يوسف القعيد


عندما يقرأ القاريء هذا الكلام. ربما يكون التعديل الوزاري المصري قد تم. وربما ما يزال يتلكأ في دروب لا نعرفها. لكن إتمامه من عدمه لا يتناقض مع قصة التلكؤ الأولي. لم تعرف مصر هذه الفوضي في أي تعديل وزاري من قبل. وأتمني ألا تعرفها مستقبلاً. بعد إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة. وفوز مبارك بولاية جديدة. في الثامن من سبتمبر الماضي. كان من المفترض أن تقدم الحكومة استقالتها. وبعد قبولها يتقرر استمرارها أو تكليف رئيس وزراء جديد. لكن مصر كانت في انتظار الانتخابات البرلمانية. لذلك رُئي استمرار الحكومة في أعمالها لمدة شهرين من 9/9/،2005 وعلي الرغم من أن رئيس الوزراء أعلن في حينه أنه يضع استقالة الحكومة بين يدي الرئيس ليتصرف فيها. إلا أنه لم يجر أمران كان لابد من حدوثهما: أن مجلس الوزراء لم يجتمع اجتماعه الأخير الذي يصاغ فيه عادة خطاب الاستقالة. ومعه بيان بالإنجازات التي أنجزتها الحكومة. والثاني أن يقدم رئيس الوزراء خطاب استقالته لرئيس الجمهورية. هذا لم يحدث. والذي حدث أنه صدر قرار بالمد للحكومة لمدة شهرين. انتهت في التاسع من نوفمبر الماضي. أي قبل حوالي شهرين من الآن. في نهايات ديسمبر استقبل الرئيس حسني مبارك الدكتور أحمد نظيف وقيل في القاهرة أن المقابلة لا أهمية لها. ولكن لوحظ بعد اللقاء أن نظيف بدأ يلتقي بشخصيات عامة سراً. صحيح أن اللقاءات كانت تتم في القرية الذكية. التي تقع بين نقطة تفتيش أول الطريق الصحراوي مصر اسكندرية. وبين محلات كارفور. فرع الطريق الصحراوي. ومع هذا تسربت الأخبار إلي الصحف. مما جعلهم يطلبون من أحمد نظيف تلقي السير الذاتية علي بريده الإلكتروني الخاص. وكأنها من الأسرار العليا للدولة. وأن من يذهبون إليه لابد أن يستخدموا سياراتهم الخاصة لأن سيارات الوظائف والحراسات والسكرتارية ملفتة للأنظار. خرج علينا الدكتور مجدي راضي المتحدث باسم مجلس الوزراء ليقول أن الدكتور نظيف لم يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة. ورد عليه في نفس اليوم تقريباً السفير سليمان عواد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة قائلا إن الذي يؤكد هذا الكلام - أي التكليف بتشكيل الحكومة من عدمه - هو الدكتور نظيف نفسه. بعد هذه المجادلة بين المتحدثين الرسميين. جاءت المفاجأة مساء الثلاثاء الماضي. ذهب الدكتور زكريا عزمي إلي الدكتور نظيف وسلمه خطاب التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة. ويبدو أنهم نسوا استقالة الحكومة التي لم تقدم. وبدأ نظيف بعدها منتعشاً وداعب الصحفيين لأول مرة. وبعد دقائق من تسلمه الخطاب بدأ فوراً في استقبال المرشحين لدخول الوزارة. التلفزيون صور والإذاعة سجلت والصحافة التقطت الصور وأخذت التصريحات. وكتبت الصحف أن الخميس التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي. هو موعد حلف الوزارة اليمين. وبدلاً من أن تحلف الوزارة اليمين إذ بالقاهرة تعرف أن الرئيس مبارك لديه تحفظات شخصية علي ثمانية من الوزراء الجدد. الذين قابلهم نظيف فعلاً. وخرج المتحدث باسم مجلس الوزراء ليقول أغرب تصريح يمكن أن يقال. وهو أن مقابلات الدكتور نظيف ليست مشاورات وزارية. وأن كل الذين يقابلهم ليس معني المقابلات أنهم أصبحوا وزراء. ولا علاقة بين المقابلات وبين التوزير أو الاستوزار. مع أنه من المعروف أنه عند إجراء أي تعديل وزاري. هناك وزراء المجموعة السيادية: الدفاع. الداخلية. العدل والإعلام. يحددهم الرئيس بنفسه. وباقي الوزراء يعرض رئيس الوزراء علي الرئيس ثلاثة أسماء مرشحة لكل منصب وزاري. والرئيس يختار بنفسه. وبعد اختيار الرئيس النهائي يقابل رئيس الوزراء من وقع الاختيار عليهم. ويكتفي دوره عادة بإبلاغ الوزراء رسائل من الرئيس تدور عادة حول أسباب اختيارهم. قابل نظيف الوزراء كلهم يوم الأربعاء الثامن والعشرين من أكتوبر. وقيل يومها أن التشكيل الوزاري تأخر يوماً كاملاً بسبب إصرار بعض الأطراف - أو طرف لا أستطيع كتابة اسمه - علي إبعاد كمال الشاذلي. وعدم رغبة الرئيس ذلك ثم ظهر ظل جماعة الإخوان عندما قيل أن هناك وزيرين في الوزارة السابقة كانوا من جماعة الإخوان. الأول هو عصام شرف وزير النقل. وقد أبعد من التشكيل الأول. مع أنه كان أكثر وزراء النقل إنسانية - مع العاملين فيها - منذ إنشاء الوزارة. وهو الوحيد الذي خفض أسعار تذاكر السكة الحديد والأتوبيسات لأول مرة منذ ستينيات القرن الماضي. قيل أيضاً أن بعض رجال الأعمال الذين اختارهم نظيف عليهم ديون كبيرة للبنوك. ولكن العقدة كانت حول وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد جمال الدين موسي. فقد كان أول وزير يستقبله نظيف بعد تكليفه من الرئيس رسمياً. وهو ونظيف زميلان في لجنة السياسات. وخرج جمال الدين من رئاسة الوزراء إلي وزارة التربية والتعليم واستقبل بالزغاريد والزفة الكبري. وحتي قبل أن يحلف اليمين بدأ العمل فوراً. مثل غيره من الوزراء الذين بدأوا في ممارسة أعمالهم من مكاتبهم القديمة وقبل الانتقال إلي مقار وزاراتهم. وسمعت أنه لابد من تغيير جمال موسي. الذي استقبله نظيف للمرة الثانية واعتذر له عن المقابلة الأولي. وقيل أنه يمت بصلة قرابة لجماعة الإخوان. وفعلاً فإن أحمد جمال الدين ابن خالة جمال حشمت مرشح الإخوان في دمنهور. وإن كان لم يره سوي مرة واحدة في حياته. وأن عائلة حشمت تركت المنصورة منذ خمسين عاماً مضت. وهل يمكن محاسبة إنسان بسبب ابن خالته أحمد جمال الدين ترك القاهرة إلي المنصورة. وبدأت رحلة البحث عن وزير للتعليم. أيضاً فإن وزير الزراعة أمين أباظة شقيق محمود أباظة زعيم المعارضة البرلمانية في مجلس الشعب. لقد قابل أحمد نظيف خمسين مصرياً ليختار منهم ثلاثين فقط. وكل هذا يحدث والناس تضرب كفاً بكف وتتساءل: هل تستحق مصر منهم كل هذه الإهانات .


كاتب وروائي مصري