القاهرة ـ من جاكلين زاهر:
شن عدد من أساتذة القانون ورجال القضاء المصريين، هجوما مكثفا وعنيفا على ما أسموه تدخل السلطة التنفيذية في أوضاع القضاء، الأمر الذي نتج عنه إهدار استقلاليته، وحذروا من تعرض القضاة حاليا للمصير نفسه الذي شهده القضاة في عام 1969 في ما عرف وقتها باسم «مذبحة القضاة» والتي أطيح فيها بعدد منهم خارج السلك، بينما كان الخطاب الرسمي حينذاك يتحدث عن ضرورة التغيير والإصلاح بعد هزيمة يونيو 1967.
وأرجع القضاة تخوفهم وحذرهم إلى ما اتخذوه اخيراً من قرارات برفض الاشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة من دون تحقيق لمطالبهم، من حيث تحقيق الإشراف القضائي الكامل على كل مراحل العملية الانتخابية، من دون تدخل من السلطة التنفيذية والتي تؤجل ـ حسب ادعاء بعضهم ـ مناقشة البرلمان لقانون استقلال القضاء حتى نهاية الدورة الحالية له تمهيدا لتأجيله إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
وحذر نائب رئيس محكمة النقض المستشار محمود مكي، من تكرار سيناريو «مذبحة القضاة» والتي استخدمت فيها أساليب عنيفة لإرهاب القضاة، مشيرا إلى أن «المذبحة الجديدة ستكون عن طريق اختراق الصفوف والدفع بعروض الترغيب وزيادة القدرة المادية للقضاة».
وطالب في الندوة التي أقامها مركز القاهرة لدراسة حقوق الإنسان بعنوان «أيهما يسبق الآخر مذبحة القضاة أم مذبحة الانتخابات»، أول من أمس، بضرورة الفصل بين السلطة التنفيذية وباقي السلطات بخاصة بعد زيادة نفوذها وسيطرتها بدرجة كبيرة على باقي السلطات.
بينما حذر نائب رئيس محكمة النقض المستشار هشام البسطويسي، من عدم وجود أمل في إجراء انتخابات سليمة ونزيهة لعدم تحقيق الاستقلال القضائي الكامل، متهما الأجهزة المعنية بعدم الرغبة في إخراج قانون استقلال القضاء الموضوع بالأدراج منذ ما يقرب من 14 عاما.
أما رئيس نادي قضاة الإسكندرية نائب رئيس محكمة النقض المستشار محمود الخضيري، فانتقد تكرار حالات عدم احترام سيادة القانون، بدليل تقارير محكمة النقض الخاصة بالطعون الانتخابية والتي لا تنفذها وزارة الداخلية بشأن أحقية البعض في الترشيح للانتخابات، معتبرا أن «تكرار حالات عدم احترام سيادة القانون في كل القضايا سيؤدي إلى هروب المستثمرين من مصر مستقبلاً»، داعيا كل القوى في المجتمع الى الوقوف خلف مطالب القضاة التي أعلنوها في مؤتمرهم الأخير في مايو الماضي.
واعتبر نائب رئيس محكمة النقض المستشار أحمد مكي، أن «مصر تعاني نقصا في تحقيق مفهوم الدولة الدستوري وتآكل في مؤسساتها ما أعاق هذه المؤسسات من أداء دورها في المجتمع، مرجعا ذلك لسياسة الدولة في تمزيق هذه المؤسسات وفي مقدمها المؤسسات القضائية ومحاولة تفتيتها»، مشيرا إلى أن «القوانين في الدول الديموقراطية تصدر لتعبر عن طموحات وإرادة الشعب، أما في مصر فتأتي مخيبة لآمال المخاطبين بأحكامها»,
وانتقد مكي ما أسماه, بـ «تغول» السلطة التنفيذية والتي تباشره من خلال سلسلة من الأوامر والنواهي والشخصانية ومن دون أي محاولة للتشاور والحوار كما تقتضي القواعد القانونية.
من جانبه، هاجم شيخ القضاة المستشار يحيى الرفاعي، دور وزير العدل، في ما اعتبره إهدارا لاستقلال القضاء من خلال تحكمه ماليا وإداريا في القضاة عن طريق التحكم المنفرد في موازنة القضاء وإرهابه للقضاة عن طريق ما يعرف بالتفتيش القضائي، مطالبا بضرورة تحقيق الاستقلال المادي والمعنوي لهؤلاء القضاة، وحتى لا يكون وزير الداخلية هو المشرف الوحيد على كل الانتخابات كما كان في السابق,
كما انتقد أستاذ القانون الدستوري محمد سليم العوا، وزير العدل، والذي يجمع في يده 58 اختصاصا في ما يتعلق بأوضاع رجال القضاء والنيابة والتي تتعلق بأدق التفاصيل كمنح الإجازات والمكافآت وغير ذلك، مؤكدا عدم اتفاق قانون السلطة القضائية الحالي مع تاريخ المؤسسة القضائية، داعيا المجتمع المدني بكل منظماته إلى التحرك عبر المؤتمرات والندوات إلى الدفع في اتجاه إقرار قانون جديد للسلطة القضائية يضمن استقلال القضاء بعيدا عن الغوغائية والتظاهر عند المطالبة بهذا المطلب الجاد والحقيقي للمجتمع المصري.
أما الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبد الفتاح، فانتقد قيام الدولة بـ «أقلمة» الأنظمة القانونية التي تمت استعارتها من الخارج، مرجعا حالة التوتر والنزاع بين نظام الحكم والجماعة القضائية إلى الطبيعة التسلطية والطابع الشمولي لنظام الحكم والأخذ بالقوانين الاستثنائية وفي مقدمها قانون الطوارئ، اضافة الى اقحام القضاء في موضوعات ذات طبيعة سياسية وقضايا لا تحتاج سوى قرار سياسي كأوضاع ووسائل الفصل في شؤون الأحزاب السياسية ولوجود جهات القضاء الاستثنائي الموازي للسلطة القضائية مثل محكمة الأحزاب ونظام المدعي الاشتراكي وهو ما اعتبره دليلا واضحاً على عدم استقلال السلطة القضائية.














التعليقات