فكتور ماليت
كانت سنة 2005 نقطة تحول مهمة جداً بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وليس مرد ذلك فقط إلى نهاية الركود ونهضة سوق الأسهم في طوكيو. فقبل عامين من الموعد المتوقع، بدأ عدد سكان اليابان، عاشر أكبر دولة في العالم، في التناقص، وانخفض 19 ألف شخص إلى 127.76 مليون نسمة في العام الماضي، كما تقول الحكومة.
وعلى نحو خاطئ، حيّا رجال الاقتصاد والمسؤولون اليابانيون هذه الأخبار بنوع من الكآبة التي أبداها محللو نظرية مالتوس، التي تسببت في حالة من الذعر في القرن العشرين بحديثها عن انفجار سكاني في العالم. وبدلاً من المجاعة، يتوقع المنذرون الجدد بالخطر نقصاً في العمالة، وخلو المدارس، وخطط تقاعد أقل تمويلاً، وقوة وطنية مقوضة. وإن لم يتم فعل أي شيء لزيادة معدل الولادات، كما تحذر طوكيو، فإن عدد السكان سيتقلص بأكثر من النصف خلال قرن.
وتعد قضية السكان موضوعاً أكثر إثارة للخلاف في قارة آسيا منه في أي مكان آخر، حيث توجد ست من أكبر عشر دول من حيث السكان. وحتى في الصين التي تعتبر في الوقت الحالي الأكثر سكانا، إذ يصل عدد سكانها إلى 1.3 مليار نسمة، هناك مخاوف حول الأثر الاقتصادي الضار لزيادة أعمار السكان مع بدء الأرقام بالانخفاض عام 2030.
وبدأ وزراء الحكومة في الهند - التي ستتفوق على الصين ويصل عدد سكانها إلى 1.6 مليار نسمة عام 2050- يتفاخرون بالنشاط الذي سيأتي من الشباب، ويكررون تحذيرات الاقتصاديين في أن quot;الصين ستشيخ قبل أن تصبح ثريةquot;. وينسون مساوئ التوجه السكاني الذي يتعلق بإضافة 500 مليون هندي إلى عدد السكان في العالم: قبل أن تصبح متقدمة في السن أو ثرية، وسوف تصبح الهند شديدة الاكتظاظ.
إن النظرة التحذيرية (شعورالهند قصير النظر بالانتصار) حول انخفاض عدد السكان سخيفة لسببين. الأول، هو أن هذا الانخفاض لا يحدث على المستوى العالمي. وطبقاً لمكتب معلومات السكان الموجود في واشنطن، فإن عدد سكان العالم الذي يبلغ 6.5 مليار نسمة يرتفع بمعدل 80 مليون نسمة في السنة، ومن المتوقع أن يصل إلى 9.3 مليار عام 2050. وتعد اليابان واحدة من البلدان القليلة، وأوروبا هي القارة الوحيدة التي من المتوقع أن تشهد انخفاضاً في أعداد السكان بين الفترة الحالية وذلك الوقت.
أما السبب الثاني لعدم الشعور بالخطر، فهو أنه حتى عند وصول نقطة التحول فيجب أن يتم النظر إلى عدد السكان الثابت أو المتناقص باعتباره تغييراً مرحباً به - وليس مجرد نذير بأزمة مالية مؤقتة - للدول والعالم. وليس عليك أن تكون مالتوسياً قلقاً مما أطلق عليه هذا الإخصائي السكاني: quot;الصراع الأبدي على المكان والطعام لترى أن كوكبنا مزدحم أصلاً ومصادره الطبيعية تخضع لإجهاد شديدquot;.
والأمر واضح بصورة خاصة في آسيا، التي تصل كثافة السكان فيها إلى 320 شخصاً لكل ميل مربع، وهو أكثر من ضعفي المعدل العالمي. وحتى لو تجاهلنا التحديات العالمية كظاهرة الاحتباس الحراري الكوني، فإن العديد من الدول تواجه على المستوى الوطني مشاكل حادة تتعلق بعدد السكان.
وتواجه عشرات المدن الصينية نقصاً شديداً في المياه النقية، بينما فرض الميل النهم للموارد لدعم الثورة الصناعية في الصين ارتفاع أسعار النفط، وجرّد الدول المجاورة من العديد من غاباتها. وبالكاد بدأ التحديث في الهند.
إن السياسة السكانية موضوع حساس، إذ تم انتقاد سياسة quot;الطفل الواحدquot; في الصين للأزواج الذين يسكنون المدن، على أنها انتهاك لحقوق الإنسان، لكنها امتدحت أيضاً لمساعدتها على منع نمو السكان المطرد. وتنظر معظم الحكومات إلى تشجيع أو منع نمو السكان، من خلال الوسائل المالية أو غيرها، على أنه اهتمام مشروع للسلطات. وكذلك يفعل القوميون والمتعصبون المتحمسون لتكاثر عدد الأشخاص الذين ينتمون إلى دينهم أو جنسهم.
ونظراً لاستحالة زيادة السكان على الدوام، فإن المنطق العام يشير إلى أنه يجب على اليابان والدول التي تتبع نهجها أن تحاول إدارة تحول تدريجي في عدد السكان لتجنب صدمة حدوث تخمة في عدد المتقاعدين. وفي معظم الحالات، فهي تختبر بالفعل الوسائل لتسهيل هذا الانتقال، بما فيها المزيد من الهجرات، الأتممة، رفع أعمار التقاعد، واجتذاب المزيد من النساء للقوى العاملة.
وكما ستكتشف اليابان في العقود المقبلة فإن إدارة انخفاض عدد السكان لن تكون سهلة. ومع ذلك، فلا يوجد أي سبب للخوف من ريادة عملية يراها أحفادنا حتمية ومرغوبة.
- آخر تحديث :
التعليقات