أحمد الجار الله


في حين كان لبنان فكرة في ذهن المسيحيين, ووطناً وحيداً لهم, وفي حين كان الآخرون من سنة وشيعة وروم أرثوذكس يحسبون على تيارات الانتفاح واللا انعزال, وتيارات الوطنية والقومية المتخلية دائماً عن فكرة نهائية الوطن اللبناني, دارت الحرب اللبنانية, ابتداء من 13 أبريل ,1975 بواسطة تسلل الآخرين عبر هذه المفاهيم المتضاربة, والتي أخلت بالفعل بمفهوم الوطن كمفهوم مطلق. أبرز هؤلاء الآخرين كان النظام السوري الذي صادر الوطن اللبناني وحرمه على سائر أبنائه, اللهم إلا من سلموا منهم بسلطة هذا النظام وبإرادته مقابل منافع أبرزها المنفعة في تسوية الوضع الاجتماعي وترميمه, والالتقاء على ذات الأغراض التي أقيم النظام السوري لأجلها, وهي أغراض التسويات الاجتماعية حيث من يحكم سورية الآن هم الآتون من أوساط معرفية متواضعة, ومن أصول فلاحية بسيطة وفقيرة.

كان يجب أن يقتل رفيق الحريري, الزعيم السني الأبرز في لبنان, من أجل أن تنهار المواقف السائدة حول الوطن والنظر إليه كوطن نهائي, وبهذا التداعي الوطني الكبير المتخلف عن هول عملية الاغتيال قامت المفاهيم الصادقة, وغير المتصادمة, عن أزلية الوطن اللبناني, وسادت الأكثرية من اللبنانيين, مسيحيين ومسلمين, اللهم إلا قلة من أبناء طوائف أخرى, شيعية ودرزية ومارونية (ميشال عون, حسن نصرالله, وطلال أرسلان) وجدت نفسها خارج صفوف الأكثرية فلم تكتف بممارسة دور المعارض, وهو دور ديمقراطي, بل استعجلت رزقها وأرادت المشاركة في السلطة, ولو عن طريق الانقلاب على إرادة اللبنانيين وخياراتهم الحرة والسيادية, فآثرت الاستقواء بالشمس الغاربة للنظام السوري, أو لعب دور حصان طروادة السوري الذي تمكن من اختراق الجدران اللبنانية العالية.
والمعركة الراهنة في لبنان هي معركة الأكثرية اللبنانية المتطلعة إلى الانفتاح والسيادة الكاملة, وبين أقلية أصبحت مصائرها الآن معلقة بأيدي طهران ودمشق اللتين ستقرران لاحقاً الوقت الذي ستتخليان فيه عن هذه الحمولة السياسية المرهقة, والتي ازداد إرهاقها بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.

فؤاد السنيورة, رجل الدولة, ورئيس حكومة الأكثرية في لبنان هو الذي يتولى دور الحامي الأول لمصير لبنان, كوطن نهائي لجميع أبنائه, وهو الذي بات يمثل ذروة المفهوم الوطني الكياني الذي انبثق عقب اغتيال الحريري, وجعل شعار raquo;لبنان أولاًlaquo; شعاراً وحيداً لسنة لبنان قبل مسيحييه.

أهمية فؤاد السنيورة الآن لا تنبع فقط من لبنانيته الصافية فحسب, بل من حسه القتالي في الدفاع عن هذه raquo;اللبنانيةlaquo; التي كانت في يوم من الأيام ادعاء مسيحياً محتكراً بكل امتياز.
وربما لكبر هذا الدور الذي يؤسس لقيام الوطن اللبناني, بفكرته الجامعة, وأزلية وجوده, وعدم تنسيبه لغير ذاته, تجري المحاولات على فؤاد السنيورة لإجهاض دوره من قبل raquo;حزب اللهlaquo; السوري الإيراني ومن قبل المتحالفين معه, ومدخلهم إلى هذا الهدف المستحيل تشكيل حكومة وحدة وطنية يشاركون فيها, ويتمثلون بأفكارهم الممانعة, والمناقضة, ويتمكنون من خلال هذا التمثيل من تعطيل مفاعيل الأكثرية النيابية التي يمثلها السنيورة وحكومته, هذا الهدف الممنوع يعرف الجميع أنه يحمل الهوية الإيرانية السورية التي يعتقد المنتسبون إليها أنهم بالشعار المرفوع لأجل حكومة وحدة وطنية بإمكانهم التسلل من وراء ظهر الأكثرية وإصابتها بضربة قاضية.

السنيورة مدرك لهذا التخطيط الساذج, ويقابله بمنطق رجل الدولة, وصاحب المشروع الوطني الجامع, ومدرك بالتالي أن الأقلية لن تستطيع الوصول إلى هدف وطني بحكم ارتباطها بمشاريع الخارج الإيراني السوري, وهي مشاريع غير متلاقية مع أولويات المجتمع الدولي السلمية وغير الحربية.

السنيورة يواجه السفاهة السياسية بأسلوبه الرفيع ويعرف أن آخرتها قريبة, ويعمل بثقة من أجل بناء مشروع الدولة القوية, الذي يسانده العالم كله من أجل قيامها, ويعتمد في مواجهة خصومه, داخل لبنان وخارجه على قول الله تعالى raquo;وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماًlaquo;.