الخميس: 2006.10.12
أفق آخر
خيري منصور
مفارقة ذات مغزى كبير أن تقتل صحافية في اليوم الذي احتفل فيه رئيس جمهورية بلادها بعيد ميلاده، وبعد يوم واحد من احتفال رئيس وزراء الشيشان بعيد ميلاده أيضاً.
الموت والميلاد ليسا فقط وجهي عملة الوجود، بل هما الجدل الأبدي بين شاهد الحق وشاهد الزور وبين النور والظلام، الآن يضاف اسم ldquo;آناrdquo; الروسية إلى جملة من ldquo;الآناتrdquo; في التراث السلافي الذي حمل اسماء عديدة.
آنا اخماتوفا شاعرة انتحرت في زمن ستالين.
وآنا كرنينا الاسم الذي اقترن بأهم روائي روسي هو تولستوي، إضافة إلى مارد الأدب الروسي ديستويفسكي.
من قتل آنا فالفسكايا في مصعد توقف عن الصعود إلى الأبد بالنسبة لها على الأقل؟
كتبت عن الشيشان وعن حقوق الإنسان وانتقدت بشدة انتهاكات وحشية لمصائر بشر أبرياء، لأنها كانت وفية للقسم باسم مهنتها التي أصبحت من المهن الأكثر تعرضاً للموت في عصرنا وهي مهنة الصحافة.
والإحصاءات التي تقول إن أكثر من ستين صحافياً يقتلون في عام على امتداد العالم تضيف أن حصة الشرق الأوسط منهم هي الأكبر لأن من يريدون لجرائمهم أن تكون كاملة لا يطيقون ذكر اسم الصحافي خصوصاً إذا لم يكن ممهوراً بتواقيعهم وخادماً أميناً لأهدافهم غير النبيلة على الإطلاق.
فهل يكتب هؤلاء بالحبر أم بالدم أم بالماء؟
سؤال يشمل آلاف المشتغلين في هذا الحقل المملوء بالألغام والكمائن.
إن اغتيال صحافي أو صحافية في أقصى زاوية من العالم هو اغتيال رمزي لكل زملائهما، فالمدرجون على القائمة كثيرون، وقد تحمل لنا قوائم الأعوام القادمة اسماء يشكل إعدامها نقصاً جوهرياً في عدد الشهود الذين لايزالون على قيد القسم وعلى قيد الضمير أيضاً.
الصحافية الروسية أم لولدين، ولم تبلغ الخمسين بعد، أي أنها في مقتبل عمرها الآخر، عمر الشهادة والكتابة وافتضاح المشاهد الدموية التي يجري التستر عليها.
لكن هل يفلح اغتيال هذه الضمائر في ترهيب الآخرين؟ أم يضاعف من تحفيزهم على مواصلة الحرب ضد الطغيان؟ الأرجح أن ما يحدث هو الاحتمال الثاني لأن الترهيب لو أفلح منذ قرون لانتهى العالم إلى ظلام دامس لا تومض فيه حتى نجمة واحدة.
واغتيال شهود الحق في هذا العالم الموبوء بل المحتل من القطب إلى القطب يليق به تعامل آخر، غير هذا الاحتفاء الموسمي، أو تقديم القوائم ذات الشريط الأسود.
التعليقات