لكي لا أجرح كرامته، أصبحت أجري «مسابقات» وهمية كثيرة، مرة «بمناسبة ذكرى افتتاح المحل»، ومرة «لزيادة كمية العجين في المخبز»، وبدأت ألاحظ أرامل وطلبة وعمالاً باليومية، يأتون للمخبز للحصول على الخبز المجاني. وفي يوم جاءت سيدة ورأتني وأنا أعطي «الهدية الوهمية» لطالب، فوضعت مبلغاً من المال على الطاولة، وقالت: عم أحمد، أنا أريد المساهمة في مسابقة الزبون رقم 100، وهذه مشاركتي، وأرجوك أن تعطي بثمنها خبزاً لأي «محتاج»، فقررت وضع سبورة صغيرة على باب المحل وكتبت عليها: «يوجد اليوم 50 رغيفاً مدفوعة الثمن لمن يطلبها قبل غيره. كبر المشروع مع الوقت، وأصبح البعض يشتري عشرة أرغفة، ويتبرع بمثلها للفقراء، ويطلب وضع العدد على السبورة، وشارك حتى الأطفال والعمال في التبرع لمشروع «خبز السبورة»، فتحول المخبز رمزاً لعمل الخير، مع حفظ كرامة المحتاج.
القصة برمتها «كومة من الكلام الفارغ»، ونقلت بتصرف من قصة مماثلة قرأتها قبل أكثر من عشر سنوات عن مقهى يقع في مدينة البندقية، أو«فينيسيا»، يقوم صاحبه بالفعل «الخيري» نفسه، وكتبت مقالاً عن تلك «الفكرة الإنسانية الرائعة». وعند أول زيارة لتلك المدينة، في ضيافة صديق بندقي جميل، كان زوجاً لسيدة كويتية رائعة، قبل أن يتوفى، طلبت منه أن يأخذني لذلك المقهى «الإنساني»، فضحك ملء شدقيه، وقال: هذه كذبة قديمة، فنحن، الفينيقيين، نشتهر بأمرين: حبنا للتجارة وعشقنا للتقتير، أو الحرص على المال، وربما أوحت لشكسبير بشخصية «شايلوك»، في رائعته «تاجر البندقية» The Merchant of Venice، وبالتالي، فإن فكرة القهوة المجانية، المدونة على الحائط، ليست من طباعنا، ولا من أخلاقنا.. عرفت حينها أنني «أكلت مقلباً» طريفاً!
النصيحة الذهبية: لا تصدقوا 92.5% مما تقرأونه على النت.
أحمد الصراف













التعليقات