جورج حداد

قبل أيام... يعقد مجلس المطارنة الموارنة في لبنان اجتماعه الشهري ويصدر بيانا سياسيا لا يخلو من شدة اللهجة، يحدد فيه ما يجب على وزراء الحكومة ان يقوموا أو... لا يقوموا به من اجراءات وتصرفات وقرارات لا تخرج، بالطبع، عن اطار اجتهادات المجلس ومعاييره الطائفية!!.
وفي اليوم نفسه، يجتمع اعضاء المجلس الشيعي الأعلى ويرد على بيان مجلس المطارنة وما ورد فيه من انتقاد لوزراء حزب الله وأمل بسبب امتناعهم عن حضور جلسات مجلس الوزراء!.
وصاحب ذلك ان وليد جنبلاط حاول استغلال تحالفه مع سعد الحريري وكتلته النيابية، لاصدار قانون يعيد، بموجبه، حق تنظيم مشيخة العقل، وهي المرجع الروحي للموحدين الدروز، بحيث تصبح هذه المشيخة صالحة للاستغلال والاستخدام في معارك جنبلاط ضد منافسيه وخصومه السياسيين من دروز ازبكيين وغيرهم!. وعندما يرفع مشروع القانون هذا الى رئيس الجمهورية لحود، يرفض توقيعه لأن من شأن ذلك لو تم ان يساهم في تجزئة الطائفة ويرفع الشرعية عن مشيخة العقل القائمة وشيخ العقل الحالي الذي لا يحبه جنبلاط!!.
هذا في لبنان أما في العراق، فان النهج الطائفي والمراجع الطائفية والمحاصصات المذهبية أخذت في فرض نفسها ومقاييسها على شؤون المجتمع وأوضاعه الداخلية والخارجية. ففي شأن الانتخابات وتشكيل الوزارات، لا يبرز إلاّ الحديث عن أحزاب الشيعة وأحزاب السنة، فضلاً عن الأحزاب الكردية والمسيحية والتركمانية واليزيدية...الخ. أما الاحزاب العلمانية اللاطائفية الرافضة للمنطق الطائفي والمؤمنة بوحدة العراق والعراقيين، شعباً ووطناً، مثل كتلة الدكتور صالح المطلق، فتكاد تضيع في هذه الزحمة، وهذا التمزق والضياع الذي هبط على العراق بأجنحة raquo;التحريرlaquo; وبركات raquo;الحرية والديمقراطيةlaquo; الأميركية - البريطانية!!.
وفي دول الخليج... أخذ الحديث يتصاعد عن النسب المئوية لاتباع الطوائف السنية والشيعية من أهل البلاد وسكانها. بل ان الأمر تجاوز ذلك، الى نشوء أحزاب مذهبية خاصة بذريعة raquo;... الدفاع عن حقوق الطائفة المهضومة ومصالحها المهددةlaquo;!!.
وفي مصر المحروسة، تقوم الدنيا ولا تقعد، إذا تزوجت قبطية مسلماً، أو... العكس. ولا تجد مثل هذه (الكارثة!) من حلّ إلاّ إذا تدخل شيخ الأزهر والبابا ورئيس الجمهورية وأركان الحكومة وأجهزة الأمن!!.
وفي الحقيقة... إن المشكلة الطائفية في مصر تحتاج الى ما هو أكثر من التخدير المؤقت للتعامل معها، خاصة... بعد أن صار لها امتدادات خارجية، وقعت أو يمكن أن تقع في أيدي الأعداء والطامعين المتربصين من الجهات وذوي الارادات والنيات التي لا تريد لمصر والمصريين إلاّ الشر والهوان والضعف!!.
وتحضرني هنا الواقعة الطريفة التي حدثت في وزارة الوفد سنة 1928 في مصر. آنذاك... كان ينطلق من ميدان العباسية حالياً، المحمل النبوي متجهاً للسعودية. ومن التقليد الذي كان قائماً وقتها، أن يمسك عقود الجمل أقدم لواء بالجيش المصري ويسلّمه الى أمير الحج. وصدف أن كان أقدم لواء، حينها، مسيحياً هو اللواء نجيب مليكه. فخرجت صحيفة (الأحرار الدستوريين!) تهاجم النحاس باشا والوفد. لأنه يسمح لمسيحي أن يمسك بمقود جمل المحمل ليسلمه الى أمير الحج. وكادت، لذلك، أن تقع فتنة طائفية وشهدت البلاد حملة تطالب بأن يسند النحاس المهمة للواء مسلم، فرفض بشدة. وعلى طريقته الساخرة، سأل النحاس الوزراء من حوله، وكان القلق قد انتابهم:
raquo;... الله... هو فيه جمل مسلم وجمل مسيحي؟!laquo;!.
مئات المرّات قلنا ونبهنا وحذّرنا بأن الطائفية في بلادنا، لم تعد ظاهرة تخلف وانحطاط فحسب، بل انتقلت لتصبح سلاحاً فتاكاً بيد الارادات الأجنبية ذات المصلحة في تمزيق المجتمع وهدر قواه واضعافه واستعباده. وفي (هزة غربال) الخميس الماضي قلت:
raquo;لا الاستعماريون ولا اليهود اخترعوا الطائفية في بلادنا، وانما ادركوا وجودها وعرفوا فوائد تكريسها وتوظيفها لخدمة أهدافهم ومشاريعهم التقسيمية. لهذا.. عمدوا ويعمدون الى تغذيتها ومدّها بأسباب الانتعاش والترسيخlaquo;!!.