الجهاد العالمي وأدرك أهمية الإعلام الدعائي.
ألقى الأميركيون جثة بن لادن بعد قتله في باكستان في البحر، لمنع تحوّل قبره الى رمز لمعاداة الأميركيين ومحجة للإسلاميين الجهاديين المتطرفين. ورغم أن قوة تنظيمه تراجعت الى حدّ كبير بعد مقتله، إلا أنه يبقى رمزًا بالنسبة الى العديد من الجهاديين، وبينهم مثلا عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذي ملأ الفراغ في الساحة الجهادية بعد القاعدة.
بالنسبة الى المسلمين، وإن كان بعضهم لم يتردّد في المجاهرة بتأييده بن لادن، لكن كثيرين يؤكدون أنه شوّه صورة الإسلام ووسم المسلمين عن غير حقّ ب"الإرهاب".
ويبقى بن لادن مؤسس الجهاد العالمي. وقد تمكّن من تجنيد عدد ضخم من العناصر في تنظيمه ومن تعبئة آخرين في دول أخرى غير أفغانستان حيث بدأ معركته ضد الأميركيين، خصوصا لأنه أدرك أهمية السياسة الدعائية والترويجية لعقيدته.
تقول الباحثة كاثرين زيمرمان من مركز "كريتيكال ثراتس بروجكت" التابع لمعهد "أميركان إنتربرايز" أن "صورة بن لادن صمّمت بشكل يجعله قائدا روحيا وعسكريا للجهاد".
ويؤكد مدير مركز "صوفان" للأبحاث كولين كلارك أن هذه الصورة التي روّجت له نجحت في تجنيد مقاتلين. ويقول "حتى وإن تعرّض للانتقاد أحيانا لتعلقّه بالإعلام، إلا أنه كان في الواقع مدركا لأهمية المنصات الإعلامية الرئيسية في بث رسالة القاعدة".
ومنذ بروز بن لادن وتنظيمه، صرف الغرب مئات مليارات الدولارات لاجتثاث الإرهاب، من دون ان ينجح في ذلك. وعدد الجهاديين اليوم في العالم يفوق العدد الذي كانوا عليه قبل عشرين عاما.
عندما أرسل طائرات لتصدم برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 أيلول/سبتمبر 2001 وتقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص، تحدّى بن لادن الولايات المتحدة وذلّها وأغرقها في حداد، وأثار الحماسة في المقابل في جيل من الجهاديين للتحرك ضد الغرب، ولو أنه عاش هو كل حياته مختبئا.
بعد عشرين عاما من الاعتداءات التي حملت توقيعه، تستعد الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان من دون أن تدعي النصر. ويقول كلارك إن بن لادن ضرب القوة العالمية الأولى، و"جرّها الى حرب استنزاف في أفغانستان لا يمكن أن تربح فيها".
حوّل بن لادن مناطق الحرب التي قاتل فيها الى حقول تدريب وخصّص ثروته لتمويل مقاتلين في أفغانستان والشيشان، مرورا بالبوسنة والصومال. وخلق مجموعات عديدة غّذت الشبكات الجهادية في العالم.
وتغيّر المشهد الجهادي بعد موته. فلم تعد القاعدة التنظيم الجهادي العالمي الأول، بل أصبح تنظيم الدولة الإسلامية في الواجهة. ولم يتوحد التنظيمان، بل هما غالبا ما يتقاتلان عسكريا وعقائديا.
قتل بن لادن قبل هذا الانقسام الكبير بين التنظيمين الذي حصل في 2014 وانطلق من سوريا والعراق.
ويقول مؤسس الموقع الإلكتروني المتخصص بالشؤون الجهادية "جهادولوجي" آرون زيلين إن "كوادر تنظيم الدولة الإسلامية لا يزالون ينظرون بإعجاب" الى بن لادن، مضيفا أن التنظيم "يرى نفسه أحد الورثة الشرعيين لبن لادن".
لكن الكاتب غلين روبنسون الذي وضع مؤخرا كتابا عن الجهاد العالمي يرى أن بن لادن "بالنسبة الى كثيرين ينتمي الى الماضي".
وهناك انقسام حول الإرث العقائدي الذي تركه. ويرى بعض الجهاديين أن مهاجمة الولايات المتحدة على أرضها أعطت نتيجة عكسية.
وكتب المنظر الجهادي أبو مصعب السوري في مقال نشر على حسابات جهادية على الإنترنت "إنها حماقة استراتيجية".
ويقول روبنسون "ينظر في أوساط كثيرة الى استراتيجيته باستهداف أميركا أولا، العدو البعيد، على أنها خطأ كبير"، مضيفا "الدليل هو أن عددا قليلا جدا من الجهاديين ساروا على هذا الطريق".
واليوم، يقاتل فروع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصومال وبعض دول الشرق الأوسط، ولا ينفذون ضربات في الغرب. لا بل يحاولون أحيانا التجذّر في اللعبة السياسية المحلية، ويتمتعون باستقلالية كبيرة عن التنظيم المركزي بزعامة أيمن الظواهري.
كانت الحرب على الإرهاب التي أطلقها الغرب بزعامة الولايات المتحدة الردّ الأكبر على اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر.
ويشكو كثير من المسلمين من أن هذه الحرب جعلت كل مسلم "متهما بالإرهاب حتى ثبوت العكس". وانعكس ذلك في التدابير في المطارات وإجراءات الحصول على تأشيرات دخول إلى الدول الغربية بالنسبة الى مواطني الدول ذات الغالبية المسلمة.
وجاء في دراسة لمنظمة "راند كوربوريشن" نفذت لصالح سلاح الجو الأميركي ونشرت في العام 2020، أن بعض الحكومات رأت في "الحرب على الإرهاب" التي انضمت اليها، فرصة "لإضعاف المعارضة الإسلامية"، مشيرة الى أن بعض المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان أشارت الى "خطر" إقدام بعض الحكومات "على تجاوز الخط الذي يفصل بين المجموعات العنيفة وغير العنيفة، وذلك بهدف نزع الشرعية عن مجموعات معارضة سلمية وتبرير انتهاك حقوق الإنسان".
التعليقات