الأحد: 02. 10. 2005

انتهي الليل بكلامه المعسول المدهون بزبد الأحلام والأماني والأونطة اللذيذة.. بمجرد اغلاق صناديق الاقتراع وإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية التي حضرها أقل من ربع الناخبين »أي انهم لا يمثلون أغلبية من لهم حق الاقتراع«.. وطلعت شمس النهار »فساحت« الزبدة وانزلقت من فوق الكلام فظهر علي حقيقته التي ألفناها قديما.. مجرد حدوتة ملتوتة.. أولها ملل وآخرها نوم في فراش الخرس والصمت!


ضربة البداية

وقبل اللعب يبدأ التسخين.. وقد تولاه كما ذكرت في مقال الأسبوع الماضي اثنان من »الفراودة« ذوي الباع والخبرة.. فأعلن أحدهما أن تغيير الدستور- وهو المطلب الوطني العام - غير دستوري ثم جاء ثانيهما ليعلن بمنتهي الحسم والقوة انه لا انتخاب إلا فرديا - بالعند في كل المطالبين بالقائمة وعلي عكس ما بشر به الرئيس المنتخب في جولاته الدعائية بانه ينوي اجراء تعديلات مؤثرة في نظم الانتخابات البرلمانية المقبلة - وكأن السيد أمين الحزب يقول للمصريين: عليكم واحد!!
ولكن أقوال التسخين لم تفقدنا الأمل فربما كانت أقوالاً تطوع بها اللاعبون القدامي من باب اثبات الذات.. ولم ينل بها في الواقع إلا بعد أن صفر الحكم ولعبت ضربة البداية.. لعبها الرئيس مبارك ولم تهدأ بعد صيحات ونداءات المطالبين بحكومة محايدة غير حزبية تجري الانتخابات النيابية القادمة.. اذ بادر علي الفور وحتي قبل ان تقدم الوزارة استقالتها -التي جري العرف علي ان تقدم فور حلف الرئيس لليمين الدستورية - فأعلن فخامته انه طلب من رئيس مجلس الوزراء ان يباشر - هو ووزراؤه - أعمالهم مستمرين في أدائهم الوزاري الي ما بعد الانتخابات!!.. يعني: »ريحوا روحكم وبلاش وجع دماغ وتقاليع فاضية.. يعني ايه وزارة محايدة؟ ما تطلبوا أحسن وزرا أجانب لماتش الانتخابات.. سيبك م الهجص دا كله يا دكتور نظيف وخليك ماشي في الموضوع وخليهم يجعجعوا زي ما هم عايزين.. زي اللي قالوا برضه مبارك يسيب الحزب الوطني! دا الحزب اللي ماسك البلد وفيه القيادات كلها.. اسيبه ازاي؟ عايزيني أضعفه وأمشي القيادات علشان ينط لي فيها زعيط ومعيط ونطاط الحيط.. دا مش حايحصل ابدا« واعتذر عن هذا التصور لرأي الرئيس فقد تخيلته باجتهاد شخصي.. لمجرد تقريب المعني.. وأنا لا أهدف منه إلا لإثبات وجهة نظري التي أعتقد أن الكثيرين يشاركونني فيها وهي ان الوعود الانتخابية مجرد وعود وان دعاوي التغيير والاصلاح مجرد »كلام ليل«.. وان من رسخوا في الحكم الشمولي لا يمكن أن يتحولوا بهذه البساطة إلي حمائم تغرد للديمقراطية.. وأن الآمال التي عقدت بإسراف حول ان مصر قد دخلت جنة الديمقراطية أو تكاد لم تكن إلا سراباً يحسبه الظمأن ماء ولا يفيق حتي يرديه قيظ الهجير.
هكذا حسمت ضربة البداية المباراة من أولها.. وقطعت جهيزة قول كل خطيب!.. إن شيئا لن يتغير وكانت انتخابات مجلس الشعب.. وطريقة الأداء فيها هي المحك.. وبدأت القصيدة بإنكار واضح وصريح لبديهية من بديهيات سلامة وشفافية وحيدة الانتخابية النيابية التي سيتأسس علي نزاهتها مصير الاصلاحات المنشودة.. وها هي البوادر تشير الي حذف أهم مقومات النزاهة.. فستجري الانتخابات حكومة حزبية متمسكة بكل تقاليد الانتخابات في الربع قرن الأخير وهو فوز الحزب بأغلبية كاسحة.. خصوصا والمطلوب هذه المرة أن تنتفي تماما اي إمكانية لوجود عدد من النواب يمكنهم من تعضيد مرشح الرئاسة القادم وفقا لشروط »تأييف« المادة 76 علي مقاس مرشح وحيد الكل يعرفونه وبالأمارة يبدأ اسمه بحرف الجيم ويبقي ابن رئيس الجمهورية الحالي »الجدع يقول هو من وله جايزة!!«.


ورجال أعمال السياسات

من كرامات الانتخابات الرئاسية الأخيرة انها فتحت الستار وأظهرت من كانوا في الكواليس من أبطال العرض ورجالاته.. وتبدت للمصريين - خاصة البسطاء أصحاب الأغلبية الصامتة الذين لا يعني حكامهم بالتعامل معهم في صراحة وشفافية - تبدت لهم أخيراً حكاية لجنة السياسات.. واكتشفوا طبيعة القوي الحاكمة فيها والتي تتمثل في دائرتين: الدائرة الأولي ومركزها السيد جمال مبارك وحوله »اصدقاؤه« المقربون وخلصاؤه من أيام الدراسة والعمل في لندن ثم في مصر، والدائرة الثانية تضم مجموعة رجال الأعمال الكبار الذين يعملون بدأب للاحتماء بسلطة تؤازرهم وتضمن مصالحهم وفي نفس الوقت تحتمي السلطة بقوتهم »المالية والاقتصادية« وتضمن دعمهم لانفاقاتها. والاسماء معروفة في الدائرتين والمواطن العادي في الشارع المصري اصبح يستظهرها عن ظهر قلب.. والجملة التي تتردد علي ألسنة المصريين في منتدياتهم وتجمعاتهم..و حتي داخل بيوتهم أن الحكومة »بتاعة مليارديرات المال والأعمال«.. خاصة وقد سلطت الأضواء عليهم خلال الحملة الإعلامية التي أديرت علي الشاشات والصحائف.. فظهر النجوم المختبئون أخيراً.. من أحمد عز لمحمد إبراهيم كامل لمحمد فريد خميس لشفيق جبر لمحمد أبوالعينين.. و... و... إلخ.
وبقيت دائرة ثالثة تضم »الدكاترة« وأساتدة الجامعة وكوادر »الانتلجنسيا« المدجنة وتضم أسماء لها قدرها واحترامها. ولكنها للأسف نجوم زينة . لزخرفة الجناح الجديد وترصيعه وإظهاره بمظهر الكيان الجامع المانع.. لكن هؤلاء للأسف الشديد يحضرون الاجتماعات ويناقشون ويستمعون لأعضاء الدائرة الأولي وتوجيهات مركزها.. ويتفرجون علي أعضاء الدائرة الثانية يبنون صروحهم الاقتصادية والمالية رافعين شعار »لا صوت يعلو علي صوت الاستثمار«.. وهو شعار يصادر كل مشاكل مصر لحساب قضية »تشجيع الاستثمار« التي أصبحت بمثابة البقرة المقدسة التي لا يمكن لأحد أن يتعرض لها أو يمسها أو حتي يناقشها.. فمشاكل مصر كلها لن تحل إلا بفتح الابواب للاستثمار علي البحري.. وبما أن هؤلاء السادة هم أصحاب المشروعات الكبري وشركاء المستثمرين غير المصريين والحاصلون علي الوكالات الدسمة.. فهم أولي الأمر الحقيقيون ويجب أن تسخر لهم كافة القوانين والتسهيلات والتشريعات التي تضمن لهم كل ما يريدون.. أليس بيدهم حل مشكلة البطالة؟.. ألا يملك الواحد فيهم أن يجيع الشعب المصري أو يطعمه؟ إذا فلابد ان تسخر لهم »السياسات« ورجال السياسات في الوزارة في مقابل أن يضمنوا هم بوسائلهم استمرارية النظام وبقاءه..
وهكذا نري مجموعة اللاعبين في أرض السياسات.. هم أنفسهم رجال أمريكا في مصر »لان امريكا هي القوة التي تعصف وتبقي.. وتضغط وتربت« وهم يعرفون أين يقع مفتاح قلب الأمريكان فيغازلون من طرف خفي قضية التطبيع والتعايش والتقارب بين مصر وإسرائيل.. وهم واثقون من وصول الرسالة الي واشنطن »هل هي صدفة ان يصرح السيد جمال مبارك بأن مصر عليها ان تنفتح علي العالم بشكل أكبر وتدعم العلاقات مع إسرائيل من أجل السلام؟ وهل هي صدفة أخري أن تضم اللجنة في دائرتها الثالثة أخلص دعاة التطبيع ونجومه الزاهرة د. عبدالمنعم سعيد، ود. اسامة الغزالي حرب، ود. وحيد عبدالمجيد وباقي الباقة المختارة؟«.
الجواب واضح من عنوانه.. وللمصريين ان يتأملوا المشهد.. ويوقنوا في نهايته ان كل الاحلام مؤجلة ».. الديمقراطية: كفاية مادة أو مادتين ويودع الباقي في الفريزر- الرخاء الاقتصادي.. حلم مرتبط بالبعد عن طريق الابقار المقدسة وتقديم كل الاعلاف المطلوبة لها«.. ويا أهل مصر المحروسة.. انتم ملوك الصبر.. وقد تعودتم! فصبر جميل!


في الهوجة

في مولد »سيدي الاستثمار« وقطيع ابقاره المقدسة يملأ الرحب من كل صوب هل يمكن ان يعلو صوت.. او ترتفع صرخة.. لتقول ان الاستثمار علي عيننا وراسنا وأنه لا يمكن لأحد أن ينكر ضرورة تشجيع الاستثمار وإزالة العوائق أمامه.. ولكن.
يا سادة يا كرام.. في مصر مشكلة تعليم تتفاقم كل يوم .. وقد تحولت ساحة التعليم في المدارس والجامعات الي فوضي مأساوية.. واختلطت الرسالة بالتجارة.. واستحالت الأهداف القومية الي سوق للنصب والاحتيال باسم نشر التعليم »الخاص« موازيا للتعليم العام وهادفاً إلي خدمة متميزة للقادرين.. وكل ما تخططونه لتنمية الاقتصاد ودعم الاستثمار سيضيع سدي إذا لم يسبقه حل جذري وخطة قومية شاملة لإصلاح التعليم.. أم ترانا في حاجة لترديد البديهيات عن التعليم الذي سيخلق الاجيال حاملة المسئولية في المستقبل؟. وان ما يحدث اليوم بسبب سياسة الاستثمار أولاً وقبل كل شيء سيحول المصريين الي شعب من شبيه بالفلبين او ماليزيا أو سنغافورة.. هؤلاء الذين تعتبرونهم مثلكم العليا.. وقد مسخت هويتهم.. وتحولوا إلي قرود تقفز وترقص من أجل المال.. ولم تستطع أي بلد منها أن تخرج عالماً له شأنه أو تربي كادراً علميا له قيمة! نحن يا سادة لا نريد ان نصبح قروداً تتقافز في حدائقكم.. وتنصحكم بعجين الفلاحة ونوم الاعزب!
الله الله في مصر.. وفي أولاد مصر.. ومستقبل مصر.. »فهل يسمع الصم الدعاء؟«


من يشتري من؟

تحتاج الرياضة وتحتاج النوادي للانفاق علي الفرق في الرياضة الجماعية »رياضة الفرق - قدم - سلة - يد - طائرة« وعلي الرياضات الفردية تمويلاً لا يكفي فيه إعانات الأجهزة الرسمية »وزارة شباب- وزارة شئون - إدارة محلية« وبالتالي فانها ترحب بمساهمات رجال المال والأعمال من هواة الرياضة.. وقد تداولت الأخبار كثيراً حكايات لاعب كرة القدم الذين يباعون ويشترون في سوق الاحتراف.. وكيف ان رجل الأعمال »الفلاني« ساهم في شراء اللاعب »العلاني«.. وقد كثرت الحكايات حتي تهامس الكثيرون بأن الأموال الطائلة التي يتكبدها رجال الأعمال المتطوعون ليست بعيدة عن شبهات غسل الأموال!.. ولكن هذا كما يقال ليس مربط الفرس .. فانه امر عبره إلي تسلل أصحاب الأموال ليسيطروا علي مقدرات نوادي أو اتحادات رياضية بأكملها ويتصرفون في هذا الصدد من منطلق »صاحب المال« الذي يشتري بفلوسه ما يريد.
حسنا إذا كان هذا مفيداً للعبة أو للنادي أو للاتحاد.. ولكن ان يتحول واحد من هؤلاء إلي طاغية يسيطر علي مقدرات الاتحاد الذي انتخبه »لعوامل معروفة« ويطيح بسمعة ومكانة بطل أوليمبي ورمز من رموز الرياضة المصرية فتلك مهزلة ومأساة في نفس الوقت.
ان ما حدث في اتحاد الفروسية مع الفارس »أندريا سكاكيني«.. وجرائم التشهير التي ارتكبت في حقه ووصلت إلي درجة اتهامه »بالخيانة العظمي« في خطاب رسمي.. هو أمر لا يمكن تخيله فضلاً عن امكان غفرانه أو التسامح فيه.. لمجرد ان بطل الفروسية الذي مثل مصر بشرف ومقدرة ردحاً طويلاً من الزمن.. وركب تحت علمها رافعاً رايتها.. عن له أن يساند مرشحاً لرئاسة اتحاد الفروسية ضد الرئيس الحالي!
العجيب انهم عايروا سكاكيني بأنه حصل علي الجنسية الايطالية مع المصرية.. يا سلام؟! هل نحصي لكم عدد رجال الأعمال الذين يحملون الجنسية المزدوجة؟ ولا الوزراء وأصحاب السياسات؟ .. إن أقل ما يمكن ان نعلق به علي هذه المهزلة جملة واحدة:
عيب.. اختشوا علي دمكم!