دفع حادث إطلاق نار استهدف ثلاثة طلاب في المرحلة الجامعية في نيو إنغلاند في الولايات المتحدة وحوادث أخرى، أمريكيين من أصول فلسطينية إلى الشعور بالخوف على سلامتهم داخل المجتمع.
فعندما سمع سمير البندك عن حادث تعرض ثلاثة شبان فلسطينيين لإطلاق النار خلال عطلة نهاية الأسبوع الأمريكية في بيرلينغتون بولاية فيرمونت، انتابه على الفور شعور بالخوف على ابنته، التي تبلغ من العمر 16 عاما.
تعيش ابنته في ولاية فلوريدا، وهي من بين الذين يتحدثون بشجاعة عن محنة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، كما يظهر العلم الفلسطيني بوضوح على صفحتها عبر منصة إنستغرام.
اعتزازها بهويتها أمر ظل محل تشجيع من والدها، وهو مسيحي أمريكي من أصول فلسطينية، ولد وتربى في مدينة بيت لحم ثم هاجر إلى سان فرانسيسكو قبل 30 عاما.
بيد أنه بعد أسبوع من حادث إطلاق النار على الطلاب، هشام عورتاني وكنان عبد الحميد وتحسين علي أحمد، وهم ثلاثة طلاب من أصول فلسطينية، يبلغون من العمر 20 عاما، قال البندك إنه قرر السفر إلى فلوريدا للحديث مع ابنته في الأمر.
- هل يؤدي تزايد الدعم الشعبي لحماس في الضفة الغربية إلى اندلاع انتفاضة جديدة؟
- عامل إغاثة أممي يصف أجواء رحلة كابوسية للوصول إلى المستشفى الأهلي في شمالي غزة
وقال: "شرحت لها كم هي بحاجة إلى توخي الحذر الشديد، في ظل وجود بعض الناس العميان الذين تملؤهم الكراهية".
ويقول الآباء الفلسطينيون في الولايات المتحدة، مثلهم مثل البندك، إن سلسلة الحوادث الأخيرة التي تعرض فيها أشخاص فلسطينيون بشكل واضح لاعتداءات، دفعت بشكل متزايد إلى استنساخ ما يطلق عليها "مناقشة العنصرية"، وهي مناقشات تحرص عليها منذ فترة طويلة الأسر الأمريكية من أصول أفريقية والأقليات الأخرى وتتعلق بمكافحة العنصرية.
وتقول شرطة برلينغتون إنها لا تزال تحقق فيما إذا كان حادث إطلاق النار على الطلاب الثلاثة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني جريمة كراهية، بعد أن دفع المشتبه به، جيسون إيتون، ببراءته من تهمة محاولة القتل.
ويؤكد ضحايا الهجوم أن المشتبه به استهدفهم بسبب انتمائهم العرقي.
كان الضحايا يتحدثون بطريقة يمزجون فيها بين اللغتين العربية والإنجليزية وقت الهجوم، وكان اثنان منهم يرتديان "الكوفية" الفلسطينية، وهي وشاح تقليدي باللونين الأبيض والأسود غالبا يرمز للهوية الفلسطينية والتضامن مع الفلسطينيين.
ويقول البعض إن الحادث جعلهم يشعرون بخوف من أن كون أصولهم الفلسطينية الواضحة في الولايات المتحدة تعرضهم للخطر بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ومن بين أولئك الذين شعروا بهذا القلق آن بوردونارو، وهي أم لشابين فلسطينيين في المرحلة الجامعية، ولدا وتربيا في بيرلينغتون.
وتقول بوردونارو: "نظرت إلى صورة الشباب الثلاثة وشعرت بألم داخلي. قلت، هؤلاء هم أولادي".
بعدها اتصلت بولديها ودار بينهم "حديث مؤلم"، اقترحت فيه عليهما بضرورة تجنب ارتداء الكوفية الفلسطينية في الأماكن العامة.
وتضيف بوردونارو: "ابني الأصغر غالبا يرتدي واحدة، إنها مجرد رمز للهوية، هي مجرد جزء من هويته"، لكنها تقول إنها تشعر بقلق من أن يجعله ذلك هدفا لاعتداء عليه.
- بألواح خشبية وأنصاف طباشير: أستاذ فلسطيني يتطوع لتعليم أطفال مراكز الإيواء
- حرب غزة: ما هو محور فيلادلفيا على الحدود المصرية، وما خصوصيته الأمنية؟
كانت الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، وهي جالية صغيرة يبلغ عددها نحو 220 ألف شخص، تعاني بالفعل، وقت إطلاق النار في بيرلينغتون، من حادث مقتل صبي من ولاية إلينوي، يبلغ من العمر ستة أعوام، اسمه وديع الفيومي، في 14 أكتوبر/تشرين الأول.
ووجهت النيابة للمتهم بمقتل وديع تهمة استهداف طفل ووالدته عمدا لكونهما فلسطينيين.
ويقول مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" إنه تلقى كمّا "غير مسبوق" من البلاغات بشأن حوادث التمييز ضد العرب والمسلمين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وسجل المجلس إجمالي 2171 طلبا للمساعدة في شتى أرجاء الولايات المتحدة حتى ديسمبر/كانون الأول.
كما شوهدت زوجة أستاذ بجامعة هارفارد في مقطع فيديو وهي تضايق طالبة بسبب ارتدائها الكوفية، ووصفتها بأنها "وشاح إرهابي".
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني، قيل إن رجلا كان يرتدي الكوفية تعرض لاعتداء أثناء وجوده في ملعب مع ابنه في بروكلين، بنيويورك.
وبعد 10 أيام وقعت حادثة أخرى تمثلت في أن رجلا استهدف امرأة يمنية أمريكية مسلمة في مترو أنفاق نيويورك ووصفها بأنها "إرهابية"، وضربها وكسر العلم الفلسطيني الذي كانت تحمله.
وتقول آية زكي، محامية في شؤون الحقوق المدنية في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" في نيوجيرسي، إن الأمهات الفلسطينيات قصدوها خلال الفترة الماضية لاستشارتها في كيفية مناقشة القضية مع أطفالهن.
وقالت آية: "الحديث مليء بالخوف في محيط الأسر، بين أطفال يريدون الحديث عن هويتهم، وأمهات يشعرن بالرعب الشديد من تعرضهن للأذى".
وأضافت أن كثيرا من حوادث العنصرية التي تواجه الفلسطينيين متجذرة في تمييز مبني على مناهضة العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، بلغت ذروته بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001.
وقالت آية إن الخطاب السياسي المحرّض على الانقسام في الولايات المتحدة بشأن الحرب بين إسرائيل وغزة يعد جزءا من المشكلة.
- فلسطينيون بريطانيون يطالبون بنظام تأشيرة لأقاربهم المحاصرين في غزة أسوة بالأوكرانيين
- حرب غزة: ماذا فعلت إسرائيل مع طلبة أفرج عنهم في صفقة التبادل الأخيرة مع حماس؟
وتقول عبير رمضان الشناوي، مستشارة تعليم وأم تقيم في ولاية ماريلاند، إنها بوصفها فلسطينية ولدت وتربت في الولايات المتحدة، تشعر كثيرا "بالاختلاف" في المجتمع الأمريكي، وهو أمر تقول إن الأقليات الأخرى في البلاد تشعر به أيضا.
وتضيف عبير: "لا يوجد أي شعور بالقبول".
بيد أنه في ظل تفشي الخوف والإحباط، تبرز قدرة على الصمود، فبعد أيام من حادثة إطلاق النار في برلينغتون، نُظمت وقفتان احتجاجيتان في المدينة تكريما للشباب الثلاثة الفلسطينيين الذين أُطلق عليهم الرصاص. أحدهم شارك بعد خروجه من المستشفى الذي كان يتعافى فيه، فضلا عن مشاركة عدد قليل من الأشخاص الذين كانوا يرتدون الكوفية.
وبدا البعض، منذ ذلك الوقت، مثل بورنادارو يفكرون في المناقشات الصعبة التي دارت بينهم وأطفالهم.
وقالت لبي بي سي إنه بعد أسابيع قليلة من انتهاء حادث إطلاق النار في بيرلينغتون: " قررت أن أشتري لنفسي كوفية مرة أخرى".
وأضافت: "كنت أرتدي واحدة منذ سنوات عديدة"، وقالت إنها تشعر بأنها مضطرة إلى ارتدائها مرة أخرى كرمز للتضامن مع الفلسطينيين.
التعليقات