قُتِل ثلاثة عشر طفلًا في ثلاثة أيام فقط. الآن في كل مرة يأتي العيد نخشى أن نفقد المزيد من الأطفال. بدلاً من إعطائهم ملابس جديدة لارتدائها والاحتفال، يقوم الآباء بتزيين ملابس أطفالهم لدفنهم.
إيلاف من بيروت: وسط أنقاض المنازل التي تعرضت للقصف في بنش شمال غرب سوريا، تبرز لوحة جدارية ملونة بألوان زاهية، تُظهر منزلاً سليمًا مع قلوب من الحب تتدفق من النوافذ. مع ذلك، فإن الصور الظلية المظلمة للطيور تصاحبها طائرات هليكوبتر ومقاتلات حربية وصواريخ، وتبدو أزهار الحديقة الحمراء والصفراء كاللهب.
الجدارية من عمل حسين صباغ، البالغ من العمر 13 عامًا، والذي كان في الثامنة من عمره عندما فرت عائلته من هجمات جيش بشار الأسد على حلب في عام 2016. مثل ملايين السوريين الآخرين، انتهى به المطاف في شمال غرب سوريا، آخر جيب لا يزال خارج سيطرة النظام السوري.
رسم واحد
حاولت الأسرة بناء حياة جديدة هناك، على الرغم من استمرار الحرب: بالنسبة إلى حسين، كان هناك فترة راحة مارس فيها كرة القدم، وساعد الفنان المحلي عزيز الأسمر في جدارياته السياسية الشهيرة. لكن أحلام المراهق في أن يكون رسامًا انتهت الشهر الماضي عندما قتل بقصف مدفعي من قوات النظام. قُتل حسين، مع شقيقه البالغ من العمر 17 عامًا، وعمه (23 عامًا)، وثلاثة مدنيين آخرين.
أحب الجميع حسين. قال أسمر: "ساعدني في العديد من اللوحات الجدارية التي رسمتها... كان موهوبًا ولديه خيال جميل. كان هناك رسم واحد خاص يحب أن يرسمه كثيرًا، منزل فيه قلوب حب... أراد أن يقول إن هذه القنابل تقتل الحب وتدمر المنازل".
حسين هو واحد من 27 طفلاً قُتلوا في الهجمات الحكومية في شمال غرب سوريا في الشهرين الماضيين وحدهما، حيث أدت حرب الاستنزاف التي يشنها بشار الأسد إلى خسائر فادحة في السكان الأصغر سناً والأكثر ضعفاً في المنطقة. كما تعرضت سبعة مبانٍ مدرسية للقصف، ما عزز سجل النظام القبيح في استهداف البنية التحتية المدنية.
قالت ليلى حسو، مديرة الاتصال والمناصرة في شبكة "حراس" المحلية، وهي مؤسسة خيرية تعمل على حماية الأطفال في سوريا: " بدأنا نلاحظ نمطًا في السنوات الأخيرة: يزداد القصف سوءًا في أيام العيد" .
أضافت: "قتل ثلاثة عشر طفلًا في ثلاثة أيام فقط. الآن في كل مرة يأتي العيد نخشى أن نفقد المزيد من الأطفال. بدلاً من إعطائهم ملابس جديدة لارتدائها والاحتفال، يقوم الآباء بتزيين ملابس أطفالهم لدفنهم".
محمية.. غير محمية
تحكم شمال غرب سوريا في الغالب هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية سيطرت على فصائل معارضة أخرى في عام 2019. وبينما بذلت هيئة تحرير الشام جهودًا لتنأى بنفسها عن أصولها الضاربة في تنظيم القاعدة، فإن الجماعة لا تتسامح مع أي معارضة ضد الفتاوى الدينية التي تخرجها.
من المفترض أن تكون المنطقة محمية بوقف إطلاق نار توسطت فيه تركيا وروسيا في مارس 2020، لكن يتم تجاهل هذا التدبير بشكل روتيني، ويعيش سكان المنطقة في خوف من موجة تالية من الغارات الجوية. وفر نحو ثلاثة أرباع السكان المقدر عددهم بـ 3.5 مليون نسمة إلى الشمال الغربي هربًا من القتال في أجزاء أخرى من البلاد. الظروف المعيشية مزرية، وتفاقمت منذ انهيار العملة السورية في العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما أدى التدفق المستمر لخفض المساعدات ووصول كوفيد -19 إلى زيادة مصاعب الحياة اليومية للأشخاص المحاصرين بين النظام وهيئة تحرير الشام .
وتصاعدت أعمال العنف في الأسبوعين التاليين لعطلة عيد الأضحى. في نفس الوقت تقريبًا، أدى الأسد اليمين الدستورية لولاية رابعة مدتها سبع سنوات كرئيس بعد فوزه بنسبة 95 في المئة من الأصوات في انتخابات مزورة في مايو، متعهداً بجعل "تحرير تلك الأجزاء من الوطن" واحدة من أولوياته القصوى.
الأمل موجود
قال اسمر: "النظام يصف الناس في شمال غرب سوريا بالإرهابيين. لكن الإرهاب هو ما يفعله النظام، إذ يهاجم المدنيين والمدارس. أحيانًا يطلب منا الآباء إغلاق مباني المدرسة لأنهم يخشون أن يموت أطفالهم هناك. في أجزاء أخرى من العالم، تعتبر المدارس أماكن آمنة... يريد النظام إرسال رسالة مفادها أنه لا يوجد مستقبل في هذه المنطقة، لك أو لأطفالك".
وكان أسمر قد ذهب لوضع الزهور على قبر حسين في بنش الأسبوع الماضي. على الرغم من ألم فقدان مساعده الشاب، فإن الرسم لا يزال وسيلة للاحتفاظ بالأمل وتذكير العالم بأن السوريين ما زالوا يحلمون بالسلام والعدالة، على حد قوله.
أضاف: "منذ أن عدت إلى سوريا من بيروت قبل سنوات، أسعى إلى رسم البسمة على وجوه الأطفال. أحاول أن أجعلهم ينسون، ولو للحظة، الإرهاب والحرب التي عاشوها. سمحت لهم بالمشاركة معي حتى يتمكنوا من التعبير عن مشاعرهم من خلال الفن. أريد أن أوصل لهم رسالة مفادها أن الأمل لا يزال موجودًا".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان".
التعليقات