الثلاثاء:17. 01. 2006
خيرالله خيرالله
هل في استطاعة الولايات المتحدة وأوروبا الدخول في مواجهة مع أيران بسبب برنامجها النووي والمخاوف التي يثيرها لجهة تمكين quot;الجمهورية الأسلاميةquot; من أمتلاك السلاح النووي؟ ثم الى أي حد يمكن ذهاب القوة العظمى الوحيدة في العالم في هذه المواجهة، في حال حصولها، بمشاركة أوروبية؟
من الصعب الأجابة عن هذين السؤالين في ضوء الأوراق الكثيرة التي تمتلكها ايران... وهي أوراق تحسن أستخدامها جيدا من جهة، ووجود رغبة جدية لدى ألأميركيين والأوروبيين في عدم تمكينها من أمتلاك السلاح النووي من جهة أخرى.
لا يمكن بالطبع أغفال العامل الأسرائيلي لدى الحديث عن أحتمال حصول أيران على السلاح النووي، وذلك على الرغم من ان العلاقة بين الدولة اليهودية وquot;الجمهورية الأسلاميةquot; في غاية التعقيد. وهذه العلاقة التي تجعل من أسرائيل المستفيد الأول من سياسات أيرانية معينة على الصعيد الأقليمي ، لا يمكن أن تصل الى حد الموافقة على البرنامج النووي الأيراني. على العكس من ذلك، تدفع أسرائيل الأدارة الأميركية يوميا الى متابعة الضغط على طهران لحملها على التخلي عن برنامجها النووي. وتقول أوساط اميركية أن السؤولين العسكريين والأمنيين الأسرائيليين يترددون أسبوعيا على واشنطن للتحريض على البرنامج النووي الأيراني حاملين خرائط ومعلومات لتأكيد مدى تقدم البرنامج.
تلعب أسرائيل دوراً اساسيا في الحملة على أيران ndash;النووية، لكن ذلك لا يعني أن لا وجود لحسابات أميركية وحتى أوروبية خاصة في شأن كل ما له علاقة بالملف النووي الأيراني. في طليعة هذه الحسابات تحول أيران الى قوة أقليمية مهيمنة في منطقة الخليج حيث أكبر أحتياط نفطي في العالم. وليس سرّا أن صدام حسين موجود حاليا حيث هو لأنه فكّر مرة في أمتلاك السلاح النووي ولأنه مدّ يده الى حيث لا يجب ان يمدها، أي الى نفط الخليج وذلك عندما أرتكب جريمة أحتلال الكويت في العام 1990. هل كان في أستطاعة العالم أخراج صدام من الكويت وأعادة البلد الى أهله لو كان الرجل يمتلك السلاح النووي؟
ما ينطبق على عراق-صدام، ينطبق الى حد اكبر على ايران- الجمهورية الأسلامية وذلك مهما بلغت كمية الأعلانات السياحية المدفوعة الثمن التي تنزل عن ايران في الفضائيات العربية والبريطانية مثل quot;بي.بي.سي- وورلدquot;. وبكلام اوضح، لا يستطيع العالم الغربي ممثلا بأميركا وأوروبا تحملّ ايران-النووية، حتى لو أكدت أنها منصرفة لتطوير قدراتها السياحية، بسبب التوازنات القائمة في منطقة الخليج الغنية بالنفط. فهذه المنطقة ستظل الى سنوات وسنوات شريان الحياة للعالم الصناعي بما في ذلك الصين والهند واليابان وغيرها من الدولة المحتاجة الى كميات ضخمة من النفط يومياً. هذا هو واقع الحال الذي تسعى ايران الى تجاوزه رافضة أن يكون هناك من يرسم حدودا لدورها الأقليمي، او على الأصح لأدوارها الأقليمية الممتدة من أفغانستان الى سورية و جنوب لبنان مرورا بالعراق ومنطقة الخليج.
هل في أستطاعة ايران تجاوز واقع هذا الحال؟ ربما كان ذلك رهان quot;الجمهورية الأسلاميةquot; في ايامنا هذه، خصوصاً بعد ترتيب أوضاعها الداخلية وانتخاب رئيس محافظ يأتمر مباشرة من quot;المرشدquot; االسيد علي خامنئي الرئيس الفعلي لأيران هذه الأيام. لقد حصل في أيران انقلاب، وعلى العالم التعاطي مع هذا الأنقلاب الذي فرضته النتائج الحقيقية للتدخل العسكري الأميركي في العراق. أدت هذه النتائج في واقع الحال الى أنتصار أيراني تاريخي في العراق. وهذا الأمر لم تدركه الأدارة الأميركية سوى متأخرة ، وربما لم تدركه بعد، وهو يسمح لأيران بالتحدث الى الأميركيين والى العالم من فوق أي من مقع قوة. والواضح أن الورقة الأساسية في يد أيران هي العراق. وأذا كان هناك من يحتاج الى معرفة مدى السيطرة الأيرانية في العراق، يكفي ما حصل في الأيام الأخيرة عندما أضطرت القوات البريطانية في البصرة الى أستخدام الدبابات لأنقاذ جنديين أعتقلتهما الشرطة العراقية. كيف يمكن للشرطة العراقية أن تحتجز جنديين عراقيين وأن تسلمهما لاحقا الى ميلشيات تابعة للأجهزة الأيرانية؟ بكل بساطة، صار ذلك ممكنا بعد دخول الأتحاد الأوروبي، وبريطانيا تحديداً، طرفا في النزاع القائم في شان الملف النووي الأيراني. عندئذ، تبين أن الشرطة العراقية في البصرة هي في أمرة العناصر الأمنية الأيرانية التي تسللت الى المدينة والتي تسيطر سيطرة كاملة على الجنوب العراقي عل غرار سيطرتها على الحكومة العراقية التي يرأسها ابراهيم الجعفري. هل من دليل اقوى على هذه السيطرة من الأتهامات التي وجهها وزير المال في حكومة الجعفري ويدعي علي علاّوي الى حازم الشعلان وزير الدفاع في الحكومة السابقة التي كان يرأسها الدكتور أياد علاّوي؟ أتُهم الشعلان الذي فضح في حينه التدخل الأيراني في العراق من منطلق الدفاع عن حد أدنى من الأستقلالية العراقية بأنه أختلس مليار دولار خلال توليه مسؤولياته. ليس هناك من يريد الدفاع عن الشعلان ولكن هل صار مباحا توجيه مثل هذا الأتهام ذا الطابع الخيالي للرجل لمجرد أنه كشف في خلال توليه مسؤولياته حجم التدخل الأيراني في العراق؟ هل يدفع الشعلان حاليا ثمن الموقف الشجاع الذي أتخذه من ايران أنطلاقا من موقعه كشيعي عربي عراقي؟
صار الأميركيون والبريطانيون رهائن أيرانية في العراق. ولذلك في أستطاعة طهران أن تستقوي في الموضوع النووي. وفي أستطاعتها أن تستقوي أكثر في هذه الأيام بسبب الحاجة الى النفط الأيراني. وكان اول ما فعلته quot;الجمهورية الأسلاميةquot; بعد التهديد بنقل الملف النووي الأيراني الى مجلس الأمن أن رفعت سلاح النفط في وجه الغرب والعالم اللذين في حاجة الى كل نقطة نفط في باطن الكرة الأرضية.
أنها معركة شرسة تخوضها أيران مع القوة العظمى الوحيدة في العالم مدعومة من أوروبا. ولا شك أن العراق ورقة قوية في يدها، كذلك ورقة التحكم بكمية لا بأس بها من النفط يبدو واضحاً أن العالم في أشد الحاجة اليها يومياً. لكن الأمر الذي لا يمكن تجاهله أن ليس مسموحا بأن يكون هناك من هو قادر على تركيع العالم بسبب القدرة على التحكم بنفط الخليج. حاول صدام ذلك وفشل. هل تنجح أيران التي لا بد من الأعتراف بأن حكامها أذكى بكثير من صدام حيث فشل مجنون العراق؟ الأرجح أنها لن تكون أوفر حظا من صدام، الا اذا وضعنا جانباً أنها قادرة على الدخول في مفاوضات سرية مع أميركا وحتى مع اسرائيل لا يستطيع أحد غيرها الدخول فيها وذلك بغية التوصل الى مساومات معينة من نوع تلك التي أدت الى تزويدها بأسلحة وقطع غيار أميركية عبر أسرائيل في عزّ الحرب مع العراق في منتصف الثمانينات. من يدري ربما التاريخ يعيد نفسه. وربما كنا بعد عقدين من الزمن أمام صفقة جديدة بين اميركا وأيران، لكن الأكيد أن مثل هذه الصفقة لا يمكن أن تفضي الى تحول أيران القوة المهيمنة على الخليج أو الى جعلها في وضع القادر على وضع اسرائيل، الدولة الغاصبة،تحت رحمتها. كل ما عدا ذلك قابل للأخذ والرد بما في ذلك الأتفاق على حجم النفوذ الأيراني في العراق. ما المشكلة في ذلك ما دام هذا الحجم سيؤخذ من رصيد عرب العراق من سنة وشيعة لا فارق!
التعليقات