الإثنين: 2006.10.02


محمد الحسن أحمد

أخذت الآمال تتراجع في اطراد تحسن الأحوال في الصومال بعد محاولة اغتيال الرئيس الانتقالي عبدالله يوسف، واقرار الدول الافريقية إرسال قوات لحفظ السلام، واستيلاء مليشيات المحاكم الشرعية على مدينة كيسيمايو، كل هذه الأحداث مجتمعة زادت الأوضاع توتراً خاصة بين الحكومة الانتقالية وسلطة المحاكم الشرعية مما رشح الصومال إلى الانحدار مرة أخرى إلى النفق المظلم.

في واقع الأمر ان الجولتين من المفاوضات اللتين عقدتا بالخرطوم قد بعثتا الأمل في لملمة الأوضاع، لكن ما تم التوصل إليه لم يكن شاملاً لأهم قضيتين، هما: قسمة السلطة وهويتها، والموقف من الاستعانة بالقوات الدولية في حفظ السلام، علماً بأن الحكومة الانتقالية كانت قد تبنت الدعوة لهذه القوات، وان الاتحاد الافريقي أبدى ترحيبه واستعداده لذلك، بينما المحاكم الشرعية ترفض دخول أية قوات لحفظ السلام، ترى أن الصومال ليس بحاجة لأية قوات أجنبية، وفي الوقت نفسه لا تخفي سعيها لقيام حكومة اسلامية. بينما الحكومة الانتقالية ترى ضرورة استمرار الحكم المدني.

وقبل الوصول إلى الجولة الثالثة من المفاوضات المفترض عقدها نهاية هذا الشهر في الخرطوم خرق الطرفان الاتفاق الهش الذي توصلا فيه إلى إطار يمنع الاستيلاء على أية أرض بالقوة، ولا يمنح الحكومة تفويضاً من المحاكم الشرعية باستقدام القوات الافريقية، فمن جهة قررت دول الايقاد المضي قدماً في إعداد وتجهيز قوات حفظ السلام، ومن جهة أخرى خرقت المحاكم الاسلامية

الاتفاق باستيلائها على مدينة كيسيمايو الاستراتيجية.

وفي البداية زعمت المحاكم الشرعية أنها لم تهاجم المدينة وتستولي عليها بالقوة، إنما دخلتها بدعوة من مواطنيها، ولكن بعد أن تظاهرت مجموعات مختلفة من المواطنين احتجاجاً على اجتياح المحاكم للمدينة، اعترفت قيادات المحاكم بأن الاستيلاء على المدينة جاء استباقاً لوصول القوات الافريقية باعتبار ان موانئ المدينة هي المدخل الوحيد للقوات الافريقية ما يعني أنها - أي المحاكم - قد عززت موقفها في رفض دخول القوات وخطت خطوة عملية لمواجهة دخول هذه القوات.

وبينما تواصل التراشق بين الجانبين حول هذه الخطوة دخلت الجامعة العربية على الخط، إذ اعتبر سمير حسني مسؤول ملف الصومال في الجامعة سيطرة مليشيات المحاكم الاسلامية على كيسمايو لا يمثل اخلالاً بالاتفاقات المبرمة بين الجانبين الذي ينص على عدم محاولة أي طرف التوسع عسكرياً أو سياسياً خارج المناطق التابعة لسيطرته، وقال في تصريحات له ldquo;ما فهمناه وما حصلنا عليه من معلومات يؤكد أن ما حدث هو انقلاب ابيض، ولم تحدث أية مواجهات ولم تقم قوات المحاكم بشن اي هجم انطلاقاً من قواعدها في مقديشوrdquo;، مشيراً إلى أن الجامعة ليست بصدد توجيه أية انتقادات لهذه الخطوة.

لكن مسؤولاً في الحكومة الانتقالية اتهم الجامعة العربية بالانحياز للمحاكم الاسلامية ولمّح إلى أن هناك دعوات تطالب الرئيس عبدالله يوسف بمقاطعة وفد الجامعة العربية وعدم لقائه تعبيراً عن الاحتجاج على سياسة الجامعة المنحازة للمحاكم الشرعية، علماً بأن الرئيس نفسه كان قد دعا في رسالة وجهها إلى الرئيسين السوداني والكيني لأن يتولى البلدان محادثات السلام وإبعاد الجامعة العربية.

تلك هي خلاصة ما يجري من تدهور في الأوضاع، فالمحاكم الاسلامية تمانع في دخول القوات لحفظ السلام لأنها تعمل وتخطط على الاستيلاء على كل الأراضي الصومالية بهدف التمكن من بسط سيطرتها ونهجها في الحكم، ولا شيء غير ذلك، ولكن نهجها في الحكم ليس مقبولاً لدى كل الصوماليين وهو نهج يشبه إلى حد بعيد النهج الطالباني. بينما الحكومة لم تعد متماسكة وقد انسلخت مجموعات كبيرة منها، ومتهمة بأنها تخضع للنفوذ الاثيوبي. وبالمثل دخلت اريتريا على الخط واصبحت متهمة من جانب الحكومة بدعم المحاكم الشرعية مكايدة لاثيوبيا، وكذلك فإن كينيا ايضاً ليست بعيدة عن تلك الاتهامات من جانب المحاكم الشرعية.

المهم أن كل دول الجوار أصبحت تدير صراعاتها واطماعها، من داخل الاراضي الصومالية، وليس من سبيل إلى معالجة القضايا الصومالية الا بتخلي كل اطراف الصومال عن ان تكون وكيلة لقوى خارجية، وكان المأمول أن تلعب الجامعة العربية هذا الدور، لكن للأسف بدت الجامعة متسرعة بأخذ جانب طرف على حساب طرف آخر عبر التصريح الذي أخذ جانب المحاكم الاسلامية في اجتياح كيسيمايو وهو تصريح لا يخلو من خفة ويقلل من شأنه وساطة الجامعة ودورها المرتجى.

ختاماً، كل الدلائل تشير إلى مزيد من التعقيد خاصة أن أحد المسؤولين في المحاكم الاسلامية صرح بأن مجاهدين إسلاميين من دول مختلفة يجاهدون معهم، وهو يدعو المواطنين إلى الحفاوة بهم وعدم الخوف منهم، وهذه مسألة في غاية الخطورة ويمكن ان تضيف المزيد من المشكلات ليس للصومال وحده، وإنما للمنطقة بأسرها.