الأربعاء: 2006.10.11


فرانز دي وال

قد لا ينزعج أحد إذا قيل عن أحد المشاهير بأنه quot;غبيquot;، أو أن ينعت أحد السياسيين بأنه quot;مغفلquot;، لكني صدمت حقاً عندما نقلت عناوين الصحف أنباء تفيد بأن الدلافين حيوانات تفتقر إلى الذكاء الذي كثيراًً ما وصفت به من قبل العلماء والمراقبين. فهل هذه هي الطريقة الأمثل للحديث عن حيوان يحظى بقدر كبير من الإعجاب إلى درجة ظهور العديد من المواقع الإلكترونية سمت نفسها quot;الدلفين الذكيquot;؟ وبالطبع لا يعني ذلك أنه علينا تصديق كل ما يقال عن الدلافين وأخذه على محمل الجد، مثل الابتسامة التي يقال إنها ترتسم على وجه الدلفين وهي لا وجود لها في الواقع. كما أن كل ما تعلمه العلماء من الأصوات التي تصدرها الدلافين، والتي يحاول البعض دراستها على أنها نظام معقد من الإشارات، هو أن ذكور الدلافين تتحمس للتواصل مع الباحثات أكثر من الباحثين الذكور.

ومع ذلك أعتقد بأن الأمور تجاوزت الحدود عندما نعتت الدلفين بالغباء من قبل بول مانجر العالم الجنوب أفريقي الذي زعم بأن الحجم الكبير نسبياً لدماغ الدلفين يرجع ببساطة إلى غلبة الخلايا العصبية الدهنية، وأن دور تلك الخلايا يقتصر على إنتاج الحرارة اللازمة التي تساعد الخلايا الدماغية على القيام بمهامها وسط درجة الحرارة المنخفضة في أعماق المحيطات. بناء على هذه الملاحظة لم يتردد مانجر في استنتاج أن الدلافين وباقي الثدييات البحرية، تفتقد إلى الذكاء، وأن كل ما قيل عنها سابقاً من سرعة بديهة، لا يعدو مبالغات تنقصها الحقائق العلمية. ولإثبات وجهة نظره قدم العالم بعض القرائن التي تشير، حسب رأيه، إلى غباء الدلفين؛ مثل عجزه عن القفز فوق حاجز الشبكة التي يقع في حبالها، خلافاً لسمك الزينة الذي يقفز من الحوض عند الإحساس بالخطر.

ولو تجاوزنا نحن عن المسائل التقنية المتخصصة التي تفند مزاعم العالم الجنوب أفريقي، كأن نذكره مثلا بأن الخلايا العصبية لا يقتصر دورها فقط على العزل الحراري وتدفئة الخلايا الدماغية، بل تقوم بوظيفة الربط مع الدماغ، فإن السؤال الذي يظل ماثلا هو: لماذا تثير إمكانية أن يتمتع الحيوان بقدرات دماغية تؤهله ليكون ذكياً كل هذا الجدل بين العلماء؟ هل يرجع ذلك إلى أن الحجم الكبير لدماغ الدلفين الذي يتجاوز حجم الدماغ البشري بحوالي 15%، يهدد توفق الإنسان ويمس الأنا لديه؟ وهل يمكن إنكار أن الدلافين تتوفر فعلاً على ملايين الخلايا العصبية التي تؤهل دماغها للقيام بوظائف معقدة؟ تذكرني ملاحظة العالم حول أسماك الزينة واحتمال تفوقها على الدلافين، بتلك الاستراتيجية المعروفة التي يتم اللجوء إليها لإثبات أن الحيوانات الصغيرة هي أذكى من الكبيرة بأن تنسب إليها إنجازات عديدة تقوم بها. فإذا استطاع جرذ، أو حمامة أن ينجز شيئا، فهو يعتبر عملا خارقا يجعلها أذكى من غيرها. وهكذا تم تدريب الحمام عبر تقنية quot;التواصل الرمزيquot; على الضرب بمنقاره على مفتاح كتب عليه عبارة quot;شكراquot; كلما قدم إليه الطعام، كما أنه درب على تلمس ريشه كلما وضعوه أمام المرآة في محاولة لإثبات quot;الوعي بالذاتquot; الذي يتوفرون عليه.

لكن هل يمكن مقارنة ما قام به الحمام نتيجة تدريب مكثف بالدلفين بيرسلي الذي عندما وضع طلاء على جسمه أسرع بأقصى سرعة ليواجه مرآة كانت موضوعة في الحوض ويدور حولها لفحص صورته؟ وهو أمر لا يختلف كثيراً عما يقوم به البشر أمام المرآة. لا أعرف حقيقة ما الذي يزعج بعض العلماء عندما يتعلق الأمر باقتراب بعض الحيوانات من الإنسان في مجال الذكاء والقدرات الدماغية، بل وحتى في مجال العواطف؟ فمجرد القول إن الحيوانات لها القدرة مثل البشر في التعلم من بعضها البعض، أو أنها تضمر الأحاسيس نفسها التي يبديها البشر، يعتبرها البعض إساءة للجنس البشري وانتقاصا من قدره. هكذا تكال التهم لمن يؤمن بذكاء بعض الحيوانات ويصور على أنه يسعى إلى إسباغ صفات يختص بها الإنسان على الحيوان، وبما أن الأمر بعيد عن هذا التبسيط، يلجأ الكثيرون إلى تسطيح أكثر للخروج من دائرة الاتهام والاكتفاء بالقول إن الحيوان يختلف عن الإنسان.

لكن ألا يحق لنا أن نفترض، على الأقل من وجهة نظر تطورية، بأن الحيوان الذي يمتلك دماغا يقترب في حجمه من الدماغ البشري، يمكن لسلوكه أن يرتكز على أساس سيكولوجي مثل الإنسان؟

بالإضافة لذكاء الدلافين المميز؛ اتضح أنها تتمتع بصفات quot;إنسانيةquot; واعية ومقصودة؛ كالتضحية والحب والتعامل الرحيم. ففي القاعدة البحرية في فلوريدا توجد فرقة دلافين خاصة مهمتها البحث عن الألغام وتفجيرها. ومن خلال التجارب اتضح أن الدلافين لا تميز فقط الأنواع المختلفة للمتفجرات- التي دربت عليها- بل وتميز الأنواع الجديدة منها وتتعامل معها بحذر... وحين تقترب من أحد الألغام الخطيرة تتوقف معظمها عند مسافة آمنة من الانفجار، في حين يضحي دولفين أو دولفينان بحياتهما ويصطدمان باللغم.

ومنذ زمن بعيد يسعى العلماء لدراسة أصوات الدلافين والطرق التي تتفاهم بها عن بُعد. ومن المعروف حتى الآن أنها تتفاهم مع بعضها البعض من خلال مستويات صوتية تشبه الصفير يمكن تسجيلها وتحليلها. ورغم أنها لم تصل لدقة وتخصص الكلمات البشرية المنطوقة (أو هكذا نعتقد)، فإنها تملك مستويات صوتية أكثر تعقيداً من أصوات البشر. ويعتقد علماء الحيوان في جامعة كاليفورنيا أن فهم أصوات الدلافين، خصوصاً تلك التي تعجز الأذن البشرية عن سماعها، ضروري لفهم طريقة تفكيرها والمنطق الذي تتصرف من خلاله.
فرانز دي وال

أستاذ علم النفس في جامعة إيموري الأميركية