الإثنين: 19. 09. 2005

يبدو لي، أن سلوك دول العالم الرابع كما ينعتها سمير أمين، التي حضرت القمة العالمية في البيت الزجاجي في نيويورك 14 16سبتمبر/ايلول، التي تزامنت مع النتائج الكارثية لإعصار كاترينا الذي يصلح شاهدا على مدى العبث بالطبيعة من قبل هواة الغولف الأمريكي، الذين من شأنهم أن يكتبوا لنا نهاية الإنسان ونهاية التاريخ كما كتب فرنسيس فوكاياما في كتابه الأخير “نهاية الإنسان”، أشبه بطنطنات زنبور يقف على اللوح الزجاج الخارجي، لا يسمعه احد ولا يعير اهتمام أحد، وبخاصة، في هذا الزمن حيث الكلمة للأسياد وليس للدول الضعيفة المتروكة للقدر التاريخي ولمزاجية ذئاب العالم الجديد، تنهشها أو تأتي عليها. فعلى مدى ستين عاما، أي منذ تأسيس المنظمة الدولية، ظلت هذه المنظمة عرضة للتآكل والخروقات من قبل هواة الغولف، فلم تستطع كبح شهوة هواة الغولف في اجتياح العالم، وبخاصة في منطقتنا العربية.

ففي الوقت الذي تراجع فيه الاستعمار من جميع أنحاء العالم، ابتليت المنطقة العربية باستعمار استيطاني صهيوني، ظلت المنظمة الدولية، باستمرار عاجزة أمامه، وباستثناء بعض الحالات النادرة المتعلقة بالظروف الإنسانية للفلسطينيين، ظلت المنظمة الدولية عاجزة عن تطبيق قراراتها بشأن العدوان “الإسرائيلي” المستمر على الفلسطينيين واحتلالها لأراضي الدول العربية المجاورة، وخير مثال على ذلك هما القراران الدوليان (242) و(383) المتعلقان بانسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية المحتلة، فقد ضربت بهما “إسرائيل” عرض الحائط كما بغيرهما، وفي محاولة من الأمم المتحدة لحفظ ماء وجهها، قيل ساعتها، ان القرارين غير ملزمين ل “إسرائيل”، فقراراتها ليست ملزمة إلا إذا تعلق الأمر بالعرب، لا بل ان الأمم المتحدة في دورتها الحالية لم تنبس ببنت شفة عن الاحتلال وهي تستمع الى خطاب شارون الذي خاطبها بلغة عبرية ثقيلة مؤكدا على أهمية جدار الفصل العنصري وعلى القدس كعاصمة موحدة ل “إسرائيل” والى الأبد.

الى جانب الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، جاءنا الاحتلال الأمريكي للعراق الذي بدت الأمم المتحدة تجاهه عاجزة، تسعى الى لملمة شظاياها التي بعثرها المحافظون الجدد، الذين لم يعودوا يؤمنون لا بالأمم المتحدة التي تصوروها كعائق في وجه فتوحاتهم الكونية، ولا باستقلالية دول العالم الرابع المنذورة بدورها لمزيد من التشظي في إطار نظرية

الفوضى الخلاقة.

يدرك العرب والكثير من دول العالم الرابع، أنهم يحضرون الى الأمم المتحدة كشهود زور، وقد سبق لكثير من هذه الدول، كما يشهد احتلال العراق، أن لعبت دور شهود الزور، أو يحضرون كتكملة عدد أو كجزء من الأجندة الأمريكية في حربها على الإرهاب، لذلك ليس غريبا أن تتقدم الدول العربية بمشروع لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، دون أن يقفوا على تعريف الإرهاب أو حق الشعوب بالمقاومة، فكل مقاومة للمشروع الأمريكي، هي ضرب من الإرهاب الذي يجب إدانته، والسكوت في المقابل عن إرهاب الدولة العظمى الذي تكتوي به دول العالم الرابع والمنظمة الدولية المنذورة للإصلاح على الطريقة الأمريكية.

إذ تتحدث التقارير عن أن جون بولتون السفير الأمريكي في الأمم المتحدة وأحد أكثر المحافظين الجدد خبثا، حمل في جعبته أكثر من750 تعديلاً على الوثيقة التي أعدها رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الغابوني جان بنيج .ويدرك أبناء العالم الرابع أن التنمية تعبير ضبابي، وان محاربة الفقر لم تثمر حتى الآن عن نتائج ملحوظة، وان الأمراض المستعصية تفتك بآلاف الفقراء في العالم، وأن تهديد الطبيعة لا يأتي منهم، بل من الدول الصناعية التي اصمّت أذنيها عن الكثير من الثقوب التي أحدثتها في الطبيعة وأولها ثقب الأوزون الذي تتسع مساحته أكثر من أي وقت مضى، وان الكوارث الطبيعية هي من نتاج سلوك الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا التي تسعى لان تجر العالم عنوة الى الحرب على الإرهاب، في حين أن سلوكها تجاه الطبيعة يشبه سلوك نبتة “النينوفر” التي تضاعف حجمها كل يوم والتي تهدد بالقضاء على كل أشكال الحياة المائية في البحيرة.

نعم، كلنا في اليوم التاسع والعشرين، فماذا نفعل، وماذا يفيدنا هذا الاحتفال البروتوكولي في البيت الزجاجي في نيويورك الذي اختتم دورته بنتائج هزيلة والذي يريد لنا أن نحضر كشهود زور أكثر منا شهود حق - وهنا تكمن أهمية الحضور- من شأنهم أن يشيروا الى أصل الداء ومكمن البلاء في العالم؟