داود الشريان

بعد ترؤوسه لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل العالمية يوم السبت الماضي سئل ولي العهد السعودي ووزير الدفاع والطيران الامير سلطان بن عبدالعزيز عن قيادة المرأة للسيارة فقال: laquo;هذا شيء يخص الآباء والأزواج والإخوان ولا علاقة للحكومة به، متى طلب الآباء والأزواج والإخوان أن تقود المرأة السيارة سننظر في ذلك، وإذا ما طلبوا العكس فلن نجبرهمraquo;. بعض الصحف العربية فسر تصريح الامير سلطان كاشارة الى أمكان السماح للنساء بقيادة السيارات، وقرأ التصريح كأنه تلويح بقرب اغلاق هذا الملف، والسماح للنساء السعوديات بالجلوس خلف موقود السيارات. لكن المتأمل للتصريح يستطيع ان يدرك بسهولة ان هدف الامير من هذا التصريح هو اعلان ان قيادة النساء للسيارات قضية اجتماعية، وأن المجتمع وحده يقرر قبول هذا السلوك او رفضه.

ولا شك ان تصريح الامير وضع الكرة في مرمى المجتمع، اذ قال بوضوح لا يقبل الجدل، ان قيادة النساء للسيارات مسؤولية الناس وليست مسؤولية الحكومة، لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن هنا هو: كيف يمكن تحقيق كلام الامير، وقوله laquo;حين يطلب منا الآباء والازواج والاخوان ان تقود المرأة ننظر في ذلكraquo;؟ هل ان تصريحه دعوة للراغبين بالتعبير عن رغبتهم وتقديم طلبات للحصول على رخص لقيادة السيارة لزوجاتهم وبناتهم كما فسره بعضهم؟ ام ان هذا التصريح مقدمة للتعامل مع موضوع قيادة المرأة للسيارة على طريقة تعليم البنات، اي ان الحكومة ستبدأ قريباً في اتاحتها للنساء الراغبات، وعدم اجبار الرافضين، وترك امرهم للوقت لتغيير قناعاتهم، كما حدث مع تعليم البنات الذي واجه رفضاً حاداً من بعض فئات المجتمع في البداية. ومع الوقت اصبح الرافضون يخجلون من وصفهم بذلك، وتحولت القضية برمتها الى جزء من تاريخ تعليم الفتاة في السعودية، وصارات حكايتها مجالاً للتسلية والتندر في المجالس؟

كلام الامير سلطان بن عبدالعزيز لا يحتمل تلميحات او تفسيرات، فهو اولاً يأتي في سياق ابعاد الصفة السياسية عن هذه القضية التي ضخمت وسيّست على مدى سنوات، وصارت وسيلة للنيل من النظام السياسي في السعودية والنظام منها براء، وثانياً ان ولي العهد قال بوضوح ان laquo;لاعلاقة للحكومة بهذه القضيةraquo;، واخراجه للحكومة من مسؤولية هذا القرار يقتضي بالضرورة عدم دعم هذا الاتجاه او ذاك، او التدخل بأي شكل كان، فضلاً عن ان قيادة المرأة للسيارة ليست قضية حيوية ومصيرية تستوجب تدخلاً حاسماً كما حدث مع تعليم البنات اذ اضطرت الحكومة وقتها الى فتح مدارس بالقوة، ووضعت حراسة امنية حولها لفترات طويلة في بعض المناطق.

الامير سلطان بن عبدالعزيز اراد ان يقول ان قيادة النساء للسيارات هي قضية رأي عام، واذا رجحت كفة المطالبين بالسماح فستسمح الحكومة. والعكس صحيح. لكن لان هذه القضية سيّست منذ وقت بعيد بات من الصعب اقناع الآخرين، أي غير السعوديين، بأن ثمة تياراً عريضاً في السعودية لا يزال يرفض ان تقود النساء السيارات، واصبح من الصعب اقناع هؤلاء بأن التقاش حول قيادة المرأة للسيارة تدور رحاه ولم ينته بعد. ولهذا جاء كلام الامير دقيقاً في وصف الحالة، او لنقل ان الامير سلطان عبر عن حال المجتمع في هذه القضية، فهو لم يشأ ان يدخل في التفاصيل، وقال بوضوح يدركه المراقب المحايد، ان النقاش لا يزال مستمراً، وانه لم يطرأ جديد على ما كان يعرفه صانع القرار، ولهذا يمكن القول ان تصريح الامير ليس دعوة او تلميحاً لامكان السماح لقيادة النساء للسيارات بقدر ما هو دعوة الى مزيد من الحوار في هذه القضية، وتفهم وضع المجتمع، وحساسية موقع الحكومة منها.

بقيت الاشارة الى ان تصريح الامير سلطان اكد من جديد ان الحكومة لن تفرض وجهة نظرها، او وجهة نظر فئة من افراد المجتمع في هذه القضية. وهذه التهمة جرى تداولها بعيد الجدل الذي واكب اقتراح احد اعضاء مجلس االشورى مناقشة هذه القضية تحت قبة المجلس، فقيل وقتها انه جاء بدعم من الحكومة، وان الحكومة تريد ان تفرض هذه القضية فأوعزت لبعض اعضاء مجلس الشورى بتبني القضية. لكن تصريح الامير سلطان يشير بوضوح الى ان الحكومة لا تزال عند موقفها القديم من هذه القضية، وهو تركها لحركة المجتمع وقناعات الناس. لكن هل ستسلم الحكومة من اتهام بعض الاطراف لها بأنها وراء منع النساء من قيادة النساء للسيارات، وكذلك واتهام اطراف اخرى داخل المجتمع بأنها تدفع باتجاه فرض قيادة المرأة للسيارة؟