السبت: 08. 10. 2005

في دائرة مشاريع الفتن التي تستهدف لبنان في هذه المرحلة، ثمة من يسعى إلى فتنة وتفجير كبيرين يضعان الدولة اللبنانية في مواجهة المخيمات الفلسطينية، وفي صفوف الساعين أطراف عدة· منهم من يريد تطبيق القرار 1559 بكل بنوده، ويرى البداية في '' البند الفلسطيني'' لأن البند المتعلق بـ''حزب الله'' وسلاحه مؤجل الآن، تحت عنوان ضرورة الحوار الداخلي!! أما الحقيقة فهي أن أصحاب هذا الرأي يريدون سلاح ''حزب الله'' قبل السلاح الفلسطيني ربما، ولكن لأسباب تكتيكية سياسية تتعلق بظروف اللعبة السياسية الداخلية وحساباتهم ومصالحهم ومعركة الرئاسة المفتوحة، لا يريدون مشكلة مع ''حزب الله'' في هذا التوقيت بالذات· لكن في نظرهم ووفق توجهاتهم فإن المشكلة آتية في مرحلة لاحقة، خصوصاً إذا لم ينسجم موقف الحزب مع مواقفهم وطموحاتهم الرئاسية خاصة والسياسية عامة· بمعنى آخر يتصرفون مع الأمر وكأن الموقف من سلاح الحزب ورقة يمكن بيعها أو المناورة بها أو الاحتفاظ بها إلى حين، أو المساومة عليها حسب ما تقتضيه الظروف· وثمة أيضا من لديه موقف عنصري في الأساس من الفلسطينيين ووجودهم في لبنان الذي يعتبرونه سبب اندلاع الحرب الأهلية - وهذا غير صحيح لأن في ذلك نفياً للأسباب الداخلية والخلافات العميقة التي كانت سائدة بين اللبنانيين على أمور جوهرية وكثيرة - وبالتالي يريد هذا الفريق في أي وقت وبأي ثمن مواجهة الفلسطيني وتجريده من سلاحه وإخراجه من لبنان إذا أمكن·
وثمة فريق ثالث، وتحت عنوان رفض التوطين، يمارس الضغط والابتزاز ويدعو إلى إنهاء هذه ''المشكلة المستعصية'' والتخلص من الوجود الفلسطيني، وبالتالي يجمع هؤلاء كلهم على أنه ليست ثمة حاجة أو ضرورة أو مبرر لا للسلاح الفلسطيني ولا لوجود الفلسطينيين في المخيمات، ولا لعملهم في مهن معينة، ولا لتملكهم في وقت يستعد فيه لبنان لتوقيع اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تتيح لكل أبناء الأرض العمل على أرضهم أما من هو مقيم عليها منذ عقود من الزمن فهو ممنوع من ذلك!!
وفي المقابل، ثمة في الوسط الفلسطيني من تصرف في الفترة الأخيرة ويتصرف وكأن شيئاً لم يتغير في لبنان لا بعد عام 1982 - خروج منظمة التحرير من لبنان - ولا بعد عام 1993- توقيع الاتفاقية الإسرائيلية الفلسطينية وعودة ''أبو عمار'' ورفاقه إلى الداخل الفلسطيني - ولا بعد عام 2000 أي التحرير من الاحتلال الإسرائيلي في لبنان على يد مقاومة إسلامية لبنانية وبالتالي سقوط أي وهم أو إمكانية أو تصور أو حساب أو احتمال استخدام السلاح الفلسطيني انطلاقاً من لبنان لتحرير فلسطين، خصوصاً بعد صمود الانتفاضة في فلسطين وتحرير جزء من الأرض الفلسطينية· فكل مقاومة على أرضها هي الأقوى والأجدى والأكثر قدرة على تحقيق الإنجازات، وبالتالي ثمة في هذا الوسط من تصرف ويتصرف - حتى في إطار رد الفعل على بعض الممارسات اللبنانية الخاطئة بحق الفلسطينيين - بشيء من العبثية والفوضى لم يعد يحتملها لا الوضع الفلسطيني في لبنان ولا الوضع اللبناني ذاته· فإطلاق الصواريخ مثلاً من الجنوب أزعج أبناء الجنوب قبل غيرهم وذكرهم بأيام مرّة في حياتهم لا يريدون تكرارها، لا سيما وأنهم مدركون أن التحرير قد تم بدمائهم وجهادهم ونضالهم وليس بمثل هذه الأعمال بل بالمقاومة اللبنانية من أبناء الأرض الذين أعطوها كل ما لديهم· ومثل هذه التصرفات عرضت الواقع الفلسطيني إلى مخاطر·
الدولة اللبنانية قصّرت تجاه الفلسطينيين بعد الطائف· معيب الواقع الفلسطيني في المخيمات· معيبة المشاهد على مداخل بيروت مثلاً - وفي غيرها من المواقع - ولا يصدق أي زائر أنه في لبنان إذا ما دخل إلى المخيمات· ومعيبة القوانين العنصرية والمواقف العنصرية التي صدرت من قبل البعض والتي لا تؤدي كلها إلا إلى مزيد من الاحتقان· ومعيبة السياسة التي استخدمت من قبل بعض أجهزة ومؤسسات الدولة والتي أمسكت بالمخيمات وأمنها كورقة ابتزاز، تماماَ مثلما هو معيب تحويل المخيمات إلى بؤر أمنية وأوكار فساد ومخبأ لمنفذي عمليات - كما يقول البعض - وهي في الحقيقة تضم مواطنين شرفاء أصحاب كرامات وحقوق إنسانية بحدها الأدنى مهدورة !!
ليس لنا مصلحة في تفجير وانفجار أو صدام أو مواجهات· لا التسرع والانفعال والارتجال من قبل الدولة ينفع ولا تهديدات بعض الفلسطينيين لرموز وطنيين في الحكومة تنفع أيضا، ولا الاندفاع من قبل الدولة - غير المقصود أو المبرمج - لحسم هذه الإشكالية بالضغط في وقت تشتد فيه الضغوط الدولية علينا ينفع كذلك، ولا تحويل المواقع الفلسطينية إلى محميات أو أوراق في ألعاب سياسية غير لبنانية من قبل بعض الفلسطينيين ينفع· وحده الحوار والتفاهم هو الذي يوصل إلى الحل· الحوار أولاً داخل مجلس الوزراء الذي يجب أن يؤدي إلى تفاهم، وخطة عملية تتوفر لها الحماية السياسية الكاملة التي تتوفر بدورها من خلال توسيع الحوار مع القوى الأساسية في البلاد وحتى الموجودة خارج الحكومة· ثم حوار فلسطيني- فلسطيني وبالتالي حوار لبناني- فلسطيني ينطلق من الوقائع السياسية والميدانية على الأرض· وحسناً فعل رئيس الحكومة بإطلاق هذا الحوار ومن واجب كل القوى السياسية القادرة والفاعلة أن تساهم فيه من مواقعها المختلفة تجنباَ لانفجار كبير نحن في غنى عنه فكيف إذا كنا نعلم أن ثمة من يخطط له لإغراقنا في مزيد من الحروب الداخلية، وتوسيع دائرة الفوضى في البلاد وإضعافها!!