سمير عطا الله
رحم الله الرجلين، الملك حسين وياسر عرفات. لقد احرجهما تأييد صدام حسين في غزو الكويت، فراحا يطالبان بـ«الحل العربي». ولم يفصح أي منهما عن طبيعة او شكل مثل هذا الحل. فقد كان كل منهما من الذكاء والخبرة والمعرفة، بحيث يدركان انه اذا حضر العرب غاب الحل. وقد تحركت الجامعة العربية ومصر في قضية العراق، فحضر المؤتمر قبلهما: الطاولات والضرب عليها. واستنادا الى ما حدث في المؤتمرات السابقة، اخفى اصحاب الدعوة الصحون. وكل ما يمكن ان يستخدم كردود على مطالبة بحق او بكرامة.
بالاضافة الى روح السماح العربية وآدابها وتعابيرها، هناك الآن اخواننا الاكراد وليونتهم المعروفة، وهناك السادة الايرانيون وصراحتهم الفائقة الوضوح. لكن لا حل فوق الحل العربي: بالروح، بالدم. وقبل غزو الكويت مهَّد العراق بأغنية جميلة من مقام النهوند والوزن الوافر عنوانها: هللّي يا عروبة، باعتبار انها المغنى الاخير قبل الوصول الى القدس وانتهاء الاستراحة اللطيفة والعابرة في الكويت. وبعد الاغنية والدبكة، خرج السيد الرئيس بنفسه الى الشرفة واطلق الرصاص من بندقيته، معلنا ان حمائم السلام لن تحلق فقط في المنطقة بل سوف تغرد ايضا ترنيمة العودة من فلسطين المحررة: هللي يا عروبة! في حين يترك للشعب الميت ان يهتف: بالروح، بالدم، لان هذه اللحظة الوحيدة التي يسمح له فيها بالتعبير عن مطلبه الوحيد، وهو ان يولد ويعيش ويموت من اجل رجل واحد، اذا اطل، اهلت العروبة واكتمل بدرها وتحققت القفلة الاولى من نشيدها التاريخي: امجاد، يا عرب، امجاد.
انها، يا صاحبي، الوحدة العربية ومكوناتها. بغداد تستعيد الكويت. وليبيا تستعيد مصر، وعلم الجمهورية الصحراوية يرفرف في 80 درجة في الظل. والعلاقة المميزة بين سورية ولبنان تترجم الآن بترسيم الحدود، بعد ستة عقود على استقلال البلدين عن الاستعمار الفرنسي. ردّد معي: حرية ونار، لا استعباد ولا استعمار.
الحقيقة، انه من اجل ان يطمئن العربي الى مستقبله وخير امته، يجب ان يلقي نظرة شاملة (وفرحة) على الخريطة. الحل العربي لا يزال قائما. ومثاليا ايضا: اصوات هادئة تناقش المصائر وعقول كبرى وافئدة في وسع دجلة والفرات. وماذا يفعل النيل يا حافظ ابراهيم، في هذه الحال؟ مسكين النيل. ومسكين انت وشوقي ومعكما البارودي و«بلاد العرب اوطاني». لماذا مسكين النيل؟ لانه اذا صمت قيل انه متآمر مع الاميركان لا يريد حلا. واذا دعا المتقاتلين قيل انه متآمر مع الاميركان يريد ان يفضح الحوار العربي! وانا سعيد ومتفائل ومطمئن، لا اصغي الى شيء الا الى صدق الشارع العربي وهو يهتف: بالروح، بالدم. انه الشعب الذي لا تهل عروبته الا لرجل واحد.
التعليقات