عبد الرحمن الراشد

الذي يظن انه سيأتي موسم حج خال من الحوادث بسبب الاجراءات الجديدة فهو واهم، لأن الاحتمالات كثيرة ومتغيرة. الاحتمالات فوق الجسور، وداخل الانفاق، ووسط صحن الحرم المزدحم دائما، ومناطق المشاة، ومطابخ الخيام، ومراكز التمويل الغذائي، والخلافات السياسية، والكوارث الطبيعية، الى جانب التهديدات الارهابية المستمرة. انها ليست ورطة عنق زجاجة واحد يمكن معالجته بل سلسلة تحديات مردها المكان والزمان. ولنتذكر أيضا ان معظم الحجاج كبار في السن، وقليلو التعليم، ويتحدثون بلغات مختلفة، ومن أرياف فلم يتعاطوا مع الازدحام قط في حياتهم.

من شاهد بأم عينيه كيف يسير مليونا انسان في مشاعر الحج المقدسة يستغرب ان كوارث الدهس تحدث مرة واحدة، وان الوفيات لا ترتفع الى ما هو أعلى من حادثة امس الأول. الحل الوحيد هو تصميم طابور فردي طويل للرمي ولو تم ذلك لتطلب زيادة عدد الأيام اسبوعا على الأقل لاستيعاب العدد. التزاحم نتيجة تمليها مشكلة كثرة العدد وضيق المكان، وها هي تتكرر حتى بعد توسعة الجمرات الثلاث فصار حوض الرمي والشاخص ضخمين بدرجة اعتبرت نقلة في مفهوم الحج بعد امتناع طويل من قبل الجهات المسؤولة. لقد ثبت بعد وقوع كل كارثة ان الحج بقدر ما هو مناسبة عظيمة ان فيه مأساة محتملة. الحج تغير كثيرا في انظمته واشكاله الظاهرة من اجل تمكين المزيد من الحجاج لاداء الركن الخامس، ثم تأمين سلامتهم. شكلا، زادت المساحات الأرضية وتبدلت الجمرات شكلا ومساحة واضطر علماء الدين الى اعادة النظر في فتاواهم وتبني قراءات اكثر مرونة حفاظا على ارواح الحجاج وتجنيب كوارث التزاحم.

وبقي الحج يعاني من سلسلة تحديات لن يكون سهلا تجاوزها مثل بناء منشآت لن تستخدم في العام إلا خمسة ايام في منى او يوم واحد في عرفة. ستبقى مشاكل الإزدحام ومخاطره بسبب ضيق الوقت والمكان مهما جرى توسيع المساحات وتمديد الساعات. هناك نحو نصف مليون حاج غير منظمين، كما تصفهم الجهات المسؤولة، العديد منهم يفترش الشوارع، وينام تحت الجسور، ولا يتبع ادارة بعثات تعينهم فيصبحوا عالة ومصدر قلق دائم.

الحج بمواصفاته القائمة يتعارض بشكل صارخ مع قواعد السلامة ولا يستطيع أحد ان يطابق بين الجانبين لأن الحلول الجذرية تعني تقليص عدد الحجاج ولو طبق لأحدث ثورة غضب في ارجاء العالم الاسلامي، وتعني تعديل بعض قواعد الحج زمنا وكيفية وهذه امور لا يبت فيها خبراء الأمن بل متروكة امام علماء الدين الذين يرفضون تطويع الحج لحاجات مستجدة، وهكذا. وطالما ان الحج مضطر لاستقبال مليوني شخص وادارتهم في مساحات ضيقة واوقات محددة فعلينا ان نرجو ان تقل الكوارث الناجمة عن التدافع والأخطاء الناجمة عن الحجاج انفسهم دون ان تعذر الجهات المسؤولة عن تقصيرها عندما يثبت تقصير من جانبها.

[email protected]