حتى قبل شهر مضى، كانت الحكمة تقول ان العراق سيملأ كل فراغ السياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تجري العام الحالي. فهل تتحول ايران الى قضية في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
وتتوفر الآن دلائل على ان ايران تتحول الى قضية ينقسم بشأنها الرئيس جورج دبليو بوش ومتحديه الديمقراطي السناتور جون كيري.
وأطلق كل من بوش وكيري تصريحاتهما بشأن القضية الأسبوع الحالي. وقال بوش، إنه أمر باجراء تحقيق في صلات ايران المزعومة بالقاعدة. ورد كيري بالحديث عن «طريقة بناءة» للنظر في كل القضايا التي تلعب ايران فيها دورا. والانقسام بشأن ايران هو أكثر وضوحا من الانقسام بشأن العراق.
وكان كيري ومرشحه لمنصب نائب الرئيس السناتور جون ادواردز صوتا لصالح تحرير العراق العام الماضي. ولم يشعر أيهما بالندم جراء الاطاحة بصدام حسين، ويتفق الاثنان على ان الولايات المتحدة ينبغي ان تساعد العراق على اعادة اعمار نفسه، وهو ما يعني ابقاء القوات الأميركية هناك وفق ما تتطلبه الضرورات.
أما موضع هجوم كيري وادواردز على بوش في ما يتعلق بالعراق فهو في قضية التحليل الاستخباراتي ما قبل الحرب والطريقة التي «سوق» بها الرئيس فكرة ازاحة صدام، الى الكونغرس.
غير ان ذلك النمط من الاختلاف ليس واضحا بما يكفي لتغيير كثير من الأصوات. فأولئك الذين عارضوا الحرب يغفرون لكيري وادواردز دعمهما لبوش العام الماضي. وأولئك الذين يعتقدون، بغض النظر عن القلق والتعقيدات حول التقارير الاستخباراتية قبل الحرب، ان تحرير العراق كان فكرة جيدة، لن يتأثروا بشكوك كيري التالية.
وتوفر ايران، من ناحية أخرى، لبوش وكيري، فرصة اظهار طرقهما المختلفة في معالجة قضية التعامل مع الأنظمة التي يعتبرونها خطا أم صوابا، أنظمة معادية للولايات المتحدة وحلفائها. وفي منظور أوسع ستمكن هذه القضية بوش وكيري من الدفاع عن وجهات نظرهما حول كيفية استخدام القوة الأميركية في عالم ما بعد الحرب الباردة.
ومن هنا فثمة عدد من القضايا ذات الأهمية الراهنة ستدفع ايران الى أجندة الرئاسة الأميركية.
وترتبط أولى هذه القضايا ببرنامج ايران المزعوم لبناء ترسانة أسلحة نووية. وهناك اجماع متزايد، حتى في الأوساط الأوروبية، على أن الجمهورية الاسلامية قد اتخذت القرار الاستراتيجي بأن «تتحول الى قوة نووية».
ومن غير المحتمل أن يكون ذلك مقبولا للجمهورية الإيرانية.
أما القضية الثانية التي تدفع بإيران إلى مقدمة النشرات الإخبارية فهي مستقبل العراق وأفغانستان. فهذان البلدان مشرفان على إجراء انتخابات عامة فيهما. وثمة تصميم إيراني على أن تلعب دورا في الحدثين. وتتلقى العناصر المدعومة إيرانيا مبالغ ضخمة لدعم حملاتها الانتخابية. ويمكن أن تتمكن هذه العناصر من كسب 30 في المائة من المقاعد في برلمان المستقبل الأفغاني. وهذا الوضع يمكن بدوره أن يمكنهم من تكوين تحالف واسع مع العناصر الأخرى المعادية لأميركا، والعناصر المعادية للعملية الديمقراطية على وجه العموم، وتسيطر بالتالي على ذلك البرلمان. وتقوم إيران كذلك بدعم زعيم الحرب البشتوني قلب الدين حكمتيار ضد العناصر البشتونية المعتدلة التي يقودها الرئيس حميد كرزاي. ومما يدل على ذلك أن كل الهجمات التي حدثت مؤخرا في جنوب افغانستان، وحول منطقة كندوز، كانت من تدبير عصابات حكمتيار وليس طالبان.
ومع ان الميول المتعاطفة مع إيران أضعف بكثير في العراق، منها في أفغانستان، إلا أن تأثير الأموال الإيرانية ومقدراتها التنظيمية ودعايتها وتكتيكاتها الابتزازية يجب ألا يتم التقليل من شأنها.
القضية الثالثة مثار الاهتمام هي قضية فلسطين. فالتشرذم والضعف الذي اصاب السلطة الفلسطينية تحت قيادة عرفات، والضربات الموجعة التي وجهتها إسرائيل إلى حماس، تركت فراغا تأمل طهران في ملئه. وتحاول طهران حاليا إنعاش الفرع الفلسطيني لحزب الله، والذي كاد أن يتلاشى بعد الانتفاضة الثانية.
القضية الرابعة هي دور إيران في دعم الإرهاب العالمي. ولم تنف إيران المزاعم التي صدرت عن الـ«سي آي إيه» بأن بعض إرهابيي 11 سبتمبر أيلول قد قضوا بعض الوقت في إيران. وليس سرا أن المئات من مقاتلي طالبان والقاعدة قد لجأوا إلى إيران.
الى ذلك فالعناصر التي تريد من الولايات المتحدة أن تتبنى استراتيجية قائمة على «تغيير النظام» في إيران، تدعم قضيتها ضد الجمهورية الإسلامية بالإشارة إلى علاقات الأخيرة بالهجمات الإرهابية التي وقعت ضد الولايات المتحدة وحلفائها خلال ربع القرن الأخير. وتأمل هذه المجموعات التي تشمل أميركيين من أصل إيراني، في إقناع بوش بتبني موقف أكثر صرامة من إيران. وربما يحقق هؤلاء نصرهم الأول في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما يقدم السناتور الجمهوري سام براونباك اقتراحه بتبني استراتيجية تغيير النظام الإيراني، وهو اقتراح ربما يوافق عليه مجلس الشيوخ. ولكن مجموعات أخرى، تشمل كذلك أميركيين إيرانيين، تدعو إلى الحوار بين طهران وواشنطن. وقال كبار مساعدي كيري إنه يفضل هذا الحوار. ويؤيد فكرة الحوار، كذلك فريق عمل يقوده زبغنيو برجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس جيمي كارتر، وروبرت غيتس المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، كما تدعو وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت إلى التطبيع مع إيران.
ونسبة للانقسامات التي تتفاقم داخل إدارة بوش حاليا، لم تستطع صياغة سياسة محكمة حول إيران. وفي الوقت الذي وصف فيه الرئيس بوش الجمهورية الإسلامية بأنها جزء من محور الشر، قال نائب وزير الخارجية ريتشارد آرميتاج إن إيران تمثل نوعا ما من أنواع الديمقراطية، ويجب التعامل معها. وتلعب الانقسامات داخل النظام الإيراني نفسه دورا لا يستهان به في فشل الدول الأخرى في صياغة سياسة مفهومة حول إيران. فليس من السهل بناء قصر وطيد العمد، في وسط من الرمال المتحركة.
وأخيرا، فربما تساعد الحملة الرئاسية معسكر بوش على التخلص من الضباب الذهني الذي شوش تفكيرها حول إيران طوال السنوات الأربع الماضية، وهذا بدوره يمكن أن يساعد معسكر كيري على التوصل إلى أفكار أكثر واقعية للتعامل مع نظام لا يمكن تجاهله، بصرف النظر عن حسناته أو سيئاته، في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.