...ملامحها علم مختلف وجوازات سفر
بريشتينا ndash; جميل روفائيل
يبدو اقليم كوسوفو لزائره، دولة ألبانية مستقلة، اذ على رغم انه رسمياً في المجالات الدولية لا يزال ضمن جمهورية صربيا، الا انه في الواقع لم يعد فيه من أثر لسمة صربية.
يتولى الموظفون الألبان فحص الجوازات والامور الجمركية في ممر (جنرال يانكوفيتش) الحدودي لكوسوفو مع مقدونيا، ولغة التفاهم معهم هي الالبانية والانكليزية، ويرفضون استخدام الصربية مع انهم يتكلمونها كأي صربي، ويتم الدخول الى كوسوفو بالنسبة الى حاملي جوازات الدول المجاورة (مقدونيا وألبانيا وصربيا) من دون تأشيرة، اما في ما عدا ذلك، فإن السماح بالدخول مرتبط بقناعة موظف فحص الجوازات، ويستثنى الصحافيون الذين يزودون ببطاقة خاصة، ينبغي اعادتها الى الممر للسماح بالمغادرة.
وتظهر على يمين الطريق العامة من حدود مقدونيا الى العاصمة بريشتينا (75 كلم) كنيستان صربيتان، احدهما في مدينة كاجانيك (20 كلم عن الحدود) والاخرى في غراتشانيتسا (8 كلم عن بريشتينا) تحرسهما وحدات من القوات الدولية (كفور)، في حين ان الكنيسة الوحيدة في بريشتينا التي بدأ بناؤها في 1998 ظلت مقتصرة على الهياكل (الاسمنتية) كما كانت حالها منذ وضع الاقليم تحت الاشراف الدولي، لكن الصليب الكبير ذا اللون الذهبي الذي جرى تثبيته على قبتها لا يزال في موضعه يتراءى من الشارع الرئيس للمدينة، وبحسب المعلومات ان المتشددين الألبان زرعوا متفجرات فيها مرات عدة، على رغم حراسة قوات (كفور) لها، لكنها لم تسبب تدميراً مؤثراً فيها.
وتخلو بريشتينا ايضاً من أي مسجد جديد، ونادراً ما يُشاهد خارجها في المدن والقرى، وذكر يحيى (وهو إمام لمسجد قديم) انه، لا توجد مساعدات مالية لبناء المساجد سواء من الحكومة (المحلية) او الاشراف الدولي، اما اهتمام منظمات الاغاثة العربية والدولية بانشاء المساجد فهو محدود جداً.
ويبرز لافتاً للنظر على امتداد الطريق من الحدود المقدونية الى بريشتينا، العدد الكبير من محطات تعبئة الوقود الحديثة التصميم والواسعة التي تجاورها المطاعم والفنادق والمحال التجارية لبيع المواد الغذائية والاجهزة المنزلية، وأوضح عامل فيها، انها تعود لقادة laquo;جيش تحرير كوسوفوraquo; السابق الذين هيمنوا عليها منذ انسحاب الصرب من الاقليم.
وتنتشر معارض بيع السيارات المستعملة ذات الاسعار الزهيدة على جانبي الطريق، وقيل لنا: إن اكثرها مسروق ومهرب الى كوسوفو من الدول المجاورة، حيث يُعتبر الاقليم مجالاً مريحاً للمهربين، اضافة الى سهولة تسجيل العربات فيه، خصوصاً ان (مهنة التهريب) هي وسيلة العيش الرئيسة في هذا الاقليم الذي يشكل العاطلون من العمل سبعين في المئة من سكانه القادرين على العمل، ما جعل اسواق بريشتينا الشعبية مكتظة بالمواد الاجنبية المهربة من سجائر وأدوات كهربائية وألبسة وصولاً الى الاسلحة.
أحد الشوارع الرئيسية في بريشتينا
ويصر الألبان على الاستقلال الكامل لكوسوفو، وقد رسخوا ذلك في كل المجالات، اذ ان علم دولة ألبانيا (المجاورة) ذي الارضية الحمراء ويتوسطها نسر اسود برأسين (الذي يعتبره الألبان رايتهم القومية) ينتشر مرفرفاً في الشوارع وفوق المباني، ويمكن ملاحظته ايضاً على مناضد الموظفين الألبانيين في المؤسسات الادارية العامة، ويُشاهد احياناً علم الولايات المتحدة الاميركية الى جانبه.
وأصبحت للإقليم ارقام خاصة للوحات العربات لا علاقة لها بصربيا، وكذلك الهواتف الارضية والجوالة فإن مراكزها في كوسوفو، كما تم تغيير تسميات الشوارع التي كانت صربية الى اسماء تاريخية ونضالية ألبانية.
ويسافر سكان كوسوفو الى الدول الاخرى بجوازات خاصة مدون على غلافها (ادارة الأمم المتحدة ndash; أومنيك) ويمكن لأي ألباني ان يحصل عليها بسهولة حتى وان لم يكن من سكان الاقليم، لأنها توزع على المؤسسات الشعبية الألبانية التي تضع صورة صاحب الجواز والمعلومات المطلوبة فيها، ثم تأخذها الى دائرة في الادارة الدولية التي تختمها وتوقعها من دون تدقيق. laquo;الحياةraquo; رصدت نحو ثلاثين جوازاً يعدها شخص في مؤسسة غير حكومية قبل أخذها الى الادارة الدولية لختمها، ومع ان هذه الجوازات تحمل اسم الامم المتحدة، الا انه لا يمكن السفر بها الى أي دولة من دون تأشيرة (فيزا) باستثناء الدول المجاورة (مقدونيا وألبانيا وصربيا).
وتكتب اسماء المؤسسات الدولية والمحلية والفنادق والمحلات، كبيرها وصغيرها، باللغتين الألبانية والانكليزية، اللتين هما اللغتان الرسميتان في كوسوفو، في حين ان العملة النقدية المستخدمة هي الاوروبية (اليورو).
وتركز المناهج لكل المراحل الدراسية على ان كوسوفو دولة مستقلة بعد كفاح طويل ضد الاحتلال الصربي، وعلى رغم ان هذا مخالف لطبيعة الاقليم الراهنة، لكن الادارة الدولية المشرفة تتغاضى عن ممارسات الألبان الاستقلالية حتى في المؤسسات الرسمية.
ويشكل انقطاع التيار الكهربائي لساعات عدة كل يوم، احدى المشكلات الرئيسة في انحاء كوسوفو، ويعترف المواطنون بأن السبب يعود الى ان غالبية السكان لا تدفع الاجور الكهربائية المستحقة عليها، ما جعل توسيع الشبكة غير ممكن، كما لا تتوافر الاموال اللازمة لدى الدائرة المسؤولة للحصول على الطاقة من الدول المجاورة.
وتعتبر أكشاك بيع الصحف والمجلات من المعالم البارزة في العاصمة بريشتينا، ومن اكثر الصحف اليومية رواجاً: (كوخاديتوري ndash; العصر الراهن) و (بوتاسوت ndash; العالم اليوم) و (ريلينديا ndash; النهضة) و (زيري ndash; الصوت) و (لامي ndash; الخبر)، ومن المجلات الاسبوعية والشهرية الشهيرة: (كوسوفاريا ndash; الكوسوفية) و (شكينديا ndash; الشعاع) و (فيالا ndash; الكلمة، وهي طالبية جامعية) و (تيووتا ndash; نسبة الى اسم ملكة ألبانية تاريخية، وهي تهتم بشؤون المرأة).
وتسعى المرأة الألبانية في كوسوفو الى مجاراة الاوروبيات في مظهرها وزيّها، ولذا من النادر جداً ملاحظة امرأة محجبة في شوارع بريشتينا، والحقيقة انني لم أر إلا واحدة، وعندما سألت صديقاً ألبانياً كان يرافقني، قال: laquo;أرجح انها ليست من سكان كوسوفوraquo;.
وتشكل الالغام الارضية والقنابل غير المتفجرة من بقايا الحرب مع الجيش الصربي، خطراً دائماً في انحاء كوسوفو، وأفادنا المسؤول في هيئة ازالة الالغام التابعة للادارة الدولية بايرام كراسنيجي، ان الارقام الرسمية المسجلة تشير الى اصابة 519 شخصاً بين قتيل ومعوق ومشوه بسبب الالغام والقنابل غير المتفجرة، غالبيتهم من المناطق الريفية، حيث ان معظم حقول الالغام زُرعت بصورة عشوائية ولا توجد خرائط لها لأماكن تنظيفها، كما ان من الصعب الكشف عن القنابل غير المتفجرة التي تكسوها الاتربة والحشائش.
وتنتشر القوات الدولية بكثافة في الطرق الخارجية وشوارع المدن والاحياء السكنية، وتقوم بحملات تفتيش واسعة في محاولة لانهاء العنف اليومي الذي يشهده الاقليم.
وتعتبر قاعدة (بوند ستيل) الاميركية معلماً شهيراً في كوسوفو، اذ تبدأ من الاطراف الشرقية لمدينة اوروشيفاتس (30 كلم جنوب بريشتينا على الطريق الرئيسة الى مقدونيا) وهي ارض شاسعة محاطة بأسلاك شائكة ونقاط مراقبة، تمتد ndash; بحسب المعلومات ndash; على مساحة اكثر من 300 هيكتار، وفيها نحو ستة آلاف جندي، ويشار الى انها القاعدة الاميركية الاكبر من نوعها في اوروبا، وقال عامل في مطعم في اوروشيفاتس: اننا لا نعرف شيئاً عمّا هو موجود في داخلها فكل الامور فيها من الاسرار العسكرية، وأضاف: laquo;انها كانت سجناً لكل من يعتقل في كوسوفو، لكنه منذ اكثر من عام تم افراغها من المعتقلين المحليين، وبحسب الاحاديث المتداولة، فقد جرى تحويلها الى سجن لأشخاص يجلبون اليها من دول اخرى.














التعليقات