طهران – من مصطفى اللباد:


في شمال طهران، يقع منزل ومكتب شيرين عبادي، اول امرأة مسلمة تحصل على جائزة نوبل للسلام. تبدو المرأة الضئيلة، التي تستقبلك على عجل عند باب مكتبها، مختلفة عن تلك الصورة التي نقلتها وسائل الاعلام عند تسلمها للجائزة عام 2003، هي امرأة لا تبتسم الا نادرا، مبقية مسافة ما مع محدثها، قد تكون هي المسافة التي تحميها من اي خطأ قد تقع فيه يكلفها ضغوطا حكومية اضافية. فهذه السيدة تحسب جيدا ما تريد قوله. هي لا تفهم سوى الفارسية وتاليا لا مجال للقائها من دون مترجم رسمي. تجلس على طرف الكرسي وراء مكتبها وكأنها تستعد للانقضاض على محدثها، اذا ما فاجأها بسؤال يزعجها، فعيناها الثاقبتان لا تفارقان عينيه. والمحامية التي جردتها الثورة من منصب قاضي محكمة طهران، تكرس معظم وقتها لقضايا حقوق النساء والاطفال في ايران، وهو ما ساهم في حصولها على الجائزة الدولية الاهم. هي ترفض اعتبار حصولها على جائزة نوبل للسلام نتيجة اعتبارات سياسية تبغي الضغط على ايران.

ترفض الاجابة عن بعض الاسئلة، وتراوغ في اخرى،ـ وعلى رغم ذلك، فان الحوار مع شيرين عبادي له مذاق خاص، ليس فقط بسبب النظرة الحادة التي ترمقك بها والعزم الكبير الساكن في جسمها الصغير والثقة الزائدة التي تتحدث بها، بل ايضا لكونها محسوبة على المعارضة الايرانية، على رغم نفيها ذلك في الحوار لاعتبارات تتعلق بوضعها القانوني في ايران. وهنا نص الحوار:

ما هو تقويمك للانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران، ومن في رأيك سيفوز في الدورة الثانية؟

- ليس لي رأي خاص او محدد في من سيفوز في دورة الاعادة، بما انني لم اشارك في الانتخابات. يجب ان يوجه هذا السؤال الى الذين شاركوا فيها.

على كل حال لك تقويم.

- ما دام هناك فرز للمرشحين على يد مجلس خاص (مجلس الرقابة على الدستور) او شخص محدد (المرشد الاعلى للجمهورية) فإنني، الى حين الوصول الى الحرية الكاملة من دون وصاية شخص او مجلس، لن اشارك في الانتخابات. وانا لست عضوا في اي حزب او معارضة، وهذا رأيي الشخصي ولا انتظر من احد ان يقلدني. ولكل شخص الحرية في المشاركة او المقاطعة.

هل تخطو ايران في رأيك نحو مزيد من الحريات والديموقراطية؟

- انا لا يمكن ان اتنبأ بالمستقبل. دعني اتحدث عما جرى في السنوات الثلاث الاخيرة، ليكون الجواب ادق واعمق، لان المستقبل هو تخمين والكلام عن الماضي تحليل علمي.

في السنوات الثلاث الاخيرة، جرت انتخابات البرلمان السابع ومنع الكثيرون من الترشح بمن فيهم 85 نائبا في البرلمان السادس ومن دون اي دليل. لماذا؟ لأنهم انتقدوا المحافظين. وفي انتخابات رئاسة الجمهورية لم يسمح للبعض بالترشح ومنعت النساء من ذلك. وكل ذلك لا يطابق المعايير العالمية. وضع حقوق الانسان في ايران ليس جيدا تماما.

كيف تقوّمين الديموقراطية في ايران مقارنة بالديموقراطية في المنطقة؟

-- الديموقراطية في ايران بالمقارنة مع الدول المجاورة تقدمت قليلا، لكنها تقهقرت بالنسبة الى دول اخرى غير المجاورة. الديموقراطية هي ثقافة تتجلى وتنعكس في القوانين وادارة الدولة ومعيار ما يريده الشعب هو الاساس. ففي بعض الاحيان يعيش الشعب في حال ديكتاتورية ولا يعرف مميزات الديموقراطية، فيكون راضيا عن الدولة. وفي دولة اخرى نصف ديموقراطية، وهي حال افضل من الديكتاتورية، يكون الشعب غير راض عن الدولة. في كل الاحوال ارادة الشعب هي مقياس الديموقراطية، وانا أقبل ذلك. فالديموقراطية الموجودة في ايران افضل منها في الدول المجاورة. والشعب الايراني يريد حريات أكثر من الآخرين، لكن قدر الحريات الموجود في ايران حاليا لا يستجيب لمطالب الشعب. لذلك يجب ان تتقدم الديموقراطية في ايران.

الضغوط الاميركية

كيف تنظرين الى الضغوط الاميركية على ايران؟

-- عندما يكون هناك خطر من الخارج يهدد أي بلد، فان ذلك يستخدم ذريعة للضغط على الاحرار. وكل من ينتقد الدولة يدمغ بالعمالة للخارج، وعلى هذا الأساس، أنا لا أوافق على الهجوم الاميركي المحتمل على ايران، ولا اوافق حتى على مجرد تهديد ايران. قلت تكرارا ان وضع الديموقراطية في ايران غير مناسب، ولكن تحسين هذا الوضع يخص الايرانيين وحدهم.

كيف تقومين الوضع في الشرق الاوسط؟

-- بعد انهيار النظام السوفياتي لا يزال الشرق الاوسط، ويا للأسف، في حال فوضى وحروب ومنازعات داخلية. والسبب في نظري ان اكثر الاحتياطات النفطية موجودة في هذه المنطقة. وهذه الاحتياطات تعتبر الشريان الاساسي لتكنولوجيا الغرب. لقد كان صدام حسين ديكتاتورا ولا يشك احد في ذلك، كما ان كل العراقيين فرحوا بسقوطه. ولكن هل صدام حسين الديكتاتور الوحيد في العالم؟ لماذا هاجمت اميركا هذا الديكتاتور وتركت آخرين. السبب ان العراق يملك احتياطات نفطية كبيرة. فالقصة تتعلق اساسا بالنفط وليس بالحرية او الديموقراطية. اكثر من مئة الف شخص اعزل قتلوا وجميع المتاحف سرقت، الم يكن من الممكن ان نخطو هذه الخطوة بأقل من هذه التكاليف الباهظة؟ اعتقد ان ذلك كان يمكن ان يحدث، لو سقط صدام بايدي العراقيين وليس بيد الجيش الاميركي.

ما هو تقويمك للنظام الدولي بعد 11 ايلول والى اين يتجه العالم؟

-- ان الفقراء، ويا للأسف، زادوا فقرا في النظام العالمي الجديد والاغنياء ازدادوا غنى. يجب الحد من الفقر. وعندما تصير هناك عدالة اجتماعية وقضائية، يمكن ان نتحدث عن نظام دولي. فالنظام الحالي ليس نظاما دوليا بل هو استغلال دولي.

أنت اول امرأة مسلمة تفوز بجائزة نوبل للسلام. كيف تنظرين الى وضع المرأة في ايران والشرق الاوسط والعالم؟

- تعاني المرأة في العالم الاسلامي، ويا للاسف، تمييزاً اذ ليست لها حقوق كالرجل. ويتفاوت حجم هذا التمييز بين دوله. ففي بعض البلدان كالسعودية لا يحق للمرأة المشاركة حتى في المجالس البلدية والانتخابات طبعاً. وفي بلدان اخرى وضع النساء احسن كما هو الحال في بنغلادش وماليزيا وباكستان حيث يمكن المرأة الوصول الى منصب رئيس الجمهورية والوزراء. كما يسمح في بعض البلدان الاسلامية بتعدد الزوجات، بينما يمنع في بلدان اخرى. اجمالاً يمكن القول ان وضع النساء في العالم الاسلامي بالمقارنة مع العالم الغربي ليس جيداً.

ما سبب ذلك؟ هل هو الاسلام الذي يميز بين المرأة والرجل، ام الموروثات الثقافية في العالم الاسلامي؟

- في اعتقادي ليس الاسلام هو الذي يظلم المرأة، بل هو يعطيها قيمة خاصة. وفي الزمن الذي كانت فيه المرأة في اوروبا لا تعطى اي حقوق، اعطى الاسلام المرأة حقوقاً كثيرة منها حق التملك. وهناك قول مأثور عن الرسول (صلعم): "لا يهين المرأة الا اللئيم ولا يكرمها الا الكريم". وكما تحدث القرآن الكريم عن المؤمنين، فقد تحدث عن المؤمنات. السؤال المطروح هنا لماذا وضع المرأة في العالم الاسلامي ليس جيداً؟ العلة تكمن في ان الثقافة السائدة في البلدان الاسلامية هي ثقافة ذكورية. هذه الثقافة تفسر الدين بحسب مصلحتها. واعطيت مثلاً على ذلك. في ايران قانون يقول بأن ديّة المرأة هي نصف ديّة الرجل. واذا قتل رجل امرأة فأهل الدم الذين يريدون ان يأخذوا القصاص عليهم ان يدفعوا نصف الديّة للرجل القاتل حتى يمكن ان يقتصوا منه. هذا شيء عجيب. هل يمكن ان يكون ذلك سليماً؟! هل منشأ هذا الاسلام؟ طبعاً لا. انه التفسير الخاطىء للاسلام والمستند الى الثقافة الذكورية. وهناك في ايران عالم دين هو آية الله صانعي أفتى بخلاف ذلك وقال ان "ديّة الرجل والمرأة سيان في الاسلام وكل ما يتفرع عن غير ذلك فهو باطل".

ومثل آخر، بعد قيام الثورة في ايران، منعت المرأة من ان تكون قاضية وأجبرت النساء القاضيات على تبديل عملهن الى عمل اداري في ديوان القضاء. لكنني وجميع الاحرار لم نتقبل هذا القرار. كتبنا ونظمنا حلقات بحث، وبعد ثلاث عشرة سنة منحت السلطة القضائية للنساء الحق في ان يصرن قاضيات. وحالياً لدينا نساء قاضيات في ايران، وهذا يعني ان التفسير الصحيح للاسلام يمكن ان يؤدي الى اقرار حقوق النساء. ولو ذهبت الى الموقع الخاص بآية الله صانعي على الانترنت، لوجدت حكماً مميزاً مفاده ان النساء يمكن ان يصرن حتى ولياً فقيهاً. اذاً، المسألة هي في تفسير الاسلام، والذي يعمل ضد المرأة هو التفسير الذكوري للاسلام. ومع التفسير الصحيح يمكن ان تسترد المرأة حقوقها. اذاً، نحن نحتاج الى تفسير يراعي مقتضبات الزمان والمكان. ولا تفيد التفسيرات المأخوذة قبل 600 سنة في الوقت الحاضر، إذ ان المشكلات المعاصرة يجب ان تحل بتفسيرات معاصرة. ولا يمكن ان يرى العالم الآن بمنظار القدماء.

البعض يقول ان الجائزة التي حصلت عليها كانت سياسية. ما رأيك في ذلك؟

-- اسأل اللجنة التي منحتني الجائزة.

هل أعطتك جائزة نوبل مميزات داخل ايران؟ وهل بات صوتك مسموعاً أكثر خارجها؟

-- جائزة نوبل أعطتني مميزات خارج ايران، أما في ايران فلم يتغير شيء. وعندما أعلن فوزي بالجائزة، لم يذكر الراديو والتلفزيون الايراني الذي تديره الدولة أي شيء عن الموضوع. حتى ان وسائل الاعلام الايرانية أذاعت الخبر بعد يوم كامل من اعلان الجائزة. وقد أذاعته قناة تلفزيونية في الساعة الحادية عشرة ليلاً بعدما نام الناس. ولكن في الخارج كان الامر مختلفاً وسمحوا لي بنقل آرائي وبصوت عال.

يقال ان الايرانيين لم يعرفوك قبل الجائزة، فهل عرفوك بعدها؟

-- إسأل الناس عن ذلك. لكني أقول ان الايرانيين كانوا يعرفونني وعندما رجعت الى ايران بعد تسلم الجائزة، كان هناك مليون شخص في استقبالي!

كيف غيرت الثورة الاسلامية في ايران حياتك؟

-- اضطررت الى ترك عملي الذي أحب في سلك القضاء، وتغيرت بعض القوانين الى الأسوأ، وتم التمييز ضدي في بعض الاحيان. لكن هذا الوضع هداني الى العمل في مجال حقوق الانسان.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

-- ما فعلته في السابق سيستمر ولن يتغير الطريق الذي اخترته لنفسي. ستتركز نشاطاتي على قضايا حقوق الانسان كما في السابق.