إيلاف من بيروت: علّق أحد المحللين السياسييين اللبنانيين الموالين للمنظومة الحاكمة في هذا البلد المأزوم على ما حصل في أحد المصارف اللبنانية بالقول: "إنها شريعة الغاب". لكن، أليست شريعة الغاب الحقيقية أن تكون الأموال موجودة في المصارف، وتمتنع إداراتها، متلطية خلف تعاميم المصرف المركزي، عن إعادة الودائع إلى أصحابها.

ماذا حصل؟

دخل المواطن اللبناني عبدالله الساعي إلى فرع بنك بيروت والبلاد العربية في منطقة جب جنين في البقاع الغربي، مطالبًا بسحب خمسين ألف دولار من وديعه في المصرف. رفض المصرف طلبه، فما كان من الساعي إلا أن رفع سلاحًا حربيًا وقنبلة يدوية في حرم المصرف أمام موظفيه، وسكب البنزين في المكان مهددًا بإحراق الفرع بمن فيه إن لم يحصل على أمواله التي يرفض المصرف تسليمها له.

في التفاصيل، نقلت "النهار" اللبنانية عن فاطمة، شقيقة عبدالله، قولها إن شقيقها يملك محلّاً للخضراوات وآخر "للإكسبرس"، ومنذ شهرين تعرّض المحل لسرقة بقيمة 10 آلاف دولار، ما اضطره إلى الاستدانة لشراء بضائع بدلًا من التي سُرقت، وحاول مراراً التوجّه إلى المصرف طالباً الحصول على وديعته حتى ولو بطريقة شيك مصرفي، لكن المصرف امتنع عن ذلك.

في بداية المفاوضات التي جرت مع الأجهزة الأمنية، بحضور شقيقه الضابط العسكري، سلّم الساعي سلاحه الفردي إلى القوى الأمنية، وبقي متسلحاً بعود الكبريت لإحراق نفسه، وفقًا لما ورد في موقع "المدن". أربع ساعات دامت المفاوضات مع الساعي لإقناعه بالعودة عن فعلته، إلا أنه أصر على عدم تحرير رهائنه أو الخروج من المكان إلا غانماً بالمبلغ، وإلا سيحرق المكان بمن فيه. امتثلت إدارة المصرف لطلبه، وسلمته مبلغ 50 ألف دولار نقداً. عندها طلب حضور زوجته شخصياً لإيداعها المبلغ، قبل أن يضع نفسه بتصرف الأجهزة الأمنية من عناصر قوى الأمن وفرع المعلومات، فأوقف بناء لإشارة النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، وبوشر التحقيق معه.

نفت فاطمة تهديد شقيقها بتفجير المصرف بالمتفجرات، وقالت: "لم يكن يحمل قنابل أو سلاحًا بخلاف ما هو شائع، وتأكّدوا من كاميرات المراقبة الموجودة في داخل المصرف، كلّ ما كان بحوزته هو حقيبة تحتوي على قارورات بنزين". مضيفة: "سرعان ما أوقفت الإدارة المركزية للمصرف النظام الداخلي في فرع جب جنين؛ لذا، فور تلقّي زوجته المبلغ، استحصل على ورقة موقّعة بخطّ اليد باستلامه المبلغ".

ولفتت فاطمة إلى أن أخيها لم يسرق المصرف، إنما استعاد حقه، فيما توارت زوجة عبدالله عن الأنظار ومعها 50 ألف دولار، عدًا ونقدًا.

القضاء يريد المال

أصدرت النيابة العامة الاستئنافية في البقاع قراراً بضبط المبلغ بوصفه من مضبوطات القضية، خصوصًا أن الحصول عليه تم "بطريقة جرمية وباتخاذ موظفي المصرف رهائن، على ألا يُعاد إلى المصرف، بل يُحفَظ على ذمة التحقيق"، وفقًا لما أوردت تقارير صحفية.

تم وقف عبدالله الساعي للتحقيق معه، فيما أعلنت شقيقته لجريدة "النهار" أنه يستعد لاعلان الاضراب عن الطعام حتى الافراج عنه، مطالبةً الدولة بالإفراج الفوري عنه، مشيرة إلى أن العديد من المحامين تواصلوا مع العائلة، وعرضوا الدفاع عنه.

وأكد والد عبدالله، علي الساعي لـ"العربية.نت"، أن ابنه أُجبر على القيام بفعلته بعدما تراكمت ديونه ولم يعد باستطاعته دفع بدل إيجار محله في منطقة قبّ الياس في البقاع الغربي، مشيرًا إلى أن عبدالله كان يعمل في فنزويلا بلد زوجته، وأقفل مصالحه هناك بعد أن انهارت العملة وعاد إلى لبنان ووضع جني عمره في المصارف ليجد أنه هرب من جحيم ليسقط في جحيم أكبر.

وأكد أن ابنه استرجع حقه لا أكثر ولا أقل، موضحا أن المصارف سرقت جني عمر الناس.

ردات فعل

لاقي قرار توقيف الساعي ردات فعل عديدة، ونفذت جمعيّة المودعين ورابطة المودعين وقفة تضامنية أمام قصر العدل في بيروت، تزامن مع وقفة تضامنية أمام سرايا جب جنين، مكان توقيفه. أما بنك بيروت والبلاد العربية فقال في بيان إن استرجاع الودائع لا يحصل بالتهديد، "بل عبر خطّة تعافٍ شامل للاقتصاد اللبناني".

أضاف: "ودائع الزبائن حقّ لا يمكن التغاضي عنه، والمصرف يسعى إلى تأمين حقوق الجميع ضمن أي خطة تعاف تطرح"، آسفًا لما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية من تشجيع على تكرار ما حصل. وتمنى المصرف في بيانه محاكمة المُعتدين ضمن القوانين المرعية، مقررًا إغلاق فرعه في جب جنين نهائيًا.

ونقلت "النهار" عن رئيس جمعية المودعين حسن مغنية قوله: "الجمعية لم تدعُ في أيّ مرة المودعين إلى أخذ حقوقهم بأيديهم إلا أنّ القضاء لم ينصفهم على مدى سنتين، ولم يعطِ الحقوق لأصحابها، وبالتالي نحن نتبنى خطوة عبدالله، ومن الغير المسموح بقاؤه في السجن، في حين أن صاحب المصرف ينعم بالحرية، والمبلغ لن يعود مهما كلّف الأمر من تضحيات".