إيلاف من الرباط: قال محمد الدخيسي، والي الأمن، مدير الشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني ( الامن العام ) المغربي، الثلاثاء، بالدار البيضاء، إن التزام بلاده بحماية حقوق الإنسان "ليس مجرد شعار يُرفع أو خطاب يُلقى، بل هو نبض متجذر في أعماق الوطن، ورؤية حكيمة تستشرف المستقبل بثبات".

وشدد الدخيسي على أن هذا الالتزام هو "انعكاس لروح أمة تؤمن بأن الكرامة الإنسانية ليست مجرد حق يُمنح، بل هي جوهر وجود الإنسان".
جاء ذلك في معرض كلمة ألقاها الدخيسي في ورشة إقليمية حول "تعزيز الضمانات التشريعية الوطنية لمناهضة ومنع التعذيب وسوء المعاملة"، ينظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بتعاون مع مركز حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ورأى الدخيسي أن تنظيم هذه الورشة الإقليمية يعد دليلاً بارزا على انفتاح المغرب على قيم الإنسانية، وعزمه الراسخ على ترسيخ دينامية الإصلاحات الكبرى تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي يقود مسيرة الوطن بثبات وحكمة نحو آفاق أرحب من الكرامة والعدالة.

التزام مستمر
استعرض الدخيسي جهود المغرب وطموحه العميق "لتعزيز بنيته المؤسسية"، و"لتظل كلماته وأفعاله شاهداً على التزامه المستمر بحماية الإنسان وحقوقه في كل زمان ومكان".

وشدد الدخيسي على أن المملكة، في سعيها الدؤوب لمناهضة التعذيب، تُظهر وجهها الإنساني، الذي "ينير درب العدالة بتعاون صادق مع المنظومة الأممية، ويعكس وفاءً للعهود والمواثيق الدولية"،مشيرا إلى أن بلاده "لا تكتفي بالانضمام إلى هذه الصكوك، بل تجعل منها منارة تُضيء بها مساراتها القانونية، وتجعل من أروقتها منبراً ينادي بالحق، ويرفع لواء الكرامة في وجه الظلم".

في سياق ذلك ، تحدث الدخيسي عن انخراط المغرب منذ توقيعه على اتفاقية مناهضة التعذيب في 21 يونيو 1993 في مسيرة متجددة نحو ترسيخ قيم الحرية والكرامة، حيث حرص على مواءمة تشريعاته مع المبادئ الكونية، لتجعل من الحق في الحياة والسلامة الجسدية ركناً أصيلاً في بنيانها الدستوري. فيما جاء دستور 2011 ليعزز هذه المكتسبات، وليؤكد التزام الدولة بمناهضة التعذيب وتجريم كل أشكال المعاملة القاسية أو المهينة.

رؤية متكاملة
قال الدخيسي إن المديرية العامة للامن الوطني بلورت رؤية متكاملة ومندمجة تهم حقوق الإنسان واحترام الحريات من خلال وضع مخطط عمل رامي إلى الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء الإيقاف والاستماع والحراسة النظرية ( الاعتقال الاحتياطي بصفة خاصة، والذي يرتكز على تمتين ودعم وسائل النزاهة والتخليق، وعصرنة هياكل ومناهج عمل الأمن الوطني ودعم قدرات موظفيه، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجويد التكوين الأساسي والمستمر والتخصصي وملاءمته مع المعايير الدولية والمقتضيات القانونية الوطنية ذات الصلة، وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي في المجال الأمني،وتطوير مناهج وطرق البحث الجنائي ووسائل الشرطة التقنية والعلمية، والاستناد إلى القانون والتقنيات الحديثة في جمع الأدلة المادية في الميدان الجنائي، وكذا التواصل والانفتاح والتعاون مع المؤسسات والمنظمات المعنية.

وبعد أن استعرض الدخيسي بعضا من المرجعيات والأسس التي يرتكز عليه المخطط المذكور، شدد على أن المديرية العامة تعمل باستمرار على تأطير وتوجيه كافة موظفيها في مجال الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وكرامة الأشخاص الذين يخضعون لإجراءات تدابير الحراسة النظرية تحت طائلة العقوبات التأديبية والإحالة على العدالة عند الاقتضاء. بالإضافة إلى أن فضاءات الوضع تحت الحراسة النظرية تخضع لتأطير مسطري دقيق للحيلولة دون جعلها مجالات مغلقة.

وتحدث الدخيسي عن بعض الإجراءات الاحترازية التي قامت بها المديرية العامة، على مستوى البنيات التحتية، وتحسيس الموظفين المكلفين مهام التدخل والإيقاف والبحث والحراسة النظرية والنقل، ومنهجية العمل، والنظافة والوقاية المستمرة من الأمراض المعدية، والتدابير الوقائية من مخاطر الحريق والهلع.

تدابير احترازية
قال الدخيسي إن القيادات الأمنية التابعة للمديرية العامة للأمن المغربي، اتخذت منذ 2019، في سياق تعزيز هذه التدابير الاحترازية، سلسلة من المبادرات التي تجسد "التزام المؤسسات الراسخ بضمان كرامة الأفراد داخل أماكن الحرمان من الحرية"، مما شكل "حجر الزاوية في بناء نظام يوفر بيئة آمنة تحترم حقوق الإنسان بشكل كامل، سواء في مراحل البحث أو في ظروف الحرمان من الحرية".

وأضاف الدخيسي إن هذا الالتزام تجلى، بشكل جلي في تنفيذ 90 بالمائة من توصيات الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، مما يعكس "التزامها بتحسين ظروف الحرمان من الحرية وتعزيز حقوق الإنسان عبر تطوير البنية التحتية وتحديث أنظمة المراقبة وتوفير التكوين المستمر والتخصصي اللازمين للموظفين". كما تجلى هذا الالتزام في تنظيم 3537 دورة تدريبية متخصصة في مجال حقوق الإنسان، مما يعكس "الحرص على ترسيخ ثقافة حقوقية بين أفراد الأجهزة الأمنية من خلال مزج الجانب النظري بالتطبيقي بهدف توجيه الفكر وتعميق الفهم وفقًا للمعايير الدولية، الأمر الذي يعزز وعيهم بأهمية احترام حقوق الأفراد ويقيهم من أي تجاوزات تمس بكرامة الإنسان".

وتحدث الدخيسي عن إصدار 710 دوريات ومذكرات مصلحية، تهدف إلى "تنظيم العمل الأمني بما يتماشى مع توصيات الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، حيث لم تقتصر على كونها تعليمات إدارية، بل أصبحت أداة نسجت شبكة رقابة داخلية تضمن التزام مختلف المرافق الأمنية بأعلى معايير الشفافية والمساءلة، مما حولها إلى وسيلة فعالة لترجمة التوجيهات والتوصيات إلى ممارسات واقعية ومستمرة".

وضمن هذا الالتزام، تحدث الدخيسي عن إجراء 2250 عملية مراقبة وظيفية على الغرف الأمنية التابعة لها، بهدف التأكد من عدم وجود أي تجاوزات قد تمس بحقوق الأشخاص المحرومين من الحرية، حيث تمت هذه العمليات بدقة متناهية وحرص شديد لضمان أن تكون جميع الإجراءات المتخذة متماشية مع مبادئ حقوق الإنسان، وأن تظل كل زاوية داخل هذه المنشآت خالية من أي انتهاكات.

ثقافة حقوق الإنسان
في إطار تعزيز التعاون المؤسساتي وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، تحدث الدخيسي عن إبرام المديرية العامة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان اتفاقية شراكة انطلقت في سبتمبر2022، بهدف تطوير العمل المشترك بين المؤسستين، بغرض تعزيز مناهج التدريب والتكوين الشرطي في مجال حقوق الإنسان، ودعم الممارسات المهنية والتدخلات الميدانية وفق المعايير الوطنية والدولية في هذا المجال.

كما تحدث عن تنظيم المعهد الملكي للشرطة، في سبتمبر 2022، ندوة دولية حول "المعايير والممارسات المتعلقة بالوقاية من التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء الإيقاف والاستماع والحراسة النظرية"، علاوة على تنظيم دورتين لتكوين المكونين، في 2022 و2023، استفاد منهما 36 إطارا للشرطة، يشرفون على غرف الأمان التابعة للأمن الوطني، بهدف تعزيز قدراتهم في مجال حماية حقوق الإنسان أثناء أداء مهامهم.

وفي نوفمبر 2023، واحتفاءً بمرور عشرين عامًا على اعتماد البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، نظمت المديرية العامة، بشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤتمرًا إقليميًا رفيع المستوى حول "دور المؤسسات الأمنية في الوقاية من التعذيب".

وفي إطار الأبواب المفتوحة، التي نظمتها المديرية العامة في 2023 و2024، تم تفعيل رواق مشترك للأمن وحقوق الإنسان، شكّل فضاءً للتفاعل مع المواطنين حول الجهود المبذولة لتعزيز احترام حقوق الإنسان في الممارسة الأمنية.

فخر واعتزاز
خلص الدخيسي إلى أن المملكة المغربية أصبحت "تمتلك اليوم رصيدًا ماديًا وغير مادي متميزًا في مجال حقوق الإنسان"، وهو ما يشكل "مصدر فخر واعتزاز بالنظر إلى التجربة الرائدة التي راكمتها، خصوصًا في مجال الوقاية من التعذيب"، حيث شهدت البلاد إحداث "الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب"، المنصوص عليها في الجزء الرابع من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، مما يمثل خطوة أساسية نحو تعزيز الالتزامات الدولية والدستورية للمغرب في هذا المجال.