الشهداء في حدقات العيون

من داخل زنزانتي في فلسطين المحتلة، أتقدّم بخالص التعزية من عائلة القائد الوطني الكبير جورج حاوي وجميع رفاقه ومحبيه وإلى الشعب اللبناني، وإنني من خلال هذه المناسبة الكبيرة، أودّ إعادة التأكيد على بعض المواقف التي منعت الرقابة الإسرائيلية، نشرها في المقابلات الصحافية التي أُجريت مؤخراً معنا، وأبرزها الآتي:
أولاً: أهمية استنفار كل الشباب
المقاوم، وأخصّ بالذكر رفاق الشهيد جورج حاوي، من أجل ديمومة المقاومة في لبنان ومن أجل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة والأسرى في سجون الاحتلال. وهنا لا بدّ من التأكيد أن قبضات وإرادة المقاومين قادرة على حماية المقاومة وخصوصاً أننا نشهد اليوم نجاحاً كبيراً للمعسكر المعادي في تحقيق الأهداف السياسية للعدو الصهيوني في لبنان منذ العام 1982.
ثانياً: لا بدّ من النضال في مواجهة التيارات المزدوجة المواقف، والتي تتشدّق من جهة في دعوتها إلى حماية المقاومة، ومن جهة أخرى تواصل حملاتها المفرطة والعشوائية ضد سوريا، بعد أن خرجت من لبنان. إن هذا الهجوم المتواصل على سوريا لا يمكن إلا أن يصبّ في خانة تشديد الخناق على هذا البلد العربي الصامد من اجل إسقاطه، في محاولة لتقطيع سلسلة الصمود أمام الهجمة الأميركية الصهيونية على المنطقة خصوصاً بعد الإخفاقات الأميركية في العراق.
ثالثاً: إنني إذ أندّد باستمرار التعرّض لسوريا أؤكد أن مَن يحمي المقاومة أيضاً هي العلاقة الصادقة والصحيحة والإستراتيجية مع سوريا، وليست خارطة التحالفات الداخلية الغريبة العجيبة. وقادم الأيام سيثبت أن هذه التحالفات مجرّد هروب للأمام وأوهام لن تصمد أمام لحظة الحقيقة.
رابعاً: في ما يتعلق بالأسرى وتحريرهم، إنني أرى أن دور الدولة اللبنانية هو دور سياسي وأخلاقي في إثارة هذا الموضوع أمام كل المحافل الدولية، لكن قناعاتي أن ذلك لن يحرر الأسرى وتبقى أهميته معنوية فقط.
خامساً: إن أحد اسوأ عناوين هذه المرحلة في لبنان، رغبة البعض في إعادة العملاء اللحدين والعفو عنهم رغم كل الجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق وطننا وشعبنا، ناهيك عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق أبناء الشعب الفلسطيني عندما ساهموا في مساعدة قوات الاحتلال خلال مواجهتها للانتفاضة الباسلة.
وفي الوقت الذي يجري تحريك ملف إعادة العملاء والعفو عنهم، تترك عائلتي تحت الضغط النفسي رهينة وعود لا تترجم على أرض الواقع. وقد تحوّلت الأشهر الثلاثة التي وعدت أن أتحرّر خلالها إلى سنوات وسنوات لا تنتهي. إن هناك الكثير الكثير ما يجب قوله حول هذا الموضوع، ولماذا لم أتحرر في عملية التبادل؟ ولماذا تمت الموافقة الضمنية سابقاً على ربط مصيري بعد 26 عاماً في الأسر بمصير الطيار الصهيوني المفقود رون أراد؟ لكنني سأمتنع عن الدخول في أي تفاصيل في هذه القضية كما فعلت سابقا في أصعب اللحظات؛ لأن المرحلة حرجة وتتطلّب أن أبقى مترفعاً متحملاً الجروح العميقة التي أصابتني وما زالت تنزف.
إنني أدعوكم إلى التصدي لمحاولات إعادة هؤلاء العملاء الجبناء والعفو عنهم مهما كان الثمن.
في هذه المناسبة، أدعو الشعب الفلسطيني إلى الحفاظ على وحدته الوطنية وبندقية مقاومته التي يجب أن توجّه فقط إلى صدور أعدائه. إن الوحدة الوطنية والبندقية هي الضمان الوحيد لاستمرار نضال الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه الوطنية.
وفي هذه المناسبة أيضاً، أشير إلى أنه خلال التحضير للمقابلات الصحافية التي أُجريت معي، سعى العدو وبكل إمكانياته، من أجل إعلان ندمي على العملية التي نفّذتها قبل 27 عاما، مقابل وعود تتعلّق بحريتي، لكن موقفي كما سمعتموه جميعاً كان واضحاً. وأعود لأكرر أن خياري واحد وهو المقاومة حتى النهاية ولا يمكن أن أقبل يوماً بالتنازل لهذا العدو مقابل حريتي حتى لو أمضيت 27 عاماً إضافية.
أخيراً كونوا مطمئنين أن دماء شهدائنا الأبرار، وفي مقدمتهم الشهيد جورج حاوي، مصانة في حدقات العيون.

نص الرسالة التي بعثها سمير القنطار من قسم العزل الجماعي في سجن هداريم في فلسطين المحتلة إلى رفاق وعائلة ومحبي جورج حاوي لمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاده.