تركي بن عبد الله السديري


أكرر استمزاج تلك العبارة التي قالها لي مهندس سويدي كان جاراً لي في شمال المربع زمن الطفرة الأولى..

قال: أنت محظوظ بمتعة متابعة المتغير الحضاري.. الاجتماعي.. الاقتصادي.. كل جديد إيجابي يفاجئكم هو أيضاً ميلاد جديد لعلاقتكم بالمدنية العلمية التي تقفز بالإنسان إلى أكثر من رؤية ممتعة.. بل يكفي أن تكون متغيرة ومختلفة عن نمطية معتادة قبلها..

ميادين ستوكهولم وشوارعها الرئيسية الواسعة يعرفها أجدادنا قبلنا.. مناسبات البهجة السنوية أيضاً.. أنتم تفاجأون كل بضع سنوات بتغيير أنماط قديمة فيتجدد ما ترونه في عيونكم وما تسيرون عليه بأقدامكم.. ربما تتمنون يوماً غائماً في ربيع عامكم أما نحن فنسافر لكي نبقى ساعات أو أياماً مع الشمس عند غيرنا..

وقتها شعرت أن الرجل يوشك أن يقول عن الإنسان الأوروبي شمالاً بأنه بلغ أوج التكامل الحضاري ليصبح الجديد لديه هو فقط ما تقدمه معامل العلوم ومختبراتها.. أما نحن فبعد أن عرفنا الحذاء والإسفلت والمدرسة والبلاط في زمن البدايات فإننا الآن نقفز نحو مرحلة تنموية أخرى أكثر تقدماً..

كانت مظاهر انتشار زراعة القمح وتعدد المستشفيات وسفلتة الطرق بين المدن والمناطق أهم شواهد تؤكد التحرك نحو واقع حضاري جديد.. يكاد يلامس الرجل بدقة غريبة حالة الذهول والإعجاب معاً التي نرى بها الطرق من تحول الشوارع الضيقة إلى أخرى واسعة.. مصب نهايات الشوارع كقاع البئر يتحول إلى ميدان فسيح على جوانبه البنايات الشامخة وتحتها مختلف تخصصات المبيعات.. عرض المواد الغذائية لم يعد يخص laquo;بقالةraquo; صغيرة ولكن أصبحنا نعرف معنى كلمة laquo;سوبر ماركتraquo; وlaquo;مولraquo; وlaquo;بيزنس سنترraquo; وانتشرنا في العواصم السياحية بعد أن أصبحنا نملك النقود لكي نقضي الإجازات في الخارج..

إذاً ماذا سيقول اليوم ذلك المهندس السويدي الفاضل لو شاهد كيف أصبحت مواقع البيع بمختلف مسمياتها أكبر مما هي عليه في أي دولة أخرى بما في ذلك بعض الدول الأوروبية.. وأن سفرنا للخارج لم يعد لقضاء الإجازات حيث تجاوزت نقودنا حد صرفنا اليومي إلى حدود استثمارنا في بلادنا وفي الدول الأخرى.. وأن المستشفى الذي توسع كي يعالج فيه المريض السعودي توسع أكثر وأكثر لكي تجرى به عمليات الفصل السيامي وليكون في آخر أكبر مركز لعلاج مرض العصر.. السرطان..

كيف خرجت الجامعة الدراسية من الانكفاء على قراءة كتاب تراث لكي يقرأ التلاميذ جديد العلوم وكيف تضاعفت أعداد المبتعثين.. كيف لو قرأ خطة التنمية الثامنة لاشك سوف يلاحظ أن البلد الذي جعل الله له خاصية بترولية قد تفهم جيداً خصوصيته الاقتصادية فاتجه بالخطة نحو توسيع القدرات التقنية والعلمية ومواقع إنتاجها.. ولغة الأرقام بالمليارات هي التي تبشر بازدهار مدينة الملك عبدالله الصناعية في زمالة مع مدن صناعية اقتصادية انطلقت مهمات انتشارها..