محمد السمّاك
مع امتلاك اسرائيل اسلحة دمار شامل: نووية وجرثومية وكيمياوية، فان من السذاجة التساؤل عما اذا كان من حق ايران السعي لتطوير صناعتها النووية.
ومع تأكيد حصول اسرائيل على التقنية المتقدمة، وعلى المواد الخام ـ اليورانيوم تحديداً ـ من الولايات المتحدة وفرنسا منذ الخمسينات من القرن الماضي، فإن من السذاجة أكثر الطعن بحق ايران بامتلاك التقنية النووية.
هذا من حيث المبدأ، اما من حيث التفاصيل فان وراء الأكمة ما وراءها. هناك تهديدات أميركية وأوروبية عالية النبرة ضد ايران بسبب اصرارها على المضي قدماً في برنامج تخصيب اليورانيوم، مما يؤهلها لاستخدامه في انتاج قنبلة نووية اذا شاءت. وهناك تقليل ايراني واضح من جدية هذه التهديدات قياساً على ما حدث مع كوريا الشمالية، وقبل ذلك مع كوبا. فالتهديدات ضد كوريا كانت زوبعة في فنجان. والاعتداءات على كوبا ارتدت سلباً على أصحابها. ولكن ايران في الحسابات السياسية والأمنية الغربية ليست كوريا الشمالية ولا كوبا.
بمعنى انه لا كوريا دولة معادية لإسرائيل، ولا كوبا دولة اسلامية. والعداء لإسرائيل والمناداة بالاسلام تهمتان في نظرالولايات المتحدة لا تتهاون في التعامل مع أي منهما. فكيف اذا اجتمعتا في دولة واحدة؟ وكيف اذا كانت هذه الدولة تملك من الامكانات البشرية والمادية ما تملكه ايران؟
من هنا فان تعامل الغرب مع المشروع النووي الايراني له حسابات ومنطلقات أخرى تتعلق اساساً وفي الدرجة الأولى باسرائيل وبأمنها ومستقبلها، وبالالتزام الغربي اللامحدود برعايتها ودعمها والدفاع عنها. لقد طلب الغرب (مؤتمر لندن) من ايران رسمياً ان تثبت انها لن تستعمل برنامجها النووي لانتاج السلاح. وفي الوقت الذي اثبتت اسرائيل للغرب وللعالم أجمع انها لم تستعمل برنامجها النووي الا لانتاج السلاح، وقد انتجت منه حتى الآن أكثر من 250 قنبلة نووية.
لا تخاف الولايات المتحدة على نفسها من امتلاك ايران التقنية النووية، ولكنها تخاف على اسرائيل، وتكفي هنا مجرد الاشارة إلى التصريحات المتشددة والمتعددة التي اطلقها الرئيس الايراني أحمدي نجاد بشأن اسرائيل والصهيونية والتي قامت عليه الدنيا بسببها في الولايات المتحدة وأوروبا ولم تقعد.
ورغم أن ايران تؤكد أنها لا تنوي انتاج سلاح نووي الا ان الضغوط عليها لم تتراجع. وكأن الهدف من وراء هذه الضغوط ليس منعها من انتاج السلاح، ولكن الهدف هو منعها من الوصول إلى التقنية النووية. ذلك أن المعرفة بحد ذاتها تشكل خطراً طالما أن الثقة بايران كدولة اسلامية هي ثقة مهزوزة او شبه معدومة. هكذا جرى التعامل مع المحاولات الأولى التي قامت بها مصر... وهكذا جرى التعامل ايضاً مع المشروع العراقي الذي دمره الاسرائيليون في عام 1981. فالمعرفة الممنوعة هنا، لا حدود لها ولا سقف عندما يتعلق الأمر باسرائيل.
لقد تمكنت الباكستان من التفلّت من المراقبة ومن القيود الأميركية وتمكنت من انتاج سلاح نووي معزز بقدرة صاروخية متقدمة. وتعتبر الولايات المتحدة أن ذلك كان ـ ولا يزال ـ خطأ جسيماً، لا تريد أن يتكرر في ايران. وخاصة في ايران، فالولايات المتحدة تعرف ان ايران طورّت سلاحها الصاروخي، وإنها اذا طورت سلاحاً نووياً فان ذلك يعني انقلاباً جذرياً في ميزان القوى في الشرق الأوسط سيكون في غير مصلحة اسرائيل.
ليست الهند بأهمية اسرائيل في الحسابات الأميركية. وبالتالي اذا كان التفلت الباكستاني خطأ، فان التفلت الايراني أكبر من خطأ. انه في هذه الحسابات الأميركية خطيئة كبرى. لقد استطاعت الولايات المتحدة اعادة احتواء باكستان من خلال قدراتها العسكرية، وهو امر لا يبدو ممكناً مع ايران من خلال قيادتها الدينية.
لذلك، لن يكون مستغرباً ان تتعامل الولايات المتحدة ـ وحتى المجموعة الأوروبية ـ مع ايران بغير ما تعاملت به مع الباكستان. حتى ان روسيا التي تربطها بايران علاقات خاصة ومصالح واسعة لم تستطع ان تحافط على مسافة كافية تميزها عن الموقف الأميركي ـ الأوروبي المشترك.
قد يكون من المفيد أن تنظر ايران إلى ما حل بجارتها العراق، وسيكون من المفيد بالتأكيد لو انها تعتبر بقصة الأسد والثور التي وردت في كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع. حيث ينقل عن الثور الأسود قوله وقد استفرد به اسد الغابة: quot;لقد أُكلتُ يوم أُكل الثورالأبيضquot;.
التعليقات