دمشق: بدأت الحكومة السورية الأحد العمل بسعر جديد لمادتي الخبز والمازوت بعد رفع ثمنهما مرة جديدة وتزامناً مع قرار رئاسي برفع الحد الأدنى للأجور وزيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة 50 في المئة، وسط أزمة اقتصادية خانقة متسارعة تثقل كاهل مواطنين في بلد يشهد نزاعاً دامياً منذ أكثر من عشر سنوات.

وهي ليست المرة الأولى التي ترفع فيها الحكومة السورية سعر المازوت أو الخبز منذ العام 2011، تاريخ بدء النزاع، وسط أزمة اقتصادية فاقمها مؤخراً الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثر، خصوصاً رجال أعمال، أموالهم.

المازوت

وأعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في وقت متأخر ليل السبت أنها عدلت سعر ليتر المازوت ليصبح 500 ليرة سورية بعدما كان محدداً بـ180 ليرة لغالبية القطاعات و135 ليرة للأفران أي بزيادة تجاوزت 170 في المئة.

كما ضاعفت الوزارة سعر ربطة الخبز ليصبح مئتي ليرة سورية مقارنة بمئة ليرة سابقاً.

في أحد شوارع دمشق، قال وائل حمودة (41 عاماً) بينما كان ينتظر سيارة إجرة، لوكالة فرانس برس، "المشكلة أن الأسعار زادت والمازوت لم يتوافر بعد (...) والسائقون يرفضون التحرك قبل زيادة تعرفة الركوب".

وأضاف، بعدما زادت مدة انتظاره على نصف ساعة، أن زيادة الأسعار "كانت متوقعة"، متابعا "نخشى من زيادات مقبلة في أسعار البنزين والمواد الغذائية والأدوية".

وخلال سنوات الحرب، زادت الحكومة السورية مرات عدة أسعار مواد أساسية أبرزها الوقود. ورفعت الأسبوع الماضي سعر البنزين غير المدعوم بنسبة 25 في المئة، بعدما كانت رفعت في آذار/مارس سعر البنزين المدعوم وغير المدعوم بأكثر من 50 في المئة.

طوابير

ويفاقم رفع الأسعار معاناة السوريين الذين ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على البنزين المدعوم ويشكون من الغلاء واستمرار ارتفاع الأسعار. وتعيش غالبية السوريين راهنا تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ويعاني 12,4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.

وتفاقمت في الأسابيع الماضية مشكلة انقطاع الكهرباء، جراء نقص الغاز المغذي لمحطات توليد الطاقة الكهربائية بحسب مسؤولين سوريين، ووصلت ساعات التقنين في عدد من المناطق إلى نحو عشرين ساعة يومياً.

ومن شأن رفع سعر المازوت أن ينعكس على قطاعات عدة بينها الزراعة والصناعة التي تعتمد بشكل أساسي على مادة المازوت لتشغيل مولداتها في ظل تقنين قاس للتيار الكهربائي.

كما تعتمد وسائل النقل العام في سوريا على المازوت بشكل رئيسي. ورجحت صحيفة "الوطن" المقربة من الحكومة أن ترتفع تسعيرة وسائل النقل العام بأكثر من 25 في المئة. وقدرت أن ترتفع كلفة التدفئة المنزلية بنسبة 178 في المئة.

وصباح الأحد، أصدر الرئيس بشار الأسد مرسوماً يقضي بزيادة رواتب العاملين المدنيين والعسكرين في الدولة بنسبة 50 في المئة، ورفع "الحد الأدنى العام للأجور والحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص" ليصبح 71515 ليرة سورية (28,4 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي) مقارنة مع 47 ألف ليرة (18,7 دولاراً) في السابق.

معاشات تقاعدية

كما أصدر الأسد مرسوماً آخر يقضي زيادة المعاشات التقاعدية للعسكريين والمدنيين بنسبة 40 في المئة.

ونقلت سانا عن وزير المالية كنان ياغي قوله إن زيادة الرواتب والأجور للعاملين وللمتقاعدين تكلف نحو 81,6 مليار ليرة شهرياً.

وعزا معاون مدير عام الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية مصطفى حصوية زيادة الأسعار إلى ارتفاع أسعار النفط عالمياً والعقوبات الغربية المفروضة على دمشق.

وقال، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن "ثمانين في المئة من احتياجات سوريا من المشتقات النفطية يتم تأمينها بالقطع الأجنبي عن طريق الاستيراد"، مضيفاً "كان لا بد من رفع الأسعار حتى يتم تقليص فاتورة الاستيراد وتأمين السيولة اللازمة لاستمرار توريد المشتقات النفطية".

وتحمل السلطات السورية باستمرار العقوبات التي تفرضها الدول الغربية عليها مسؤولية التدهور الاقتصادي في البلاد. إلا أن الرئيس السوري بشار الأسد قال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ نحو عامين "ليست مرتبطة بالحصار"، في إشارة إلى العقوبات، بل "جوهر المشكلة" اليوم "هو الأموال التي أخذها السوريون وأودعوها في لبنان وعندما أغلقت المصارف في لبنان دفعنا الثمن".

أزمة لبنان

ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ نحو عامين. وثمة قيود كبيرة على سحب الأموال من الحسابات المصرفية، لا سيما بالدولار، وخسرت الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها. وزادت الحكومة اللبنانية قبل نحو أسبوعين أسعار المحروقات بنسبة تجاوزت ثلاثين في المئة.

ويردّ مسؤولون لبنانيون أزمة المحروقات في جزء منها إلى عمليات تهريبه إلى سوريا نظراً إلى الفرق في الأسعار. وتعلن الأجهزة الأمنية اللبنانية بانتظام توقيف مهربين ينقلون البنزين والغاز عبر الحدود.

وقال محلل اقتصادي فضل عدم الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس إن الدولة السورية "تستعين بالتجار لجلب المحروقات عبر طرق طويلة في محاولة للالتفاف على العقوبات"، مضيفاً "هذا الطريق الطويل يعبر دولا عدة أبرزها لبنان، والأمر مكلف للغاية".

وأضاف "في ما مضى، كان النفط السوري أهم مورد لخزينة الدولة، لكن اليوم المعادلة واضحة للغاية، طالما لا يوجد دخل للخزينة فإن زيادة الأسعار مستمرة ولن يتوقف الامر هنا".

ومنذ بدء النزاع، مُني قطاع النفط والغاز في سوريا بخسائر كبرى تقدّر بـ91,5 مليار دولار جراء المعارك وتراجع الإنتاج مع فقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى فضلاً عن العقوبات الاقتصادية.