عماد الدين حسين
ما هو الهدف الأوكراني من وراء تنفيذ عملية اغتيال الجنرال، إيغور كيريلوف، قائد القوات الإشعاعية والكيماوية في الجيش الروسي؟ هل تريد كييف ومعها أوروبا، والحزب الديمقراطي الأمريكي تحسين شروطها التفاوضية؟ أم المزيد من التصعيد لإرباك خطط الرئيس القادم للبيت الأبيض، دونالد ترامب، بالبحث عن حل سياسي للأزمة؟
أم إحراج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد الضربة المؤلمة التي تلقاها بسقوط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، ونهاية النفوذ الروسي في سوريا، وربما في الشرق الأوسط؟ وهل ستدخل الحرب الأوكرانية حقبة جديدة عنوانها «حرب الاغتيالات»؟
أجهزة الأمن الأوكرانية أعلنت مسؤوليتها عن الاغتيال، الذي تم يوم الثلاثاء 17 ديسمبر في شارع ريازانسكي بروسكت على بعد 7 كيلو مترات من مقر الكرملين في موسكو.
وطبقاً لوكالات إنفاذ القانون الروسية فإن المتهم الذي نفذ عملية الاغتيال هو مواطن أوزبكي يدعى أحمد قربانوف، قام بزرع عبوة ناسفة في دراجة كهربائية (سكوتر) عند مدخل المبنى السكنى مقابل 100 ألف دولار، وترتيب إقامة دائمة في إحدى الدول الأوروبية.
مبدئياً، أوكرانيا تريد تحرير كل أرضها المحتلة، وبما أن موازين القوة شديدة الاختلال لصالح روسيا فإن كييف تحاول تحسين وتعديل هذا الخلل، مستعينة في ذلك بالمساعدات الأمريكية والغربية، التي تريد استنزاف روسيا بكل الطرق.
في الشهور الأخيرة حصلت أوكرانيا على أسلحة متطورة مثل طائرات إف 16، وصواريخ أتاكامز، ودبابات ليوبارد، ما مكنها من تعديل أدائها، بل واحتلال منطقة في إقليم كورسك الروسي، وشن العديد من الهجمات بالمسيرات على أهداف حيوية داخل روسيا نفسها.
حينما نحاول فهم دوافع وأسباب عملية الاغتيال سنكتشف أولاً أنها تمثل اختراقاً أمنياً كبيراً، رغم أن روسيا تقلل من أثرها، وتراها تعبر عن يأس وإفلاس أوكراني خصوصاً بعد الضربات الروسية النوعية الأخيرة، وتدمير العديد من البنية التحتية الأوكرانية، واستعادة معظم الأراضي، التي استولت عليها أوكرانيا في إقليم كورسك.
كثير من الخبراء يقولون إن المفتاح الرئيسي لفهم السر الكامن وراء عملية الاغتيال هو دونالد ترامب، الذي يصرح دائماً بأنه سيوقف الحرب.
أوكرانيا تسعى بكل الطرق إلى تغيير معادلة الحرب بوسائل غير تقليدية، وتعزيز أوراقها في أي مفاوضات محتملة في المستقبل القريب، وربما إجبارها على القبول بما لا ترضاه، إضافة إلى محاولة استنزاف موسكو سياسياً وأمنياً، وإظهارها بمظهر العاجز خصوصاً بعد الضربة الاستراتيجية الأخيرة لروسيا في الشرق الأوسط بعد سقوط النظام في سوريا.
التقديرات أن جناح الصقور في كييف والدول الغربية الداعمة لها يريد تخريب أي جهود للحلول السياسية، اعتقاداً أنها ستكون لصالح موسكو، بسبب اختلال الميزان العسكري، أو على الأقل الحصول على مكاسب ميدانية، تعزز من وضعها في المفاوضات.
هم يراهنون على استفزاز روسيا، والرئيس بوتين، ودفعه لاتخاذ خطوات عسكرية انتقامية، وبالتالي تأجيج الأوضاع وتخريب جهود ترامب.
وفي هذا الصدد يلفت النظر ما قاله نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف، إنه حان الوقت لتوجيه رسالة قوية إلى النخب الأوكرانية المسؤولة عن التصعيد، بدلاً من الاكتفاء بتوجيه ضربات للبنية التحتية فقط، لكن الجناح المعتدل في روسيا يرى عدم الانجرار إلى التصعيد الكامل إلى أن يتضح ما في جعبة ترامب.
ولا يمكن فصل عملية الاغتيال في موسكو، ومجمل التصعيد على الجهة الأوكرانية عن القلق الذي ينتاب العواصم الأوروبية الكبرى استباقاً لوصول ترامب، فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي لم يحصل في اجتماعه الأخير مع ترامب على أي وعود جادة بالاستمرار في نفس سياسة الرئيس الحالي جو بايدن.
النقطة التي تقلق أوروبا هي ما ينبغي فعله إذا قرر ترامب وقف المساعدات إلى أوكرانيا لا سيما أن أغلبية الدول الأوروبية أغلبية في حلف الناتو، وبالتالي فالتوقعات أن يحاول ترامب إجبار الأوروبيين على أن يحلوا محل بلاده في تقديم المساعدات لأوكرانيا.
وقد تجد أوروبا نفسها مجبرة على ذلك، وتقديم المساعدات سواء كانت مالية أو عسكرية أو فرض المزيد من العقوبات على روسيا، وكذلك على كل من يحاول مساعدة موسكو في الإفلات من العقوبات.
على أرض الواقع فإن أكثر ما يمكن لأوروبا أن تقدمه لأوكرانيا الآن هو المساعدات الاقتصادية والعسكرية المحدودة، للحفاظ على وضعها الراهن، وأن تدخل المفاوضات المتوقعة مع روسيا في وضع أفضل.
التعليقات