ذاكرة المستقبل
جمعة اللامي


ldquo;إن هذا الثراء في العوامل والأسباب، هو سر ما يتميز به عالم الأحياء من جمال ساحرrdquo;

(إرنست ماير عالم بيولوجي)

كثيرون سألوا غيرهم وتساءلوا مع أنفسهم: ldquo;ما هي الحياة؟rdquo;.

والأكثر من هؤلاء، الأكثر بما لا يمكن احصاؤه، لم يجدوا جواباً كافياً، ومقنعاً، ومفهوماً لذلك السؤال، حتى وهم يتساءلون عن الوجه الآخر لrdquo;الحياةrdquo;: الموت.

مَنْ منا إذا ما دخل (في) النوم، يعرف أنه سيعود (إلى) الحياة؟ إذا افترضنا أن (اليقظة) من بعد (النوم) هي الحياة!

أمس، استسلمت لنوم غير هادئ، وحين استيقظت، كان الهدوء من حولي، آسراً وجميلاً وعميقاً ويكاد يصرخ بي: ldquo;أنا الحياةrdquo;: لكنْ هل النوم موت مؤجل؟

قبل سبع عشرة سنة، أقتيد صديقي ldquo;عزيز السيد جاسمrdquo;، إلى أحد سجون العراق. كنت انتظر أن أراه ذات يوم، لأسأله عن جملته القصيرة البليغة عندما أطلق سراحه من سجنه الأول: ldquo;منعوني من رؤيتهrdquo;.

ماذا كان هذا الشهيد يريد أن يرى في تلك اللحظة؟ ولماذا ألف ldquo;فيدور دستويفيسكيrdquo; روايته الضخمة: ldquo;الجريمة والعقابrdquo;، وجعل ldquo;راسكولينكوفrdquo; يقتل تلك العجوز المرابية، بتلك السكين غير العمياء، ثم ينشئ تلك المحاورة الراقية بين ldquo;راسكولينكوفrdquo; والمحقق، حول القتل والموت والعدالة؟

ولماذا وقف جدنا الأول، الإنسان الأول، مبهوتاً، أو غير مكترث، أو من دون أن يعرف شيئاً، وهو يرى طائراً ينفق أمامه، أو جبلاً يسقط من علٍ، أو بحراً يجف فجأة؟

وماذا قال الآلاف من البشر لأنفسهم، وهم بين أجنحة ldquo;تسوناميrdquo;، أو داخل أروقة الزلازل في آسيا؟

وكيف تَقَبل ldquo;أصحاب الأخدودrdquo; مشهد حرقهم أحياءً، وهم قعود على النار، بينما الملك اليهودي القاتل يتوهم أنه يستل منهم حيواتهم ليضيفها إلى عمره؟

ولماذا قربت كليوباترا الأفعى إلى صدرها لتلدغها حتى الموت؟ ولماذا لفّ صديقي الطالب الثانوي ldquo;عبدالحسين مناتيrdquo; الإزار حول جسده، بعدما رطبه بالبترول وأشعل النار في الإزار وفي جسده في معتقل ldquo;خلف السدةrdquo; سنة 1960؟

وَهَبْ أنك عرفت أجوبة هذه الاسئلة كلها، فهل عرفت معنى قول الإمام علي بن أبي طالب: ldquo;فُزْت وَرَبّ الكعبةrdquo;، عندما غدر به عبدالرحمن بن ملجم المرادي؟

كيف يفوز باللذات من كان جسوراً في الحياة، كما يقول الشاعر؟ وكيف يكون رجل هو الفوز ذاته، حين يُنْحر بسيف غدر، أو يذوب بأشدّ أنواع الحِمض فتكاً؟

تلك هي بعض اسئلة الحياة. بل هي أسئلة طائشة على حافات أسئلة أخرى عن الحياة ومعناها، وعن الموت وحقيقته. وهي اسئلة وجد كثيرون أجوبة لها، ولم يجد غير هؤلاء أي أجوبة لها.

لكن الذي يمكن أن يغامر فيه إنسان، قوله: إن الحياة جديرة بأن تعاش، عندما نكون أحراراً، ولكن.. هل جربنا حياة الحرية؟

[email protected]