يلقي الارتفاع الكبير في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا منذ ظهور المتحور الجديد من فيروس كورونا على مدى التغير الذي لحق بالمرض منذ بداية ظهور الوباء.

وقال المذيع التلفزيوني مهدي حسن قبل أسبوعين عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، المعروف بتويتر سابقا: "منذ ما يقرب من أربع سنوات، تمكنت من تفادي كوفيد-19، لكنه تمكن مني أخيراً في نهاية عام 2023".

وأضاف حسن أن أعراضه كانت خفيفة لحسن الحظ، لكنه مجرد شخص من بين كثيرين أعلنوا عن أول اختبار إيجابي للإصابة بالفيروس، بعد أربع سنوات من بدء انتشاره لأول مرة في جميع أنحاء العالم.

وعاودت حالات الإصابة بكوفيد-19 الارتفاع مرة أخرى نتيجة لظهور السلالة الجديدة المعروفة بـ"JN.1 Covid" التي ظهرت في سبتمبر/ أيلول الماضي في فرنسا. وبلغت نسبة الإصابة بالمتحور الجديد من كورونا حوالي 60 في المئة من الإصابات الجديدة في أوائل يناير/ كانون الثاني، وفقًا لمؤشر تتبع البيانات في المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC).

في الوقت نفسه، تظهر البيانات الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ووكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة أن الحالات التي تستدعي العلاج في المستشفيات والوفيات الناتجة عن كوفيد19 أقل بشكل ملحوظ مقارنة بشهر يناير/ كانون الثاني 2023. ويرجح أطباء الرعاية الأولية أنه من المستحيل التمييز بين أعراض كوفيد-19 وأعراض الإنفلونزا من دون إجراء تحليل PCR.

وقال زياد توكماشي، الطبيب في مستشفى تشارتفيلد سيرجيري في جنوب غرب لندن بالمملكة المتحدة: "عندما ظهر كوفيد لأول مرة، كانت أعراضه غريبة وغامضة جدا – من ضبابية الدماغ والشعور بالإرهاق وفقدان التذوق والشم. لكني أرى الآن تلك الأعراض تحورت بشكل جعلها أشبه بأعراض الإنفلونزا، حيث يصعب التمييز بين الاثنين سريرياً".

في غضون ذلك، يشير ما سبق إلى أن الفيروس يتحور ليكون أقل إثارة للأعراض المرضية تدريجياً، ويعتقد علماء الأوبئة أن حقيقة الموقف قد تكون أكثر دقة.

وقال غريغ تاورز، أستاذ علم الفيروسات الجزيئية في جامعة كلية لندن بالمملكة المتحدة: "ليس بالضرورة أن يكون هذا المتحور أقل إثارة للأمراض، لكنه يصيب الناس الأقل عرضة لالتقاطه لأنهم عانوا من قبل من فيروس كورونا، وأصبح لديهم قدرة على إصدار استجابة مناعية أكثر تنظيما ضده".

وأضاف أن الدرس الأهم الذي ينبغي تعلمه من السنوات التي انتشر خلالها الوباء هو أن الأعراض التي تظهر لدى المرضى تعتمد بشكل كبير على الحالة المناعية السابقة لهم. ورأى أنه خلال أول عامين من انتشار فيروس كورونا، كانت استجابات المريض للفيروس يتم تحديدها في المقام الأول من خلال حالة المناعة، إلى جانب التعرض السابق لفيروسات كورونا الأخرى.

لكن في الوقت الراهن، في عام 2024، يتم تحديد استجابة المناعة للمرض من خلال مجموعة أكثر تعقيداَ من العوامل، بما في ذلك عدد المرات التي أصيبت فيها الشخص بالفعل بالفيروس وما أخذه من لقاحات، وما إذا كانت المناعة التي تكونت لديه بسبب اللقاحات أصبحت تتضاءل.

نتيجة لذلك، يقول دينيس ناش، عالم الأوبئة في جامعة نيويورك في الولايات المتحدة، إن الأشخاص الذين يعانون الآن من كوفيد-19 لأول مرة هم أكثر عرضة للخطر، خاصة إذا مر وقت طويل منذ آخر لقاح معزز أخذوه.

وقال ناش: "لا يزال هناك أشخاص تمكنوا بطريقة ما من الاستمرار في الاستخفاف بكوفيد. فإذا كان هؤلاء لم يتم تحصينهم باللقاحات المضادة للفيروس أو تم تحصينهم بقدر غير كاف، فسوف يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة بأعراض شديدة وطويلة الأمد".

مع ذلك، يستمر فيروس كورونا في التحور مما يجعله أكثر كفاءة في اختراق جسم الإنسان. كما يتمتع متغير JN.1 بقدرة أكبر على المراوغة أثناء التعامل مع جهاز المناعة والإفلات منه مقارنة بالمتحورات الفرعية من أوميكرون لفيروس كورونا. لكن هذا يغير أيضاً الطريقة التي يؤثر بها على جسم الإنسان.

في عام 2023، رجح باحثون في كلية الطب بجامعة فرجينيا كومنولث أن المصابين الآن بالمتحورات الفرعية المرتبطة بأوميكرون هم أكثر عرضة بنسبة 6-7 في المئة فقط لفقد حاسة الشم أو التذوق مقارنة بالإصابة بالعدوى في المراحل المبكرة من انتشار كوفيد-19.

وبدلا من ذلك، قال بعض الأطباء، مثل ديفيد سترين، الأستاذ المساعد في أمراض القلب والأوعية الدموية في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة، لبي بي سي إن مرضاه كانوا أكثر عرضة للإصابة بالإسهال أو الصداع ضمن أعراض المتحور الفيروس JN.1 أو متحورات EG. 5.

وأضاف تاورز: "لكن هناك تحول كبير في الانتحاء الفيروسي، أي قابلية الخلايا للإصابة بالعدوى". ويعتمد ذلك على تسلسل البروتين الشوكي. فقد أصيب الجميع حول العالم تقريبا بالفيروس أو تم تحصينهم باللقاحات المضادة، لذلك يتعرض الفيروس لضغط بالغ الشدة من أجل الإفلات من الاستجابات المناعية حتى يتسنى له مواصلة الانتقال، لذلك تطور تسلسل البروتين الشوكي كثيراً، وأدى هذا التطور إلى إصابة الفيروس خلايا مختلفة حتى يتمكن من اختراق الجسم البشري، ولهذا السبب لم يعد الناس يفقدون حاسة الشم أو التذوق عند الإصابة به".

ولا يزال الباحثون في محاولات لاكتشاف ما إذا كانت بعض النتائج الداخلية الأكثر دقة لعدوى كوفيد تختلف من متحور إلى آخر من متحورات الفيروس، أو ما إذا كانت هناك أي اختلافات في الاستجابة المناعية الناتجة عن تراجع مستوى الحماية الذي يوفره التحصين باللقاحات فيما بين تلك المتحورات.

ولا تزال هناك مخاوف قائمة حيال إمكانية أن يسبب الفيروس تلفاً للأوعية الدموية والأعضاء الداخلية من خلال تكوين جلطات صغيرة، حيث تبدو الكلى - العضو الذي يتكون من حوالي مليون وعاء دموي صغير يسمى الشعيرات الدموية - معرضة للخطر بشكل خاص وفقا للمتحور الذي أصاب المريض.

وقال سترين: "هذه مجرد ملاحظات، لكننا اكتشفنا المزيد من مضاعفات تلف الأوعية الدموية الدقيقة وتغييرا تدريجيا في وظائف الكلى عند الإصابة بمتحور JN.1 الجديد الذي يبدو أنه أسوأ من المتحورين السابقين. لكن من الصعب تحديد ما إذا كان هذا المتحور هو السبب أو أن مرور 18 شهراً إلى عامين منذ أن تلقى الكثير من الأشخاص لقاحا آخر مرة"، في إشارة إلى إمكانية أن يؤدي تراجع الحماية التي توفرها اللقاحات في ذلك التلف.

ومع ظهور بعض الأدلة التي تشير إلى أن تلك الجلطات الدقيقة قد تكون سببًا لمرض كوفيد طويل الأمد - حتى أن دراسة أجريت في أغسطس/ آب 2023 أشارت إلى أنها يمكن أن تساهم في المشكلات الإدراكية التي يعاني منها العديد من مرضى المتحور طويل الأمد – أعرب باحثون عن قلقهم حيال إمكانية استمرار ارتفاع أعداد في الحالات المزمنة. ومع ذلك، سيكون من الصعب التمييز بين ما إذا كان ذلك يرجع إلى متحور جديد أم إلى تراجع المناعة.

ويسلط ما سبق الضوء على الأهمية المستمرة لجميع الفئات العمرية لمعرفة أحدث اللقاحات. وبينما كان السياسيون حريصين منذ فترة طويلة على تجاوز جائحة كورونا، قال سترين إنه من الضروري الاستمرار في مراقبة كيفية استمرار المتحورات الجديدة المختلفة في إصابة البشر.

وأضاف سترين: "يبدو أن الأعراض تتغير من متحور إلى آخر. ومررنا بفترات كان فيها الصداع هو العرض الأول، وفترات أخرى كانت فيها الأعراض معدية أكثر. لذا علينا جميعا أن نعود إلى الحياة العادية، لكن الواقع هو أن كوفيد لن يذهب إلى أي مكان".

ماذا حدث "لأصابع قدم كوفيد"؟

في الأشهر الأولى من جائحة كوفيد-19، ظهرت تقارير عن أعراض غير عادية ومحيرة للمرض، حيث كان المرضى يصابون بجروح مؤلمة أو حكة لا تطاق في أقدامهم وأيديهم. ثم أصبح هذا التورم والاحمرار - الأشبه بالتورم الناتج عن ذئبة الأصابع – يُعرف باسم "إصبع قدم كوفيد".

وكان الأمر مدعاة للحيرة بالنسبة للأطباء والعلماء – إذ كيف تسبب فيروس تنفسي في ظهور مثل هذه الأعراض الغريبة في أطراف الجسم؟

وفشلت الاختبارات التي أجريت على عينات مأخوذة من أشخاص مصابين بكوفيد-19 في التوصل إلى سر تعرض المصابين بالفيروس المسؤول عن كوفيد-19، لتورم الأصابع، مما يرجح أن الفيروس نفسه قد لا يكون مسؤولا بشكل مباشر عن تلك الأعراض. وبدلا من ذلك، طُرح عدد من الفرضيات، بما فيها إمكانية أن تكون تلك الأعراض نتيجة استجابة مفرطة من جانب جزء من الجهاز المناعي الذي ينتج بروتين يسمى إنترفيرون IFN-1، والذي يساعد الجهاز المناعي على استهداف الخلايا المصابة بالفيروسات.

ورأى آخرون أنه قد لا يكون لكوفيد علاقة بتلك الأعراض على الإطلاق، بل مجرد استجابة تحدث لدى الأشخاص المعرضين لتورم الأصابع على أي حال.

وظهرت نظرية أخرى تتضمن أن قواعد الإغلاق التي طبقت وقت انتشار الوباء تسببت في عدم ارتداء الأحذية وعدم التحرك لأوقات طويلة، وهو ما قد يكون وراء الإصابات "بأصبع قدم كوفيد".

ومن الغريب أنه مع تطور الفيروس وتخفيف قيود الإغلاق، استمر ظهور هذه المشكلات الجلدية. وكشفت الأبحاث التي أجراها علماء في كلية الطب الملكية في لندن، والتي ركزت على الأعراض التي ظهرت لدى أكثر من 348 ألف شخص سجلوا ظهور أعراض كوفيد لديهم عبر تطبيق على الهاتف الذكي. ولوحظ أيضا أن كوفيد والشكاوى من مشكلات الجلدية تراجعت إلى حدٍ كبيرٍ أثناء الموجات الأحدث من الفيروس.

ورُصدت هذه الشكاوى من المشكلات الجلدية لدى 11 في المئة من المصابين خلال المتحور أوميكرون، مقارنة بـ 17 في المئة أثناء المتحور دلتا، حيث تميل الأعراض أيضاً إلى الاستمرار لفترة أطول.