الأربعاء:11. 01. 2006


محمد صادق الحسيني

حذر الأمين العام لمجلس الأمن القومي الايراني علي لاريجاني أوروبا مما سماه باللجوء الى laquo;السيناريو الثانيraquo; اذا ما اختارت الترويكا الأوروبية التشدد مع ايران ومنعها من نيلها حقوقها المشروعة في دورة نووية كاملة كما تنص عليه معاهدة حظر الانتشار النووي. واذ لم يوضح لاريجاني مضمون هذا السيناريو إلا أنه قال عنه ان laquo;السيناريو الذي نتحدث عنه تم التخطيط له بحيث اننا اذا ما لحقت بنا هزيمة ما فإن الآخرين أيضاً ستلحق بهم الهزيمة في المنطقة...raquo;، كما ورد في تصريحات أدلى بها المسؤول الأول عن الملف النووي الايراني للتلفزيون الايراني الرسمي المخصص للبث الخارجي laquo;شبكة جام جمraquo;.

وتأتي تحذيرات لاريجاني في الواقع في لحظة حرجة بالنسبة الى الترويكا الأوروبية فيما تشعر طهران بأنها مرتاحة و laquo;متمددةraquo; على غير عادتها، على حد وصف أحد المحللين السياسيين المطلعين على مطبخ صناعة القرار الايراني، وذلك بسبب انشغال خصومها التقليديين بأكثر من ملف معقد واستغراقهم تماماً بالمستنقع العراقي!

فاللحظة حرجة بالفعل بالنسبة الى الأوروبيين الذين بدأوا يفقدون زمام المبادرة بعدما خطفها منهم الروس وبعد إقرار الأميركيين بعجزهم في خيار التصعيد العسكري والأمني ضد طهران والطلب الى الترويكا الأوروبية للبحث عن حل حواري مناسب في الوقت الاسرائيلي الضائع، أي من الآن الى ما بعد منتصف شهر آذار (مارس) المقبل، حيث موعد التئام مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجدداً.

الايرانيون الذين التقطوا خيط المبادرة الروسية القاضية بالتخصيب فوق أرض الشريك المتعهد بإكمال محطة بوشهر النووية لتقطيع الوقت حتى نهاية العام 2007، وهي المدة التي تعهدت فيها موسكو للايرانيين بتأمين الوقود النووي اللازم لتشغيل المحطة لمدة عام على الأقل بعد اتمامها كما هو مفترض في نهاية العام 2006، فإنهم - أي الايرانيين - اغتنموا فرصة laquo;ضياعraquo; الترويكا الأوروبية بين الحليف الأمني المتعثر في العراق والشريك الاقتصادي المناكف لهم بالغاز وبغيره، ليعلنوا عودتهم الكاملة عن خطوتهم التطوعية المعروفة بـ، laquo;خطوة بناء الثقةraquo;، وذلك بإعلام مدير الوكالة الدولية محمد البرادعي بأنهم سيستأنفون خلال الأيام القليلة المقبلة laquo;نشاطات البحوث والتطوير حول برنامج الطاقة النووية المعلق في اصفهانraquo; مغلقين الباب سلفاً أمام أية تنازلات بهذا الصدد من خلال اعلان المسؤول الأول عن الملف المذكور بأن هذا الأمر غير مطروح على طاولة المفاوضات مع الأوروبيين في التاسع من كانون الثاني (يناير) الجاري مطلقاً!

في هذه الأثناء ظلت تصريحات احمدي نجاد laquo;الصاروخيةraquo; تتواصل سواء بشأن laquo;المحرقةraquo; المزعومة على حد قوله أو بخصوص المسألة الفلسطينية عموماً والتي أضاف اليها أخيراً قوله: laquo;ان العالم كان بحاجة الى صدمة من الحقيقة حتى يخرج من الكسل والخمول الذي ساد التعامل معها المحافل الاقليمية والدوليةraquo;، مصعداً لهجته للمرة الأولى ضد ما سماه laquo;سياسة التودد لأوروباraquo; التي انتهجها سلفاه رفسنجاني وخاتمي والتي قال انها laquo;لم تحقق شيئاً يذكر، بينما خفضت من مكانة ايران في العالم الاسلاميraquo; كما ورد في مناقشة له مغلقة مع البرلمان الايراني.

هذا الكلام الجديد نسبياً من احمدي نجاد اذا ما تم وضعه الى جانب الخطوات الجدية والصارمة المتخذة من جانب مجلس الأمن القومي الايراني بخصوص الملف النووي، في اطار ما سمع أخيراً من خالد مشعل في طهران من جبهة متحدة تضمه الى جانب طهران ودمشق و laquo;حزب اللهraquo;، فإن بعض مضامين السيناريو الثاني الذي يتحدث عنه لاريجاني ويحذر منه الأوروبيين يصبح مفهوماً.

انها استراتيجية laquo;الردع الشاملraquo; اذن التي سبق الاشارة اليها في مقالات سابقة، حيث يعتقد مقربون من مطبخ صناعة القرار الايراني بأن احمدي نجاد وفريق عمله الجديد وعلى رغم التزامهم المعلن بسياسة الحوار والصراحة مع المجتمع الدولي الا انهم على استعداد كامل ايضاً لأي خيار قد يفرض عليهم أو على أي من حلفائهم الاقليميين لا سيما ضلعي laquo;مثلث الماسraquo; الاقليمي الآخرين أي دمشق وبيروت بعدما اعتبر احمدي نجاد في تصريحات له أخيراً بأن طهران مسؤولة ليس فقط عن أمنها القومي بل وعن الأمن القومي لحلفائها ايضاً.

كل المؤشرات اذن تفيد بأن طهران ليست بصدد التخلي عن حقها الذي تعتبره مشروعاً وملزماً للمجتمع الدولي بالحصول على laquo;دورة نووية كاملةraquo; من بين بنودها الحق في تخصيب اليورانيوم على أرضها. والخطوة الأولى في هذا الطريق الذي يقرر فريق احمدي نجاد اليوم استئنافه هو في العودة الى مهمة التحقيقات والبحوث وتطوير البحوث في مجال الطاقة النووية المصرح بها، التي كان معمولاً بها ايضاً تحت اشراف كاميرات اللجنة الدولية للطاقة الذرية. وان لدى طهران من أدوات الردع الكافية بنظرها ما يجعل أي منع لاستمرار برنامجها تصاب فيه بالضرر أو laquo;الهزيمةraquo; ان يفضي بالضرورة الى laquo;هزيمةraquo; مماثلة تلحق laquo;بالآخرينraquo; في المنطقة.

هل هو اذن المبدأ الذي يقول ان laquo;ثمن المقاومة أقل من ثمن الاستسلامraquo; والذي بات يجمع بين طهران ودمشق وبيروت وما يجمع بينها من laquo;الثابتraquo; الفلسطيني الذي يبدو أنه سيظهر من جديد في العام 2006، ليكون هو الملف الأكثر سخونة بعد استراتيجية الانسحاب الأميركي من العراق!

كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.