الخميس: 13. 10. 2005


إذا كان سلاح المنظمات في لبنان مخصصاً لمقاومة هجمات مباغتة قد تشنها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني هناك، كما تقول بعض الفصائل ويمكن أن يحدث فعلا، فمن المنطقي أن يكون وجوده في أراضي لبنان متفقا عليه مع الدولة اللبنانية، وأن يستخدم، في حالة حدثت عمليات مسلحة ضد هجوم يقوم به العدو، بالتعاون مع الجيش اللبناني. فالمقاومة من لبنان لا يمكن أن تنجح بغير شرعية: شرعية وجود عناصرها على أرضه بالاتفاق مع حكومته، وشرعية سلاحها هناك من خلال قبول الدولة اللبنانية به. بغير شرعية، تحيد المقاومة عن أهدافها، وتتحول إما إلى مقاومة ضد لبنان أو إلى عامل بلبلة واضطراب يزيد وضعه الداخلي اضطرابا وخطورة، مع أن مصلحة فلسطين والعرب تقتضي تهدئته، إذا كان صحيحا ما يقال حول ضرورة تغليب التناقض مع العدو على التناقضات الداخلية. وشرعية المقاومة تعني ببساطة شديدة التنسيق السياسي مع حكومة لبنان والتعاون الأمني مع جيشه.

ينطبق الشيء ذاته على السلاح خارج المخيمات، لأن الفصائل، التي تملكه وتنشره هناك، ستبقى عاجزة عن حماية نفسها بقواها الذاتية من العدو “الإسرائيلي”، ولن تستطيع الدفاع عنه، إذا بقي وجوده في لبنان خارج أي تنسيق أو تعاون مع جيشه، أو أدى وجودها غير الشرعي على أراضيه إلى استيلاء جيشه عليها بالقوة، أو إلى وقوفه على الحياد عند حدوث عمليات عسكرية “إسرائيلية” ضد القواعد العسكرية الفلسطينية، المنثورة في نقاط متباعدة بين البقاع والساحل والجنوب.

ثمة أمران يستحقان الاهتمام في مسألة سلاح المقاومة في لبنان، هما:

ان استراتيجية العمل الوطني الفلسطيني لم تعد قائمة على مقاتلة العدو من خارج الأرض الفلسطينية، مما يجعل تكديس السلاح في لبنان بلا جدوى، إن كان الهدف منه تحرير فلسطين أو حتى مقاتلة المحتل. لا تقاتل فتح العدو من أراضي لبنان أو سوريا أو الأردن أو مصر ولا تقوم باختطاف طائراته ولا تأسر سفنه ولا تستهدفه بعمليات فدائية في أوروبا وآسيا... الخ. ولا تقاتل حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية العدو من خارج الأرض الوطنية الفلسطينية، بينما لا يقاتله أحمد جبريل في أي مكان: سواء خارج فلسطين أم داخلها. لقد ذهبت تلك المرحلة من العمل الوطني، التي كان يقال فيها إن تحرير فلسطين يمر ببيروت أو دمشق أو عمان أو بغداد أو عدن... الخ، وحل محلها مرحلة نجحت منظمة التحرير خلالها في نقل قواتها وسلاحها إلى داخل الوطن، بفضل اتفاقية أوسلو، ونجحت كذلك، منذ عام 1993/،1994 في إدارة قتال يومي ضد الاحتلال ومن أجل الحقوق الوطنية والاستقلال والدولة. وقد اعتبر جنرالات “إسرائيليون” كثيرون هذا إنجازا فلسطينيا وأدانوا الطريقة التي قبلت بها قيادتهم دخول المقاتل الفلسطيني إلى الداخل “الإسرائيلي” باسم وهم سلام مثلته اتفاقية أعطت “الإسرائيليين” كلمات لا تسمن ولا تغني، وأعطت الفلسطينيين إمكانية خوض المعركة في بلدهم، وأمدتهم بالسلاح الضروري لذلك.

هذا التحول في استراتيجية العمل الوطني الفلسطيني، يجعل وجود سلاح فلسطيني في مخيمات لبنان عامة، وخارجها خاصة، أمرا يفتقر إلى وظيفة سياسية وأبعاد تحريرية، إلا إذا أراد أصحابه تجديد استراتيجية تحرير فلسطين من خارجها، بحجة أن الداخل فشل في تحقيقها، وأن طريق فلسطين يجب أن يمر من جديد ببيروت أو دمشق أو... الخ. في هذه الحالة، نكون أمام تطور من نوع خطير جدا على العرب، جملة وتفصيلا، من غير الجائز أن ينفرد فريق فلسطيني بتقريره، خاصة إن كان لم يقاتل إطلاقا داخل فلسطين، لأنه غير موجود أصلا فيها، ويريد الآن القتال من خارجها، لتحرير لبنان أولا.

ان السلاح الفلسطيني لا يجوز أن يكون جزءا من صراعات العرب وخلافاتهم، فكيف إذا تم نشره هناك في إطار هذه الخلافات. إذا كان سلاح بعض المنظمات سيكون جزءا من صراعات عربية، فإنه يكون من حق حكومة لبنان مصادرته أو تدميره أو منع دخوله إلى أراضيها، ومن حقها كذلك اتخاذ إجراءات مسبقة ورادعة ضد أصحابه، مع ما يمكن أن تلحقه من ضرر بالفلسطينيين عموما: في لبنان وخارجه. أما إذا كان أصحاب السلاح يريدونه هناك من أجل انتزاع ما يطالب الفلسطينيون به من حقوق سياسية ومدنية عادلة ومحقة، فهم في هذه الحالة على ضلال، لأن أحدا لا يحصل على حقوقه بالقوة من بلد يستضيفه، يقر حكامه بضرورة منح ضيوفهم هذه الحقوق، ولديهم من دعم المجتمع الدولي ما لا يسمح لضيوفهم بفرض مطالبهم عليهم بالقوة، إن هم وضعوها في إطار سياسات تريد ممارسة الضغوط عليهم، وإثارة قدر من التوتر في بلدهم يمكن تطويره عند الضرورة وتحويله إلى انقسام داخلي عنيف. في هذه الحالة، التي لن يكون السلاح فيها مكرسا للدفاع عن الفلسطينيين ولن يكون ضروريا من أجل إقناع حكومة لبنان بحقوقهم، سيتحول السلاح وأصحابه إلى وقود حرب أهلية لا مصلحة لهم أو للعرب فيها، ولن تخدم غير العدو “الإسرائيلي”.

ويبقى أن طريق الحقوق المدنية والسياسية صار في أيامنا مدنياً وسياسياً، وأن بلوغ حقوق فلسطينيي لبنان مستحيل بالسلاح وممكن بغيره: بوحدة الفلسطينيين الوطنية وعملهم السلمي والتوافقي، وباعتراف لبنان بحقوقهم كبشر وكضيوف، وبتفاهم تعاقدي بين السلطة الوطنية الفلسطينية، ممثل فلسطين السياسي المعترف به عربياً ودولياً، المخول بعقد اتفاقات باسمهم ولمصالحتهم، وبين حكومته الحالية. لن يحمي السلاح في الشرط الدولي والعربي والفلسطيني واللبناني الراهن، الفلسطينيين، بل سيقوض وجودهم اللبناني بالمعنى الحرفي للكلمة، خاصة إن واصلت بعض المنظمات الإساءة إلى عدالة وشرعية مطالبهم، بل وعدالة وشرعية القضية الفلسطينية عموما، عبر بقائها بعيدة عن معركة فلسطين، وانخراطها في معركة “منع لبنان من السقوط بين أيدي الإمبريالية الأمريكية”، كما قال أبو رجا، ممثل أحمد جبريل، عقب خروجه ووفد فلسطيني من مقابلة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة!